اعتراف مؤجل بفلسطين.. كيف استفادت إسرائيل من التصعيد مع إيران؟

مع اتساع رقعة التصعيد بين إيران وإسرائيل لتشمل بنك أهداف جديدا داخل البلدين، كان لتلك التداعيات صدى ملموس، على المبادرات الدولية الساعية لإحياء القضية الفلسطينية.
أولى «ضحايا» تلك التداعيات، مؤتمر الأمم المتحدة الذي كان مقررًا في 18 يونيو/حزيران الجاري في نيويورك، والذي كان من المزمع أن يشهد إعلان فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية بمشاركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن يوم الجمعة، تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين لإسرائيل والفلسطينيين الذي كان مقرراً عقده في الأسبوع المقبل.
الإرجاء جاء كأحد التداعيات الدبلوماسية الخطيرة على التصعيد بين إيران وإسرائيل، وخاصة على المبادرات الدولية الساعية لإحياء القضية الفلسطينية، بحسب خبراء فرنسيين.
إسرائيل تقطع الطريق
ويقول البروفيسور فيليب كولار، أستاذ العلاقات الدولية والباحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة باريس الثانية لـ"العين الإخبارية" إن "الضربات الإسرائيلية لا يمكن فصلها عن التوقيت وعن القضية الفلسطينية".
وأضاف: نتنياهو يدرك تمامًا ما الذي كان يُحضَّر في نيويورك، وما يمثّله اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية من تحول دولي خطير على إسرائيل.
وأشار إلى أن «الهجوم بهذا الحجم وفي هذا الوقت تحديدًا يحمل رسالة واضحة: لا تسويات في المنطقة طالما أن تل أبيب خارج دائرة القرار»، معتبرا «هذا الهجوم ضربة استباقية لمنع أي تقارب محتمل بين السعودية والسلطة الفلسطينية من جهة، وفرنسا والقوى الأوروبية من جهة أخرى، تحت مظلة الاعتراف الدولي بفلسطين».
تشتيت التركيز الدولي
من جهتها، قالت الدكتورة كلير ميسان، باحثة متخصصة في شؤون النزاعات الإقليمية في معهد العلاقات الاستراتيجية الفرنسي لـ"العين الإخبارية"، إن "فرنسا كانت تخطط للقيام بخطوة رمزية كبرى، تعادل في أهميتها ما قامت به بعض دول أمريكا اللاتينية سابقًا، ولكن في قلب أوروبا هذه المرة.
وأضافت أن الهجوم الإسرائيلي على إيران شتّت التركيز الدولي، وأعاد ترتيب الأولويات باتجاه الأمن الإقليمي بدلًا من حقوق الشعوب".
وتابعت ميسان: "من حيث النتائج، نجحت إسرائيل في تجميد ملف الاعتراف، ولو مؤقتًا. لكنها أيضًا قد تكون قد أسهمت دون أن تدري في تعميق الرغبة الدولية في كبح هيمنتها، خاصة إذا تطورت الأمور إلى مواجهة شاملة أو ردّ إيراني واسع".
مبادرة في مهبّ التصعيد
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتزم كتابة فصل جديد في تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد أعلن عن نية بلاده قيادة "ديناميكية دولية" من أجل "حلّ سياسي" يعيد إلى الطاولة خيار الدولتين، الذي تآكل بفعل الأحداث والتعنت الإسرائيلي والانقسامات الفلسطينية.
وكانت القمة المقررة في 18 يونيو/حزيران في مقر الأمم المتحدة بنيويورك تمثّل نقطة تحول رمزية وسياسية، وكان يفترض أن تجمع إلى جانبه الأمير محمد بن سلمان، وقيادات فلسطينية، بهدف إطلاق الاعتراف الرسمي الفرنسي بالدولة الفلسطينية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
لكن كل تلك الآمال تحطمت في فجر الجمعة، حين شنّت إسرائيل هجومًا جويًا ضخمًا استهدف منشآت نووية وعسكرية إيرانية، في «تصعيد مفاجئ أعاد خلط أوراق الشرق الأوسط، ووضع باريس في موقف حرج، وأجبرها على تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى».
اعتبارات أمنية وأبعاد أعمق
وفي مؤتمر صحفي عُقد مساء الجمعة في قصر الإليزيه، أعلن الرئيس الفرنسي قرار التأجيل، مبررًا ذلك بـ"أسباب لوجستية وأمنية". وقال ماكرون: "أبلغني ولي العهد السعودي، وكذلك رئيس السلطة الفلسطينية، بأنهم ليسوا في وضع يسمح لهم من الناحية اللوجستية أو الأمنية أو السياسية بالتوجّه إلى نيويورك".
وأضاف: "هذا التأجيل لا يلغي التزامنا الثابت بحل الدولتين، سنحدد موعدًا جديدًا في أقرب فرصة. الديناميكية التي أطلقتها هذه المبادرة لا يمكن إيقافها".
رغم هذه التصريحات المطمئنة، إلا أن العديد من المحللين رأوا في تأجيل المؤتمر نكسة واضحة للمسار السياسي الذي كانت باريس تأمل أن تتصدره.
ما وراء التأجيل
في حين أعلن الإليزيه أن المؤتمر سيُعاد جدولته قريبًا، إلا أن مصادر دبلوماسية مطّلعة أكدت لوسائل إعلام فرنسية أن لا موعد محدد حتى اللحظة، وأن الأولويات تحوّلت بالكامل نحو احتواء التصعيد بين إيران وإسرائيل. كما عبّرت دوائر فلسطينية عن خشيتها من أن يتحوّل هذا التأجيل إلى طيّ صامت للملف، خاصة في ظل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على باريس.
بالتوازي، لم تصدر أي إدانات قوية من الدول الغربية للضربات الإسرائيلية، ما اعتبره البعض ضوءًا أخضر غير معلن لإسرائيل لتعطيل أي تحرك دولي يصب في صالح الفلسطينيين.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA= جزيرة ام اند امز