إن الإجراء الإسرائيلي الجائر في التعامل مع دور العبادة يعارض بالفعل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية،
رغم قرار رؤساء كنائس الأراضي المحتلة إعادة فتح كنيسة القيامة بالقدس المحتلة، التي تعد إحدى أقدس الأماكن المسيحية، بعد أن جمَّدت إسرائيل قرارها بفرض ضرائب على أملاك وأراضي الكنائس بدعوى عدم سداد ضرائب بقيمة 190 مليون دولار مستحقة على فنادق ومكاتب ومبانٍ تجارية أخرى مملوكة للكنيسة في القدس، فإن الأزمة في مجملها لم تُحسم بعد وإنما تم تأجيلها، حيث ستستمر الحكومة الإسرائيلية بممارسة أكبر عملية إجرامية جديدة في حق المصلين المسيحيين في القدس، وبهدف تصدير أزمة جديدة تمس الحقوق المُقرَّة للمسيحيين في مقدساتهم، وفي ظل مخطط إسرائيلي يتضح جلياً بهدف تهويد المدينة بالكامل، وتنفيذ مخطط 2050 ، والذي يسعى في مجمله لفرض المشروع اليهودي على المدينة ، واستثمار القرار الأمريكي الجائر بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
إن نجحت إسرائيل في تمرير إجراءاتها في المدى الطويل وليس الآن، وعلى المستوى المسيحي، فسوف يكون الإجراء التالي هو فرض الضرائب على أملاك الأوقاف الإسلامية في القدس، ولننتظر.. وسنرى.
إن صدور قرار رسمي من الحكومة الإسرائيلية بتجميد فرض الضرائب مؤقتاً إنما يستهدف التشويش على موقف المسيحيين في القدس، خاصة أن الإعلان عن فرض الضرائب على دور العبادة قرار غريب، ولم يحدث من قبل أن فُرِضت أموال على مواقع للصلاة في القدس أو خارجها، وهو ما لا يتفهمه الحاكم العسكري للمدينة.
فالكنائس كما هو معروف للصلاة، وليست مواقع لجمع وتحصيل الضرائب، وحسناً فعل رؤساء الكنائس أن أصدروا قراراً بإغلاقها ثم إعادة فتحها لحسابات تتعلق بأداء الصلوات، ليس أكثر احتجاجاً على ما جرى وسيجري من إجراءات إسرائيلية غير مسبوقة؛ لا تتطلب الإدانة والشجب وهو ما جرى فلسطينياً وعلى مستويات عربية، وإنما من خلال موقف عربي جاد وحقيقي لمواجهة مخطط الحكومة الإسرائيلية، وليس الفتح أو الغلق، ومن خلال حملة علاقات دولية في وسائل الإعلام تؤكد على الممارسات الإجرامية لإسرائيل ومسعاها لتفريغ الأسر المقدسية من مواقعها التي عاشت فيها منذ مئات السنين لتنفيذ المخطط اليهودي في القدس، وما يمس من توجهات عدائية إزاء المقدسات الإسلامية والمسيحية معاً.
إن توقيت صدور القرار الإسرائيلي يأتي في توقيت محدد يقوم فيه الحجاج المسيحيون بزيارة كنيسة القيامة، خاصة من الوافدين من خارج القدس، مع قرب حلول عيد الفصح.
ومن ثم فإن الحل ليس في فتح أو غلق الكنيسة إلى حين مراجعة القرار الإسرائيلي بصورته النهائية، وليس الحل في الصلاة خارج الكنيسة وعلى أعتابها عندما تُغلق، وفي حال تكرر الموقف الإسرائيلي فهذه إجراءات مؤقتة ومرحلية، ولن تحل المشكلة أصلاً لأن الأمر قد يمتد إلى إغلاق عدد آخر من دور العبادة المسيحية في القدس بأكملها ، وسيضرب القرار الإسرائيلي الجائر استقرار الأوضاع في المدينة خاصة أن اقتراب العيد سيثير المسيحيين والمسلمين معاً، ومن الواضح أن إسرائيل، ومن خلال تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين سوف يهدأون في مخططهم ولن يتراجعوا.
إن مسعى الحكومة الإسرائيلية لتديين الصراع الراهن في القدس بإجراءات عليا وفوقية اعتماداً على دعم أمريكي، وصمت دولي وتواطؤ الدول الكبرى سيؤدي لمزيد من الصدامات الحقيقية؛ ليس في القيام بانتفاضات شعبية جديدة أو إحداث حالة من الشلل العام في مدن الضفة، وإنما في التعامل العربي إسلامياً ومسيحياً مع هذه الإجراءات الإسرائيلية والوقوف أمامها، خاصة أن إسرائيل لم تتراجع عن مخطط توسيع القرار الحكومي بفرض الضرائب على عقارات وأراض تملكها الكنائس في القدس، ومن المقرر حسب المخطط أن يتم تحصيل نحو 150 مليون دولار على 822 عقاراً وإلغاء القرار السابق ببعض الإعفاءات السابقة حتى لو انحنت للعاصفة لكي تمر.
إن التخطيط الإسرائيلي التالي والجاري التعامل معه هو مصادرة بعض أراضي الكنائس في القدس، ومن ثم سيجد الحاكم العسكري للمدينة الفرصة لتطبيق قرارات المصادرة رسمياً، وإسقاط الحق المسيحي في ملكية هذه الثروات والعقارات التي هي في الأصل ملكية للمسيحيين وليس لإسرائيل، التي حاولت طرح بدائل شكلية لن تلغي القرار بفرض الضرائب نهائياً؛ وإنما ستؤجل تنفيذه وهذا ما سوف يناور فيه رئيس بلدية الاحتلال نير بركات، ولن تتراجع الحكومة الإسرائيلية إلا تحت ضغط دولي وشعبي عام ونهائي.
إن قرار زحزحة أزمة كنيسة القيامة وإعادة فتحها سيشمل أيضاً كنيسة القيامة البطريركية اليونانية والراعية الكاثولوليكية والبطريركية الأرمنية، مما يعني أن كل الكنائس في القدس مستهدفة وهو ما يجب على الجانب الفلسطيني أن يستثمره جيداً ولا يكفي أن يشيد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله بالموقف الوطني الشجاع لرؤساء الكنائس، وإنما يجب أن يتم ذلك في سياق شامل وعلى مستويات متعددة، خاصة مع التأكيد على أن الشعب الفلسطيني، مسلمين ومسيحيين، لن يقبلوا بأنصاف حلول وأشباه خيارات في ملف القدس بأكمله، والتي ستبقى عاصمة فلسطين الأبدية والتاريخية.
من الضروري الإشارة إلى المخطط الراهن تجاه الملف المسيحي بأكمله في القدس، وليس إلى دور العبادة أو الممتلكات المسيحية حيث يحظى هذا الملف بدعم حزبي حقيقي يقوده حزب كلنا، ومن خلال عضوة للكنيست تعرف باسم رحيل عزاريا، والتي تدعو إلى إقرار قانون عام ينص على أن الأراضي التي بِيعت أو التي ستُباع من قبل الكنيسة بدءاً من العام 2010 ستتم مصادرتها من قبل الدولة بهدف منع بيع أراض واسعة بالقدس في الأساس من قبل الكنيسة اليونانية والأرثوذكية والكنيسة الكاثوليكية لشركات خاصة، حيث يرى رؤساء الكنائس أن القانون يستهدف التأثير على بيع العقارات التي تمثل دخلاً للكنائس، ويؤثر على سيادة المسيحيين على ثرواتهم وعلى جانب آخر سيظل الرفض العام من قبل قيادات الكنائس على إقدام بلدية القدس على تحصيل ديون رسوم "أرنونا" عن أملاك الكنائس في القدس، والتي كانت تحظى بالإعفاء من دفع الرسوم في السابق.
إن الإجراء الإسرائيلي الجائر في التعامل مع دور العبادة يعارض بالفعل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ويعارض أيضاً بل ويتناقض والوضع التاريخي والديني القائم بين الكنائس والسلطة الإسرائيلية، ممثلة في بلدية المدينة وإجراءاتها التي بدأت بهذا الإجراء من خلال سلسلة قوانين جديدة في الكنيست، والتي سيكون لها تأثير بالغ على قيام المسيحيين بأداء شعائرهم، خاصة أن هذه الإجراءات الإسرائيلية لم تحدث أصلاً من قبل حتى مع حكم البريطانيين والعثمانيين.
ومن الواضح أن المخطط الإسرائيلي إنما يستهدف المساس بالأملاك المسيحية بأكملها، والتعامل معها مثلما يتم التعامل مع أصحاب المصالح التجارية والاستثمارية، وليست دور عبادة لها خصوصيتها المتعارف عليها، ومثلما جرى منذ مئات السنين.
إذن ما الحل؟ يجب عدم القبول بسياسة نصف الحل، والعمل على إسقاط القانون الجاري إعداده في الكنيست لتعميم القرار الإسرائيلي الراهن على سائر دور العبادة الإسلامية والمسيحية معاً، خصوصاً إن نجحت إسرائيل في تمرير إجراءاتها في المدى الطويل وليس الآن، وعلى المستوى المسيحي فسوف يكون الإجراء التالي هو فرض الضرائب على أملاك الأوقاف الإسلامية في القدس، ولننتظر وسنرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة