تفجيرات بيجر لبنان.. كيف تراها الاستخبارات الغربية؟
بين الموافقة عليها ورفضها لتبعاتها، أبدى عدد من مسؤولي الاستخبارات الغربية، رأيهم في عملية تفجيرات بيجر لبنان التي راح ضحيتها آلاف من عناصر حزب الله.
فبحسب صحيفة «فايننشيال تايمز»، فإنه بينما كان عدد من المسؤولين التنفيذيين الإسرائيليين في حالة من السعادة بعدما شاهدوا كيف قتلت أو شوهت أجهزة النداء المتفجرة الآلاف من مقاتلي حزب الله والمدنيين في لبنان في سبتمبر/أيلول الماضي، خفتت سعادتهم بعد لقائهم رئيسا سابقا لأحد أجهزة الاستخبارات الغربية، الذي بدلا من الإشادة بالعملية رفضها الرجل.
وقال المسؤول السابق، إن العمليات من هذا النوع يجب أن تكون «ضرورية ومتناسبة» حتى تتم الموافقة عليها قانونيًا في بلده، مشيرًا إلى أنه على هذا الأساس فإن تفجيرات البيجر لا تلبي معاييره.
وتركت تفجيرات البيجر مسؤولي الأمن حول العالم في حالة من الذهول والحيرة، بسبب جرأة العملية والشبكة المعقدة لشركات الواجهة التي أنشأتها إسرائيل لتوريد الأجهزة المفخخة وفقا لما ذكرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
ومع ذلك، فإن الهجوم الذي يعد إعادة صياغة رقمية لفكرة "حصان طروادة" قد أثار نقاشًا أوسع نطاقًا بين رؤساء الأمن الغربيين حول سؤالين الأول: هل أنظمة الاتصالات الخاصة بهم معرضة بشكل مماثل للتنصت؟ والثاني: هل سيوافقون على عملية مماثلة؟
وفي مقابلات مع أكثر من 12 مسؤولًا أمنيًا كبيرًا حاليًا وسابقًا من 4 من أهم حلفاء إسرائيل في الغرب، أقر الجميع بأن العملية كانت إنجازًا غير عادي للتجسس، لكنّ 3 فقط قالوا إنهم سيوافقون على عمل مماثل.
وقال أحد المسؤولين إن العملية تشكل سابقة خطيرة قد تستخدمها الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل «الإرهابيين» أو «المجرمين»، إضافة إلى القلق المتعلق بكيفية تهريب الأجهزة المحشوة بالمتفجرات عبر أوروبا والشرق الأوسط، مما يشكل خطراً على الممتلكات والأرواح البشرية على طول الطريق.
وفي مقابلة تلفزيونية وصف ليون بانيتا، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق، الهجوم بأنه "أحد أشكال الإرهاب" وهي وجهة نظر تبناها مسؤولون آخرون.
وقال رئيس استخبارات سابق: "لا أعتقد أن أي جهاز استخبارات غربي آخر قد يفكر في مثل هذا النوع من العمليات، التي تؤدي إلى تشويه الآلاف من الناس".
فيما قال مسؤول دفاعي كبير: "أنا أحب الجرأة، لكن ما كنت لأوافق على العملية.. كانت هناك فرصة لأن تقتل أجهزة النداء، على سبيل المثال، طفلاً كان يحملها".
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن مسؤول استخبارات كبير سابق، قال: "كانت عملية غير عادية حتى لو اعتبرتها العديد من الدول الغربية جريمة قتل (..) الآن ستسأل وزارات الدفاع في مختلف أنحاء العالم كيف نحمي أنفسنا من عمليات تخريب مماثلة؟"
تفاصيل العملية
وقال أشخاص مطلعون على العملية إنها ناجمة عن متفجرات بلاستيكية صغيرة لكنها قوية مخبأة في بطاريات الأجهزة ومفجر غير مرئي للأشعة السينية تم تشغيله عن بعد.
وفي البداية، أنكرت إسرائيل تورطها في العملية لكن بعد عدة أسابيع قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصحيفة "لوموند" الفرنسية إنه وافق شخصيًا عليها.
وتشبه العملية عمليات أخرى للاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) ففي عام 1972، فجّر عملاء إسرائيليون هاتفًا زرعوا فيه متفجرات، استخدمه ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس محمود همشري الذي فقد ساقه وتوفي لاحقًا وفي عام 1996، وكرروا الخدعة مع يحيى عياش، صانع القنابل في حركة حماس.
لكن الاختلاف بين هذه العملية وعملية البيجر 2024 هو النطاق كما أنه تلتها سلسلة من التفجيرات باستخدام أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة يستخدمها عناصر حزب الله.
جرس إنذار
وحذر جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني MI6 من أن العملية كانت بمثابة "جرس إنذار ثمين" بشأن ضعف سلاسل التوريد الغربية مما يعرضها لاحتمال اعتراضها بواسطة الإرهابيين.
وتخريب سلاسل التوريد وتنفيذ الاغتيالات هي عمليات قديمة قدم التجسس نفسه حيث استخدمت الجيوش في العصور الوسطى الجواسيس للعمل كتجار لاكتشاف ما يشتريه خصومهم كما كانوا يسممون إمدادات المياه، وذلك وفقًا لما ذكره كالدر والتون، مؤرخ التجسس.
وأثناء الحرب الباردة، قامت وكالة المخابرات المركزية بتهريب رقائق كمبيوتر معيبة إلى سلاسل التوريد التي استخدمها الاتحاد السوفييتي لسرقة التكنولوجيا الغربية عبر شركات واجهة تجارية.
وفي 1982، نفذت المخابرات المركزية المثال الأكثر نجاحًا من خلال بعض البرامج المعطلة التي فجرت خط أنابيب الغاز دون أن تؤدي إلى مقتل أي أحد، لكن الإصلاحات كلفت الكرملين ملايين الروبلات.
ومؤخرا، أعرب عدد من المسؤولين الأمريكيين عن قلقهم من أن تتمكن إسرائيل من نصب فخاخ للأدوات الإلكترونية العادية مثل أجهزة النداء، وهو ما قد يؤدي أيضا إلى تفجير أي شيء تقريبا يعمل بالبطاريات.
في المقابل، قال أحد المسؤولين: "الحرب تدور حول العنف" وأضاف أن أجهزة النداء كانت تستخدم من قبل عملاء حزب الله، وكانت إسرائيل في حالة حرب مع الجماعة.
ووصف أحد كبار المسؤولين الأمنيين الغربيين العملية بأنها "جميلة للغاية"، قائلا إن الدول الغربية قد تعترض على تجاهل إسرائيل الواضح للخسائر المدنية الناجمة عن الهجوم، لكن هذا لا يقارن بالضراوة التي هاجم بها الجيش الإسرائيلي غزة ولبنان.
وقال جون راين، المستشار البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "إن حسابات إسرائيل الأمنية تختلف عن حسابات الغرب".
وتساءل أحد المسؤولين "إذا كانت دولتنا تواجه أيضا تهديدا وجوديا مماثلا لما تواجهه إسرائيل، فماذا كنا سنفعل؟".
aXA6IDMuMTQ3LjUxLjcyIA==
جزيرة ام اند امز