من غزة إلى جنوب لبنان.. أحلام اليمين الإسرائيلي تصطدم بـ«كابوس»
من إعادة احتلال غزة للسيطرة على جنوب لبنان، مطالب توسعية لليمين المتطرف في إسرائيل، يحاول تمريرها مستفيدًا من «ضعف» رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
فللمرة الأولى منذ بداية الحرب، دعا وزير المالية وزعيم حزب «الصهيونية الدينية» اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش للسيطرة على جنوب لبنان.
ومنذ بداية الحرب دعا سموتريتش مرارا نتنياهو لإعادة احتلال قطاع غزة، ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن للإشارة في أكثر من مناسبة إلى أن قرارات نتنياهو باتت رهينة مطالب سموتريتش وشريكه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وبما أن سموتريتش وبن غفير يملكان مفاتيح بقاء حكومة نتنياهو أو سقوطها، فعادة ما ينظر إلى تصريحاتهما بأهمية كبيرة.
لكنّ محللين إسرائيليين يشيرون إلى أن انشغال القوات الإسرائيلية بالحرب في غزة يقيد قدرة الجيش على تنفيذ عملية واسعة في لبنان.
وفي مؤتمر صحفي بشمال إسرائيل، قال سموتريتش: «لكي يعود سكان الشمال (إسرائيل) إلى واقع أمني مختلف ويتمكنوا من النوم بهدوء في الليل، يجب أن تنتهي هذه الحرب بهزيمة عسكرية حاسمة لحزب الله ومنطقة أمنية سيبقى فيها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان».
وأضاف: «يجب إعطاء إنذار نهائي، وإذا لم يتم الوفاء به بالكامل، فعلى الجيش الإسرائيلي أن يشن هجوماً يحمي سكان الشمال - بما في ذلك الدخول البري والسيطرة على جنوب لبنان»، مشيرًا إلى أن الإنذار لحزب الله يجب أن يتضمن «سحب كافة قواته إلى ما وراء نهر الليطاني».
واعتبر سموتريتش أنه «على الحكومة أن تقرر بشأن الوجود الدائم في قطاع غزة»، قائلا: «بدلاً من مناقشة الانسحاب من ممر نيتساريم، يجب إنشاء المزيد من المواقع الاستيطانية وخطوط السيطرة في شمال ووسط وجنوب قطاع غزة لمنع الوضع الذي تتمكن فيه حماس من استعادة بنيتها التحتية العسكرية وسيطرتها المدنية بمجرد مغادرة القوات».
وطالب ببقاء وجود دائم للجيش الإسرائيلي في معبر رفح وعلى «طول طريق فيلادلفيا وفي مدينة رفح (..) نحن على طريق الحرب، إنه أمر لا مفر منه».
هل تقتنع أمريكا؟
وبشأن كيفية إطلاق عملية عسكرية في الشمال دون دعم أمريكي، قال سموتريتش: «لدينا علاقة جيدة جدا مع الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، لدينا حجة مركزية».
واستدرك: «الولايات المتحدة تريد إنهاء الحرب من مصالحها الخاصة، ونحن لسنا مستعدين لقبول ذلك. يحظر قبول الإملاءات الأمريكية بجهل».
ردود الفعل
وما إن أنهى سموتريتش تصريحاته حتى تصدرت العناوين في إسرائيل، وأطلق ردود فعل متنوعة.
فمصدر أمني إسرائيلي رفيع هاجم في تصريح للقناة 12 الإسرائيلية سموتريتش، قائلا: «بعد إرسال الجنود إلى حكومة عسكرية في غزة، يرسلهم (سموتريتش) لحكم لبنان، إنه يقود خطا خطيرا».
وتساءل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان عن الجنود الذين سينفذون مطلب سموتريتش.
وقال في منشور عبر حسابه الرسمي بمنصة «إكس» (تويتر سابقا): «لمعلومات الوزير سموتريتش، كان على الحكومة الإسرائيلية قبل عدة أشهر أن تستعد لإنشاء منطقة أمنية في جنوب لبنان، والسؤال المطروح الآن هو من هي بالضبط القوات التي ستفعل ذلك؟ جنود الاحتياط الذين مضى على وجودهم في الاحتياط أكثر من سبعة أشهر، أم الجنود النظاميون الذين لم يروا منزلاً؟»
أما وزيرة المساواة الاجتماعية السابقة من حزب «هناك مستقبل» المعارض ميراف كوهين فكتبت في منشور على منصة «إكس»: «سموتريتش وبن غفير المراوغان (لقد خدمت بالجيش أكثر من خدمتكما مجتمعتين، أليس كذلك؟)، يدعوان إلى إعادة الاستيطان في غزة وإقامة نظام عسكري هناك. والآن أيضاً إعادة إنشاء المنطقة الأمنية في جنوب لبنان».
وتساءلت: «من أين بالضبط سيحصل الجيش الإسرائيلي على العدد الكافي من الجنود لهذا الغرض، في حين يستمر سموتريتش وبن غفير في تشجيع تهرب اليهود المتشددين؟».
كابوس جديد؟
أما النائب السابق من حزب «ميرتس» موسي راز فكتب في منشور على منصة «إكس»: «منطقة أمنية في جنوب لبنان؟ لقد كنا في هذا الكابوس ومن الجيد أننا هربنا (..) الوزير سموتريتش؟ نحن في هذا الكابوس الآن وسوف نهرب».
وتساءل تسيون نانوس، المراسل في القناة 12 الإسرائيلية: «هل أضافوا آلاف الجنود الجدد إلى الجيش الإسرائيلي ولم يخبرونا؟ بالمناسبة - ربما يتعين على وزير المالية أن يعرف كم ستكلف هذه المطالب بينما يكافح من أجل كبح جماح ميزانية الدفاع».
أما الكاتب إيمانويل روزين، فكتب في منشور على منصة «إكس»: «ما مدى بساطة حياة سموتريتش. غزة؟ يغزو. لبنان؟ يغزو. الضفة الغربية؟ يغزو. وإذا أمكن التغلب على التضخم أيضاً، فمن المؤكد أنه سيكون أفضل وزير مالية في التاريخ».
حرب استنزاف
المحلل في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية يوسي يهوشع في تحليل تابعته «العين الإخبارية»، إن إسرائيل «تخوض حرب استنزاف في الشمال دون أن تلوح لها نهاية في الأفق».
وأضاف: «يواصل نصر الله إطلاق الصواريخ على الحدود الشمالية، في محاولة واضحة لإرهاق إسرائيل وتعطيل حياة سكانها؛ ولا يمكن لإسرائيل أن تستمر في تأجيل اتخاذ القرارات في هذا الشأن».
ولفت إلى أنه «في الأسبوعين الماضيين، كثف حزب الله هجماته ضد إسرائيل على طول الحدود الشمالية. وتستهدف المنظمة الأصول الاستراتيجية بصواريخ بعيدة المدى بينما تستخدم الطائرات بدون طيار والضربات الصاروخية في الهجمات المتاخمة للحدود».
وقال: «كما تصاعدت ردود فعل نصر الله على ضربات الجيش الإسرائيلي، بينما تجنب في الوقت نفسه حرباً واسعة النطاق، مع العلم أن تسامح إسرائيل له حدود».
لكن يهوشع أعاد طرح النقطة الأساس التي تمنع الجيش الإسرائيلي من عملية واسعة في لبنان، قائلا: «جوهر المشكلة يكمن في قدرة الجيش الإسرائيلي على القيام بخطوة حاسمة في لبنان أثناء تواجد القوات حالياً في غزة. وحتى الآن، هناك 10 فرق تنشط هناك، ويجب على الجيش إعادة تنظيم صفوفه لمعالجة الفشل في بناء القوة العسكرية اللازمة».
واستدرك: «لكن حزب الله يدفع أيضاً ثمناً باهظاً بسبب هجماته على إسرائيل، كما تم دفع معظم قوات النخبة التابعة لحزب الله رضوان إلى مسافة خمسة كيلومترات من الحدود. وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي هاجم معسكرات الرضوان ومستودعات الذخيرة ومصانع الصواريخ الدقيقة والبنى التحتية للدفاع الجوي، إلا أنه يبدو أنه أخطأ مستودعات الطائرات بدون طيار».
تهديد جديد
وأضاف: «نظراً للتهديد الجديد، فمن المهم تدميرها أكثر من تدمير أنظمة الدفاع الجوي. التحدي الكبير هو التعامل مع الطائرات بدون طيار باستخدام الوسائل الاستخباراتية والتكنولوجية. في الوقت الراهن، النتائج ليست واعدة».
وتابع: «رغم تحقيق حزب الله لأحد أهدافه الاستراتيجية، وهو إرغام إسرائيل على إخلاء المدن الشمالية، إلا أن الوضع في لبنان أسوأ بكثير مما هو عليه في إسرائيل. تم تدمير أكثر من 1700 منزل بالكامل، ولحقت أضرار بـ 14000 مبنى في جنوب لبنان، كما لحقت أضرار بالأراضي الزراعية، وهو ما يصعب تقديره في الوقت الحالي».
وأردف: «وخلافاً لإسرائيل، لا يوجد تعويض في لبنان لـ150 ألف مدني نازح. نصر الله لا يتناول الأضرار، وبالنسبة له فإن جنوب لبنان ليس له أي نتيجة. لكن الضغط على الحكومة من هناك يتزايد».
واعتبر يهوشع أنه «طالما لم يتم التوصل إلى صفقة رهائن، والحرب في غزة مستمرة، فسوف تحتاج إسرائيل قريباً إلى اتخاذ قرار استراتيجي فيما يتعلق بالشمال، لأن القتال هناك لم يعد محدوداً. هناك العديد من نقاط الضغط في لبنان، مثل الأهداف المدنية وتوسيع الهجمات شمالاً باتجاه بيروت، مع المخاطرة بحرب واسعة النطاق من شأنها أن تؤثر على الجبهة الداخلية لإسرائيل».
وقال: «وقد تكون هذه أيام من القتال العنيف، مما قد يؤدي إلى صراع أوسع نطاقاً. نصر الله لا يترك خياراً ويوسع الصراع رغم تفضيله حرب الاستنزاف هذه».
رفح وجنوب لبنان
بدوره، كتب المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل في تحليل تابعته «العين الإخبارية»: «حتى الآن، لم يصدر بعد الأمر للجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على رفح بأكملها. وتقدر هيئة الأركان العامة أن هذا سيستغرق شهرين على الأقل».
وأضاف: «إن الجهد المتجدد في قطاع غزة يقيد المزيد من القوات هناك، بما في ذلك عدد قليل من ألوية الاحتياط، ويأتي على حساب القدرة على تعيين المزيد من القوات على الحدود اللبنانية».
وأضاف: «أحد الأمور التي أوضحتها الأشهر الطويلة من القتال هو أن إسرائيل سوف تضطر إلى استخدام جميع قواتها، بما في ذلك التعبئة الكاملة لقوات الاحتياط، للقتال بفعالية على جبهتين رئيسيتين بالإضافة إلى عدد قليل من الجبهات الصغيرة».
وتابع: «في مواجهة التهديد الأمني المتزايد والمعزز، تجد إسرائيل صعوبة في إظهار تفوقها التكنولوجي والعسكري، ومن المؤكد أنها لا تقترب من النصر في غزة أو في الساحات الأخرى، على الرغم من الهراء الذي يصر نتنياهو على محاولة بيعه للجمهور».
aXA6IDMuMTM5LjEwOC45OSA= جزيرة ام اند امز