معضلة الرهائن.. ضغط شعبي على إسرائيل وانقسام بشأن اجتياح غزة بريًا
رغم زخم التصريحات الإسرائيلية حول الاجتياح البري المحتمل لقطاع غزة، ومناورة الدولة العبرية بالتأخير لدعم جهود حمل حماس على إطلاق سراح الرهائن، إلا أن تلك القضية ليست حجر الزاوية في قرار تل أبيب.
فمع تزايد الضغط الشعبي على الحكومة الإسرائيلية بالمضي قدمًا نحو تبادل الرهائن بمحتحزين فلسطينيين لديها، ترى تل أبيب، أن قضية الرهائن «لا ينبغي أن تعيق تحركاتها» في مسألة الاجتياح البري لغزة.
وقتل مسلحون من حماس 1400 شخص واحتجزوا أكثر من 200 رهينة في هجوم عبر الحدود يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
هل تتراجع إسرائيل؟
ويقول وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس لصحيفة «بيلد» الألمانية، إن إسرائيل لن تتراجع عن غزو بري محتمل لغزة بسبب قضية الأسرى المحتجزين هناك.
وأضاف وزير الطاقة الإسرائيلي، أن «حماس تريد ألا يدخل الجيش لتدمير بنيتها التحتية. وهذا لن يحدث».
ويُعتقد أن حماس تخفي الرهائن في قطاع غزة، ربما في متاهة الأنفاق التي حفرتها الجماعة المسلحة تحت الأرض، حتى بعد مقتل أكثر من خمسة آلاف فلسطيني في قصف إسرائيلي للمنطقة قبل غزو محتمل.
وتعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالقضاء على حماس. والقوات الإسرائيلية قد تدخل غزة في أي لحظة، لكن كثيرين من أسر الرهائن يحثونه على التركيز على الرهائن فحسب.
لا مساومة
وعين نتنياهو الجنرال المتقاعد جال هيرش منسقا إسرائيليا لشؤون الرهائن والمفقودين. ولا تتضمن تصريحاته العلنية حتى الآن أي إشارة للمساومة.
وقال أمام جمع من السفراء الأوروبيين الأسبوع الماضي في خطاب غاضب اتهم فيه الحكومات الغربية بعرقلة إسرائيل في المواجهات السابقة مع حماس «إن آلتنا الحربية تتحرك. لا تطلبوا منا أن نتوقف».
وأضاف: «هذا نداء يقظة لكم. لقد استيقظنا تماما. سيكون هناك رد لا يمكن تصوره. صدقوني. لقد بدأنا الحرب فحسب».
ما موقف أمريكا؟
إلا أن مصادر قالت لوكالة «رويترز»، إن الولايات المتحدة نصحت إسرائيل بالإحجام عن أي هجوم بري على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، بينما تسعى واشنطن لإطلاق سراح المزيد من الرهائن لدى الحركة وتتأهب لاحتمال اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط.
وقال مصدران مطلعان إن البيت الأبيض ووزارتي الدفاع (البنتاغون) والخارجية يكثفون حاليا مناشداتهم للإسرائيليين بتوخي الحذر.
وقالت المصادر إن إحدى الأولويات الأمريكية تتمثل في إتاحة مزيد من الوقت للمفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن الذين أسرتهم حماس خلال هجومها، وخصوصا بعد الإفراج غير المتوقع عن أسيرتين أمريكيتين يوم الجمعة.
وقال مصدر مطلع على المفاوضات بشأن الرهائن: «في الوقت الحالي، لا توجد خريطة طريق واضحة أو تسلسل للخطوات نحو التهدئة الكاملة. الأولوية هي العمل على إخراج الرهائن خطوة بخطوة».
أسئلة صعبة
وقال مسؤول أمريكي آخر إن الحكومات الأوروبية، التي يُحتجز العديد من مواطنيها رهائن، تقترح أيضا على إسرائيل الامتناع عن شن هجوم بري لإفساح المجال أمام المفاوضات بشأن إطلاق سراحهم.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ناقش أزمة الرهائن والأزمات الإنسانية في غزة مع زعماء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا يوم الأحد.
وقال المسؤول الأمريكي الأول إنه إلى جانب المفاوضات بشأن الرهائن، فإن تقديم المشورة لإسرائيل بوقف غزوها يمكن أن يمنح المزيد من الوقت لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
واقترحت حماس مقايضة ما لديها من رهائن بنحو ستة آلاف فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية، لكن خبراء أمنيين إسرائيليين شككوا في احتمال التوصل لمثل هذه الصفقة، حتى لو كانت الحكومة مستعدة للنظر فيها.
وقال جيورا ايلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، لـ«راديو 103إف.إم» إن «حماس ليست غبية. لن يطلقوا سراح الرهائن دفعة واحدة. سيطيلون أمد هذا على مدى خمس سنوات».
ويعاني كثيرون من الأسرى من حالات طبية تحتاج إلى رعاية وبينهم كبار في السن، مما يعني أن الوقت حاسم.
وقال دانييل ليفشيتز الذي اختفى جداه، وعمرهما 83 و85 عاما، في غزة: «هؤلاء الناس ليس لديهم وقت كثير. علينا أن نساعد هؤلاء الرهائن بسرعة كبيرة».
ضغط شعبي
وقال ناعوم ألون، صديق الفنانة إنبار هيمان (27 عاما) التي كانت ضمن عشرات خطفهم مسلحو حماس من مهرجان للموسيقى إن إطلاق سراح الرهائن يجب أن يكون «الأولوية القصوى، وليس تدمير حماس، وليس السيطرة على غزة وليس أي شيء آخر».
وتنظم جماعات لدعم الأسر احتجاجات يومية أمام مكتب نتنياهو في تل أبيب للتذكير بمصير الأسرى. وأقامت هذه الجماعات طاولة في ساحة بوسط المدينة حددت فيها مكانا شاغرا لكل رهينة للتذكير بمحنة المخطوفين.
وأمس الأحد، اجتمع الرئيس إسحق هرتسوغ مع عشرات من أقارب الضحايا في مقر إقامته بالقدس، واحتج مئات آخرون في الخارج مطالبين ببذل جهد أكبر في سبيل الإفراج عن الرهائن.
ورفع كرمل جورني، الناشط السياسي الذي لقي ابن عمه يفتاح جورني حتفه خلال هجوم حماس لافتة كتب عليها: «الانتقام ليس خطة».
وقال جورني: «يتعين علينا الحديث مع حماس. لا يتعين أن نلجأ دوما إلى الحرب. لدينا كثيرون من السجناء الفلسطينيين الذين يمكننا مقايضتهم بأفرادنا... إذا دخل جنودنا، سيموت كثيرون من الناس، من بينهم الرهائن».
معضلة مقايضة الأسرى
لكن لا توافق جميع الأسر على فكرة التبادل. وكان إيلان وساندي فيلدمان من بين الذين اجتمعوا مع الرئيس هرتسوغ يوم الأحد للحديث عن شقيقة ساندي، أفيفا وزوجها كيث سيجل اللذين خطفتهما حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وشوهدا آخر مرة في مقطع مصور أثناء اقتياد مسلحي فلسطينيين لهما إلى غزة.
وعبر إيلان وساندي عن مخاوفهما من عدم صمود شقيقتهما وزوجها من الأسر لفترة طويلة ويعتقدان أن لا مفر من التوغل البري.
وقال إيلان: «هناك شعور بأنهما لن يخرجا أحياء. لكنني أعتقد أن هذا أكبر مني ومنا. هذه معركة مبدأ. الأمر بهذه البساطة... لا يتعين أن يكون هناك مكان تستقر فيه حماس».
وقال جوناثان ديكل تشين الذي يعتقد أن ابنه ساجي (35 عاما) قاده المسلحون الفلسطينيون من أحد التجمعات السكانية، إنه يجب التعامل مع حماس الآن، لكنه يعتقد أن على الجيش أن يجعل إنقاذ الرهائن أولوية في أي حملة عسكرية.
وقال لـ«رويترز»: من الممكن أن تفعل شيئين في وقت واحد، حتى بالنسبة لهذه الحكومة الإسرائيلية، أن تفعل كل ما في وسعها لحماية أرواح ذوينا وسلامتهم بينما تضطلع بما يتعين عليها فعله تجاه حماس.
ولإسرائيل خبرة طويلة في التعامل مع أزمات الرهائن، لكنها أحجمت في السابق عن محاولة القيام بعمليات إنقاذ في قطاع غزة المكتظ بالسكان.
وفي عام 2011، أطلق نتنياهو سراح 1027 أسيرا فلسطينيا في مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط الذي ظل محتجزا في غزة لأكثر من خمس سنوات. وعاد بعض الفلسطينيين المفرج عنهم إلى صفوف حماس، بينهم زعيمها الحالي في غزة يحيى السنوار.
وقالت ساندي فيلدمان: «أيجب أن نتفاوض معهم مرة أخرى؟ انظر إلى كل الأشخاص الذين أطلقنا سراحهم مقابل شاليط، هم الذين مارسوا القتل. هل كان الأمر يستحق ذلك؟ لا أدري».
aXA6IDMuMTQ1LjM5LjE3NiA= جزيرة ام اند امز