تمرين إسرائيلي يحاكي حربا على لبنان.. لماذا الآن؟
ليست المرة الأولى التي تنفذ فيها إسرائيل تمرينا عسكريا على حدود لبنان، لكن سياقه هذه المرة يختزل أكثر من دلالة ويبعث بأكثر من رسالة.
وعلى وقع التراجع في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة أجرى الجيش الإسرائيلي تمرينا مفاجئا يحاكي حربا شاملة في لبنان.
وسبق أن سعت واشنطن إلى إبرام اتفاق لوقف النار بين حزب الله وإسرائيل، لكنها قررت وقف هذه المحاولات بانتظار التوصل لاتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة "حماس".
ومع جمود المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل و"حماس" بوساطة مصر وقطر بدعم أمريكي تصاعدت الأوضاع على الجبهة الشمالية بين إسرائيل وحزب الله.
وتزداد الأوضاع سخونة مع إعلان إسرائيل عزمها الدفع قدما في عملية عسكرية برفح، جنوبي قطاع غزة، رغم التحذيرات الأمريكية من أن هكذا عملية ستكون خطأ في حال لم يتم إيجاد حل لمئات آلاف المدنيين الفلسطينيين بالمدينة.
يحاكي حربا شاملة
في خطوة مفاجئة، أجرى الجيش الإسرائيلي تمرينا لم يكن مقررا مسبقا يحاكي حربا شاملة على الحدود الشمالية مع حزب الله في لبنان.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان تلقته "العين الإخبارية": "أقيمت هذا الأسبوع دورة تعليمية قيادية لدى قيادة المنطقة الشمالية والتي تناولت قضية الجاهزية للجبهة الشمالية لدى مقر قيادة المنطقة الشمالية برئاسة قائد المنطقة الشمالية، الميجر جنرال أوري غوردين، وبحضور قادة الفرق، وقادة الألوية وقادة الكتائب النظامية والاحتياط الذين يشاركون في المعارك على الحدود الشمالية".
وأضاف: "في إطار الدورة، اطلع القادة بإمعان على المضامين المهنية والخطط العملياتية والاستراتيجية لسيناريو القتال على الجبهة الشمالية"، في إشارة إلى لبنان.
وتابع: "تضمنت دورة الاستكمال بقيادة الفرقة 36 محاضرات مهنية والتعلم من عِبر القتال الذي خاضته الفرقة في قطاع غزة، مع الملاءمات الخاصة بتحديات المنطقة الشمالية".
ولفت إلى أنه "خلال دورة الاستكمال، استعرض رئيس الأركان، الجنرال هيرتسي هاليفي، أمام المنتدى التحديات الاستراتيجية، والاستعدادات تمهيدًا للمراحل اللاحقة من الحرب".
ووفق البيان، فإنه "بالإضافة إلى ذلك، جاب المشاركون المحطات المختلفة حيث أثروا معارفهم في مجالات النيران، والاستخبارات، والهندسة، والاتصالات والحوسبة والدعم الإداري. وحاكت المحطات القدرات المتنوعة المتوفرة لدى القادة في ميدان المعركة والقوة الكامنة في الدمج بينها".
"نهج هجومي"
وفي هذا الصدد، قال قائد المنطقة الشمالية بالجيش الإسرائيلي، الميجر جنرال أوري غوردين: "نشهد حربًا منذ ما يقارب نصف سنة، وهي لا تقتصر على حزب الله".
ولفت إلى أنه "في الليلة الماضية، عملنا في مواجهة الجماعة الإسلامية، من خلال إنجاز عملية إحباط ناجحة باستهداف عدد كبير من العناصر، حيث قرر حزب الله نفسه هذا الصباح الرد باستهداف كريات شمونة".
وأضاف: "نحن ننفذ هجمات نوعية للغاية ضد حزب الله، وسنواصل اتباع نهج هجومي من أجل الاستمرار في ضرب ومزاحمة حزب الله وتكبيده خسائر فادحة. نحن عازمون على تغيير الوضع الأمني في المنطقة الشمالية ليستطيع السكان العودة إلى المنطقة الشمالية بأمان ومع الشعور بأمان".
وتابع: "ونحن من الناحية الأخرى نهاجم حزب الله بقوة شديدة للغاية، والهيكل التنظيمي لحزب الله، كما نسدد ضربات عديدة للمنطقة التي يتصرف فيها، وإذا أدركنا أنه يتعين علينا التصرف فسنتصرف في الليلة القادمة أيضًا لأن الجاهزية موجودة".
من جانبه، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "في شكل مفاجئ، تم الانتهاء اليوم من تمرين لتحسين استعداد الجيش الإسرائيلي للقتال في الساحة الشمالية".
وأوضح أن "الهدف من هذه المناورة هو تعزيز استعداد الجيش الإسرائيلي لمختلف السيناريوهات في الساحة الشمالية، قادت مديرية العمليات التمرين متعدد الفروع، وشملت القيادات والأسلحة والأجنحة بالإضافة إلى هيئة الأركان العامة".
وأشار إلى أنه "كجزء من التدريب، سيتم ممارسة هجمات ضخمة بعيدة المدى، تحلق في عمق أراضي العدو، وسيتم اتخاذ القرار في ظروف الحرب والتدريبات المفاجئة لمختلف الوحدات".
وتابع: "ويشمل البرنامج التدريبي جميع تشكيلات سلاح الجو الإسرائيلي ومقر عمليات القوات الجوية، الذي يقوم بالإضافة إلى إدارة الحرب بعمليات الاستعداد والتدريب المستمر وتطوير العقائد القتالية".
سيناريو ممكن
في قراءته للتطورات، يرى عاموش هارئيل، المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، أن "الركود في المحادثات بين إسرائيل وحماس قد يحول الصراع مع حزب الله إلى حرب واسعة النطاق".
وقال هارئيل، في تحليل تابعته "العين الإخبارية": "الحرارة على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية ترتفع، لكن بطريقة تحت مستوى الحرب الشاملة".
وأضاف: "لو أخبرونا قبل سنة بأن صواريخ ستطلق على الأراضي الإسرائيلية من لبنان لمدة ستة أشهر بشكل متواصل، وأن 60 ألف إسرائيلي من سكان المنطقة الحدودية سيتركون بيوتهم، وأن إسرائيل ستحصي أكثر من 20 قتيلاً، لبنان نحو 350 قتيلاً، لقلنا إنها الحرب".
ومع ذلك، شدد على أن "إسرائيل وحزب الله يستمران في تجنب المواجهة الشاملة حتى لو ما زال تغيير ذلك ممكناً".
واستدرك هارئيل: "أحداث الأيام الأخيرة تعكس تصعيداً آخر، إسرائيل تهاجم العمق اللبناني، شمال بيروت وفي البقاع. وعلى مرمى الهدف منظومات مسيرات حزب الله وعدد من بطاريات الدفاع الجوي".
ولفت إلى أن "حزب الله رد بكتلة حرجة من القذائف، رشقات تصل إلى 50 قذيفة في اليوم، لكنه لا يخلق معادلة متساوية، مهاجمة في عمق 100 كم داخل إسرائيل، بل يوجه هذه الرشقات نحو الجليل، ومرات لهضبة الجولان".
وأضاف: "منذ بداية الحرب، فضل حزب الله تجنب إرسال رجاله في محاولة للتسلل إلى أراضي إسرائيل. ألقيت هذه المهمة على منظمات سنية وفلسطينية أصغر، حتى الآن تم صد هذه المهمة بنجاح على يد الجيش الإسرائيلي".
وبالنسبة له، فإن "حزب الله والمنظمات التي تعمل بتنسيق معه تتعرض لإصابات لا بأس بها، ليس قتلى فقط، بل مهاجمة إسرائيلية ممنهجة لقيادات ومواقع عسكرية ومخازن سلاح على طول الجبهة".
وتابع هارئيل: "والنتيجة أن معظم رجال الرضوان، قوة النخبة في حزب الله، انسحبوا من القطاع الحدودي. وثمة ظاهرة مشابهة بحجم أصغر، يتم تشخيصها أيضاً في أوساط ألوية الأمن الجاري لحزب الله التي تنتشر في جنوب لبنان".
وفي موازاة ذلك، يقول، "يهتم الجيش الإسرائيلي ببث أنه يستخلص الدروس من الحرب في قطاع غزة لإعداد قواته لحرب أكثر كثافة في لبنان. جرى في الفترة الأخيرة تدريب على هذا الشأن في المنطقة الشمالية".
وأشار المحلل العسكري الإسرائيلي إلى أن "العمليات ضد منظومات المسيرات وصواريخ أرض–جو لحزب الله تتم في عمق لبنان، وقد استهدفت تحسين تفوق سلاح الجو العملياتي إذا اندلعت حرب شاملة". ومستدركا: "لكن جميع هذه العمليات لا توفر أي مخرج من الظروف غير المحتملة التي اضطر فيها سكان منطقة الحدود للمغادرة".
وقال: "يبدو أن نقطة الانطلاق المحتملة من الأزمة معروفة. فقد أوضحت الإدارة الأمريكية نيتها استئناف الجهود السياسية للتوصل إلى هدنة على الحدود بين إسرائيل ولبنان في اللحظة التي يعلن فيها عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في القطاع".
واستدرك: "ولكن الاتصالات حول وقف إطلاق النار وصفقة تبادل في غزة وصلت إلى طريق مسدود، والجمود يؤثر أيضاً على الساحة اللبنانية التي تعتبر ثانوية، لكنها قد تتحول بسهولة إلى الساحة الرئيسية، وأن تؤدي إلى نزيف بقوة أكبر". وختم بالقول إن "منطقة الشمال تثير اهتماماً وقلقاً بشأن تفاقم الحرب".