أظهر فرع داعش في الصحراء الكبرى نواياه لعبور الخط المُتخيّل وبالتالي الوصول إلى الأراضي التي تُسيطر عليها القاعدة
عندما كان تنظيم داعش يمرّ بأفضل فتراته في العراق وسوريا بين عامي 2014 و2016، كان لدى زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، تصور استراتيجي واضح، خاصةً في إفريقيا.
وترتكز تلك الاستراتيجية في الحفاظ على الجماعات متّحدة بقيادة زعيمٍ يتمتع بشخصية كاريزمية ومنطقة تحكّم تحت السيطرة.
كان مخططه يمضي حسب التصور في شرق إفريقيا، وبالتحديد في الصومال مع وجود فرع القاعدة هناك، حركة الشباب المجاهدين، ولكنه كان يواجه صعوبة في غرب القارة السمراء. ولهذا السبب، أصدر تعليماته في نهاية عام 2016 بدمج فروع القاعدة في جنوب الجزائر وشمال نيجيريا في مجموعة واحدة تسمى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتم تطبيق ذلك على أرض الواقع في مارس 2017.
عندما تشكّل مايسمي "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في عام 2017، كانت قيادتها تُدرك أن أمامهم فرع داعش في الصحراء الكبرى.
ويرجع سبب قرار زعيم القاعدة المدروس بعناية إلى خبرته لأنه يعلم جيدًا أن الجماعات التكفيرية تميل إلى الانقسام والانشقاقات مع مرور الوقت.
ولتجنّب حدوث ذلك، سمح لمقاتليه بالعمل ضمن مجموعات صغيرة أو كتائب، ولكن في لحظة مواجهة من يعتبرونه عدواً يصبحون يداً واحدة.
عندما تشكّل ما يسمي "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في عام 2017، كانت قيادتها تُدرك أن أمامهم فرع داعش في الصحراء الكبرى، الذي ينشط في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وحتى جنوباً توجد بوكو حرام في نيجيريا وحول بحيرة تشاد.
ولتجنّب المواجهة بينهما، تم رسم خط وهمي يَعبُر بوركينا فاسو من الشمال الغربي ويصل إلى النيجر. هذا الخط المُتخيّل تم احترامه حتى الآن خلال الفترة التي كان فيها البغدادي زعيماً لداعش، ولكن الأمر اختلف الآن مع وصول زعيمها الجديد، أبو ابراهيم القرشي.
وبحلول يناير الماضي، أظهر فرع داعش في الصحراء الكبرى نواياه لعبور الخط المُتخيّل وبالتالي الوصول إلى الأراضي التي تُسيطر عليها القاعدة.
ولمدة شهرين، توغّل داعش إلى مسافة 300 كيلومتر داخل المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة. ولم يكتفِ داعش بذلك، بل نفّذ هجوما على بعد 30 كيلومتراً فقط من موريتانيا.
لم تردّ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على الأعمال الهجومية لفرع داعش في الصحراء الكبرى، حتى مطلع شهر مارس وبشكل أقوى أواخر أبريل. ودفع الهجوم المضاد الذي قادته القاعدة، فرع داعش للتراجع والانحسار إلى مسافة ما بين 300 و500 كيلومتر إلى الحدود المالية، تاركين إياهم محاصرين في غابات "أرلي" جنوب شرق بوركينا فاسو على الحدود مع بنين.
ماذا يمكن أن يقع بعد هذه الأحداث؟
1- أن يوافق تنظيم داعش في الصحراء الكبرى على البقاء في المنطقة التي تم دفعه إليها. هذا أمر مستبعد.
2- أن تهبّ الجماعات الموالية لداعش في نيجيريا لمساعدة فرع تنظيم في الصحراء الكبرى. هذا أيضاً أمر بالغ التعقيد لأنهم يمرّون بلحظة ضعف بسبب ضغط جيوش دول منطقة بحيرة تشاد.
3- أن يظل تنظيم داعش في الصحراء الكبرى متمركزاً في غابات شمال بنين. هذا الاحتمال يبقى وارداً، خاصةً إذا لم تتصرف بنين بسرعة.
4- أن ينتقل تنظيم داعش في الصحراء الكبرى شمالاً إلى النيجر ويُعيد تنظيم صفوفه على الحدود مع مالي حيث كان في السابق. بالنظر للظروف الحالية، يُمكن أن يحدث ذلك إذا سمحت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين به.
5- بسبب أن الظرفية الحالية هي في صالح جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وحساسة بالنسبة لداعش في غرب إفريقيا، يُمكن أن تقرر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التقدّم عبر شمال بنين أو جنوب النيجر لمحاولة الاتصال بفرع القاعدة الذي ينشط في نيجيريا والمعروف باسم أنصارو. هذا السيناريو غير مستبعد.
وبالنظر إلى الوضع الراهن، يتعيّن على كل من المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي ودولة بنين تقييم هذه التطورات التي أحدثها الإرهابيون في غرب أفريقيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة