إسرائيل تقضم «معادلة الردع» في لبنان.. توازن جديد «وراء الليطاني»؟
نفذت إسرائيل خلال الأسابيع الماضية عمليات بالعمق اللبناني، متجاهلة معادلة ردع ضمنية مع حزب الله، وشجعها سلوكه على التفكير في الحسم.
وطالما اعتبرت تل أبيب بقاء عناصر الحزب في جنوب لبنان رغم قرار أممي سابق أنهى آخر جولات الصراع بين إسرائيل وحزب الله ألزم المسلحين بالتراجع إلى ما وراء نهر الليطاني، أبرز تهديد تواجهه، قبل أن يباغتها "طوفان" حماس، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، الذي ألحق بها أفدح خسارة منذ حرب عام 1973.
ووسط الحديث عن إمكانية إبرام اتفاق هدنة في القطاع الفلسطيني قريبا، يرى الخبير الاستراتيجي اللبناني ناجي ملاعب أن عملية عسكرية إسرائيلية في لبنان ممكنة، في ظل دعم سياسي غربي غير مسبوق.
وأشار إلى أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعتقد أن من بين أهم أهدافها حاليا إبعاد خطر الشمال (الحدود مع لبنان) بالسياسة أو بالحرب.
وبدأ حزب الله ما قال إنه علميات إسناد لغزة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحينها دفعت الولايات المتحدة الأمريكية بحاملة طائرات قبالة الساحل اللبناني على البحر المتوسط لردع الحزب عن توسيع الحرب، فيما كانت تل أبيب لا تزال تستفيق من تداعيات هجوم حماس.
وأبقى الحزب على عملياته الهجومية تحت سقف معادلة الردع الضمنية، ودافع أمين عام حزب الله حسن نصرالله عن موقف جماعته مشيرا في أكثر من مناسبة إلى تعقيد الوضع السياسي في لبنان.
- «توسيع الحرب»؟.. إسرائيل تضع خطة «التوغل البري» في لبنان
- مقترح الهدنة الفرنسية.. لبنان يدرس والرد الأسبوع المقبل
الضاحية تحت القصف؟
وبالفعل حاول حزب الله أن يحدد مسار المعركة والعمليات، إلا أن إسرائيل لم تجارِه بهذا الأمر ووسعت عملياتها، عبر عمليات قصف واغتيال نوعية نفذت إحداها في قلب الضاحية الجنوبية (معقل الحزب) عندما اغتالت صالح العاروري المسؤول البارز في حركة حماس.
كما قصفت تل أبيب عددا من المستودعات في بعلبك بمحافظة البقاع داخل عمق أكثر من 100 كلومتر، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من العمليات في شرق مدينة صيدا ومدينة النبطية (60 و25 كيلومترا في العمق اللبناني على التوالي).
وعلى الأرض، خلّف القصف الإسرائيلي دمارا كبيرا في القرى الحدودية طال أكثر من ألف وحدة سكنية دمرت بالكامل، حسب وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي، إضافة إلى خسائر بشرية تجاوزت الـ330 شخصا بينهم نحو 235 مسلحا من حزب الله.
وإذا كان حزب الله لم ينجر إلى توسيع عملياته وكانت النقطة الأبعد التي استهدفها مدينة صفد (18 كيلومترا) في الداخل الإسرائيلي، لكن ردوده كانت عبر استعمال أسلحة نوعية جديدة كأنواع صواريخ جديدة مثل فلق وبركان.
كما استعمل للمرة الأولى منظومة دفاع جوي استطاع عبرها إسقاط مسيرة إسرائيلية متطورة من نوع هيرمس 405 في محاولة منه للحفاظ على "معادلة الردع".
لكن الخبير اللبناني ملاعب يجزم برغبة الجيش الإسرائيلي في بدء حرب على حزب الله، وإنهاء موضوع الشمال، لكن أشار إلى أن تل أبيب تدرك أنها غير مستعدة عسكريا، في المقابل حزب الله لا يريد الدخول إلى هذه المعركة، وإن كان استعد عسكريا.
شبح الحرب
وتعطلت جميع المبادرات الدولية والإقليمية التي حاولت القيام بها دول فاعلة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية نتيجة إصرار الحزب على ربط المعركة في الجنوب بما يجري في غزة.
وكان آخرها مبادرة تقدم بها المفاوض الأمريكي أموس هوكشتاين إلى لبنان، ولم تظهر لها أي نتيجة، ليرد الإسرائيليون في المقابل بتسريب خبر التحضير لعملية اجتياح بري للبنان.
وأفادت القناة 13 الإسرائيلية على سبيل المثال أن الجيش الإسرائيلي يُجهز خطة لعملية برية محتملة في لبنان، موضحة أنه قد تم تكليف العميد موشيه تمير مُعّد خطة حرب غزة، وطُلب منه استخلاص الدروس من القتال في القطاع، على نحو يحمل إشارات أن شبح حرب كبيرة وشاملة يقترب من بلاد الأرز.
حزب الله بدوره، قلل من قيمة التهديدات العسكرية لإسرائيلية ووضعها في إطار التهويل، إذ قال النائب عن الحزب حسن فضل الله إن إسرائيل غير قادرة على القيام بحرب كبيرة، وليس هناك معطيات بهذا الشأن، مستدركا أن بأن ذلك يعني حربا شاملة.
وأضاف، في تصريحات على قناة المنار، أن حزب الله يتحضر يوميا لحرب كبيرة، كأنها واقعة، مؤكدا جاهزيته تسليحيا ولوجيستيا للمواجهة وأنه "لن يسكت أو يرتدع".
وتأتي تلك التصريحات، في وقت يرى مراقبون أن لبنان مقبل على كارثة كبيرة في ظل أزمة اقتصادية خانقة وفراغ رئاسي بالإضافة إلى علامات استفهام بشأن العلاقات اللبنانية الخارجية، على نحو ربما يجعله فاقدا للدعم المساند كما جرى في حرب يوليو/تموز 2006.
منطقة إسرائيلية عازلة
وتحدث كذلك عن أن الجيش الإسرائيلي استطاع تنفيذ منطقة عازلة في غزة، في إطار سعى لتطويق القطاع بالتدمير وخلق المناطق العازلة عبر دخوله إلى رفح، وهذا ما تحاول تل أبيب القيام به من خلال خلق منطقة مدمرة بقطر حوالي 7 كيلومترات.
والمسافة الأخيرة، تقي إسرائيل من الصواريخ الأفقية التي لا تصلها القبة الحديدية، حسب ملاعب الذي لفت إلى أن تل أبيب بدأت القيام بهذا الأمر من خلال تدمير القرى وحرق الأحراش في المناطق الحدودية على نحو يحميها كذلك من توغل بري أيضا.
وفي ختام تصريحاته لـ "العين الإخبارية"، يقول الخبير الاستراتيجي اللبناني إن إسرائيل ليست بحاجة إلى الدخول البري للبنان طالما تمتلك هذا الرصد الجوي والقوة الجوية الكبيرة، فإنها تستطيع تنفيذ جزء كبير من أهدافها دون الاجتياح البري الذي يعتبر صعبا.
وأيا كانت السيناريوهات، وضعت الحكومة اللبنانية خطة طوارئ لمواجهة أي حرب شاملة، وضمنتها مناطق إخلاء ومستشفيات ميدانية وغيرها.
لكن مختلف الفرقاء اللبنانيين أجمعوا على أنها خطة نظرية غير قابلة للتنفيذ خصوصا في غياب التمويل، والمؤكد كذلك أن اللبنانيين في قلق وترقب، خوفا أن تطولهم آلة الحرب الإسرائيلية بسبب "مشاغلات حزب الله".
في وقت يصر الحزب في حديثه للداخل اللبناني، الرافض للحرب بأغلبيته، أن عملياته لا تتجاوز الحدود، وأنها تأتي في إطار مساندة غزة لإلهاء تل أبيب وإلزامها تحييد جزء مهم من قواتها نحو الحدود الشمالية.