حرب إسرائيل على "الوضع القائم" بالقدس..القصة الكاملة
الحكومة الإسرائيلية شنت حربا على "الوضع القائم" في المقدسات الإسلامية والمسيحية بالمدينة المحتلة
شنت الحكومة الإسرائيلية حربا على " الوضع القائم" أو "status quo" في المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس الشرقية المحتلة الذي ساد منذ مئات السنين في المدينة.
ويوضح "الوضع القائم" المسؤوليات في الأماكن الدينية بمدينة القدس وخاصة المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة.
وبموجب ذلك، فإن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس هي المسؤولة بالكامل عن إدارة شؤون المسجد الأقصى، في حين يرتب الوضع القائم العلاقة ما بين الكنائس المسيحية بشأن إدارة كنيسة القيامة.
ولكن بالنسبة لإسرائيل فإن" الوضع القائم" يعني الوضع السائد الآن وما تخطط لتنفيذه في الأماكن الدينية وخاصة المسجد الأقصى.
فلطالما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احترامه " الوضع القائم" رغم اعتباره أن المسجد الأقصى هو ما يسميه "جبل الهيكل" وتشجيعه لاقتحامات المتطرفين الإسرائيليين للمسجد والتي بدأت عمليا في العام 2003.
وقال عدنان الحسيني، وزير شؤون القدس ومحافظ المدينة، للعين الإخبارية، إن " الوضع القائم هو الذي ساد في العهد العثماني وتواصل خلال الانتداب البريطاني واستمر بعد الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس عام 1967".
مستدركا "لكن إسرائيل لم تحترم الوضع القائم، وتعمل على محاولة تغييره بالكامل سواء أكان في الأماكن الدينية الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى أو الأماكن الدينية المسيحية وعلى رأسها كنيسة القيامة".
وتابع الحسيني"من ناحيتنا فإننا نعتبر الإجراءات الإسرائيلية هذه مرفوضة، وندعو المجتمع الدولي للتدخل من أجل إجبار إسرائيل على التراجع عن ممارساتها التي تحاول من خلالها تغيير الوضع التاريخي في المدينة المقدسة والدفع نحو حرب دينية في المنطقة بأكملها".
د.حنا عيسى، أمين عام الهيئة الاسلامية المسيحية، يقول في دراسة حول" الوضع القائم"، اطلعت عليها العين الإخبارية، إن ما يعرف بـ قانون الوضع الراهن "الستاتيكو"، هو "قانون صادر عن الدولة العثمانية التي كانت تحكم القدس بتاريخ 2\8\1852م، يقوم على تثبيت حقوق كل طائفة وجماعة دينية كانت موجودة في المدينة، دون السماح بإحداث تغيير فيما كان عليه الوضع منذ ذلك التاريخ".
"وبالتالي تم حفظ حقوق الطوائف والجماعات الدينية من مختلف الأديان، وعلى رأس ذلك الحقوق الطائفية في كنيسة القيامة ، وما زال هذا القانون معمولاً به إلى حد كبير حتى اليوم".يضيف عيسى في دراسته.
وأردف "يظهر بعد مئات السنين روعة "الستاتيكو" في التنظيم المتناسق والمتناغم لكافة الطوائف المسيحية وحفظ حقوقها وأماكنها الدينية في كنيسة القيامة، وحتى اليوم هذا القانون يسير بتناغم رائع بين جدران الكنيسة".
وأوضح حنا عيسى أنه "على الرغم من هذا القانون وأهميته، إلا أن الحكومة الإسرائيلية، انتهكته عشرات المرات من خلال قيام الاحتلال بتجميد أرصدة كنيسة القيامة في البنوك، واضطهاد المسيحيين بالتعدي على حرمة الكنيسة وقدسيتها بالاقتحام والحرق والتدمير والسرقة".
معتبرا أن "إجراءات الاحتلال محاولة لتغيير هذا الستاتيكو الذي حافظ على الحقوق الدينية لمئات السنين وما زال معمولاً به حتى اليوم".
وبدأت إسرائيل بانتهاك الوضع القائم في المسجد الأقصى منذ الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس عام 1967 من خلال سلسلة من التدخلات في شؤون المسجد والتعدي على ممتلكاته، ولكنها نسفت فعليا "الوضع القائم" عام 2003.
ففي العام 2000 وبعيد اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون وما تبع ذلك من استشهاد عدد من الفلسطينيين في ساحات المسجد، أعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس عن وقف برنامج زيارات السياح للمسجد.
وحتى هذا التاريخ كانت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس تنفذ برنامجا لزيارات السياح سمحت بموجبه للسياح بزيارة المسجد ضمن ضوابط ومواعيد محددة وبعد دفع تذاكر زيارة.
وإلى يومنا هذا، مازالت المكاتب التي كان يتم من خلالها بيع التذاكر للسياح، موجودة في ساحات المسجد الأقصى، لكنها مغلقة منذ العام 2000.
كما كانت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس توزع على السياح لباسا محتشما احتراما لحركة المسجد.
وكان كل من يرغب من اليهود الدخول إلى المسجد، أن يكون ضمن برنامج السياحة دون إظهار أي إشارات تدل على الديانة.
وحول هذا الأمر، قال الشيخ عزام الخطيب ، مدير دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، للعين الإخبارية،: "استمر هذا الوضع حتى العام 2003 حينما قررت الحكومة الإسرائيلية ومن طرف واحد فتح باب المغاربة (إحدى بوابات المسجد الأقصى) أمام اقتحامات المستوطنين".
وأضاف" طالبنا ومازلنا نحاول وقف هذا الانتهاك الإسرائيلي الفظ للوضع القائم في المسجد الأقصى، ولكن لا يوجد عقلاء في الطرف الآخر يستجيبون لصوت العقل".
وما تسميه إسرائيل" الوضع القائم" في المسجد الأقصى الآن يسمح للمتطرفين باقتحام المسجد ويسمح لشرطة الاحتلال بالتدخل في شؤون المسجد بما يشمل إبعاد واعتقال حراسه، فضلا عن تدخلات المؤسسات الحكومية الإسرائيلية في عمليات الإعمار التي تقوم بها الأوقاف ومحاولة عرقلتها.
ولفت الشيخ الخطيب إلى أن" ما يجري ليس الوضع القائم المعروف على الإطلاق".
ولم تكتف الحكومة الإسرائيلية بمحاولة تغيير " الوضع القائم" في المسجد الأقصى بل وسعته إلى تغيير الوضع القائم فيما يخص الكنائس في القدس.
فمؤخرا شرعت بلدية الاحتلال بفرض ضرائب على الممتلكات الكنسية في القدس ولكنها جمدتها بعد احتجاج غير مسبوق لرؤساء الكنائس تمثل بإغلاق كنيسة القيامة لمدة 3 أيام متتالية، قبل إعادة فتحها أمس الأربعاء.
وسبق ذلك محاولات من قبل الشرطة الإسرائيلية للتدخل في شؤون الكنيسة من خلال فرض قيود على وصول المصلين المسيحيين خاصة خلال فترات الأعياد.
وقال رؤساء الكنائس بعد قرار فرض الضرائب على الممتلكات الكنسية إن"هذه خطوة تتعارض مع الوضع التاريخي للكنائس داخل مدينة القدس المقدسة وعلاقتها بالسلطات المدنية. إن هذه الإجراءات تخرق الاتفاقات القائمة والالتزامات الدولية التي تضمن حقوق الكنائس وامتيازاتها، وكمحاولة لإضعاف الوجود المسيحي في القدس".