«الأخطبوط الإسرائيلي» في جنوب سوريا.. مخاوف من سيناريو الجولان
تشهد منطقة جنوب سوريا تطورات ميدانية متسارعة جراء تصاعد الوجود العسكري الإسرائيلي في الأراضي السورية.
في تحرك عسكري لافت، وسّعت إسرائيل وجودها داخل الأراضي السورية عبر إقامة مواقع عسكرية جديدة، مما أثار قلق السكان المحليين الذين يرون في ذلك بداية لاحتلال طويل الأمد.
فعلى الرغم من التصريحات الإسرائيلية بأن وجودها مؤقت ومحدود الأهداف، إلا أن البنية التحتية العسكرية التي يجري بناؤها على الأرض تثير شكوكًا حول النوايا الحقيقية، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
يأتي هذا "التوسع الأخطبوطي" الإسرائيلي في ظل متغيرات إقليمية معقدة، حيث انهارت سلطة النظام السوري في مناطق واسعة، وتزايدت التوترات بين إسرائيل والفصائل المسلحة في لبنان وغزة. لكن ما يثير المخاوف بشكل خاص هو تأثير هذه التطورات على السكان المحليين الذين يجدون أنفسهم عالقين بين المصالح الإقليمية والتهديدات المباشرة للتهجير وفقدان أراضيهم ومواردهم الطبيعية.
تحركات عسكرية تعيد رسم خطوط النفوذ
بدأت العمليات الإسرائيلية بعد انهيار نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما اجتازت القوات الإسرائيلية "خط ألفا"، وهو الحد الفاصل بين القوات الإسرائيلية والسورية منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974.
وتوغلت القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ليس فقط في المنطقة العازلة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، ولكن أيضًا في مناطق أعمق داخل سوريا، كما حفرت إسرائيل خندقًا بطول 5.5 ميلًا على عمق حوالي 100 قدم في الجانب السوري.
وكشفت صور الأقمار الصناعية، التي اطلعت عليها الصحيفة الأمريكية، عن بناء قاعدتين عسكريتين جديدتين على طول الخط الحدودي، مع وجود منطقة ثالثة يتم تجهيزها لنفس الغرض.
هذه القواعد، التي تبدو وكأنها نقاط مراقبة متقدمة، شبيهة بالمواقع العسكرية التي بنتها إسرائيل سابقًا في الجولان، مما يشير إلى نوايا إسرائيلية طويلة الأمد في المنطقة.
تصاعد قلق السكان المحليين
ووفقًا للصحيفة، ينظر السكان المحليون إلى هذه التحركات بعين الريبة، خاصة مع تدمير أراضٍ زراعية وقطع أشجار مثمرة في محميات طبيعية من قبل الجرافات الإسرائيلية. ويقول محمد مريود، رئيس بلدية جباتا الخشب: "أخبرونا أن وجودهم مؤقت، لكن كيف يكون ذلك مؤقتًا وهم يبنون قواعد عسكرية؟"
إضافة إلى ذلك، فرضت القوات الإسرائيلية إجراءات صارمة شملت إقامة نقاط تفتيش، وإغلاق طرق، واقتحام منازل، وإطلاق النار على متظاهرين خرجوا احتجاجًا على وجودها. وبات السكان المحليون يعيشون في حالة من الخوف وعدم اليقين، حيث تتحرك الدوريات العسكرية الإسرائيلية ليلاً دون أضواء، وتنفذ عمليات غير معلنة.
بدورها، أكدت إسرائيل أن عملياتها تهدف إلى تأمين سكان شمال إسرائيل، مشيرة إلى أن وجودها العسكري غير محدد المدة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد صرح سابقًا بأن الوجود العسكري في سوريا سيظل قائمًا "لأسباب أمنية"، مما يعزز المخاوف المحلية من أن هذه ليست مجرد عملية مؤقتة، بل بداية لترسيخ وجود دائم.
بعد غزة ولبنان.. سوريا جبهة جديدة؟
يأتي التحرك الإسرائيلي في سوريا بعد تصعيد كبير في مناطق أخرى، حيث شنت إسرائيل عمليات عسكرية واسعة في قطاع غزة بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي نفذته حماس وأسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي، كما استهدفت إسرائيل مناطق في جنوب لبنان، مما أدى إلى تدمير قرى بأكملها.
وفي سوريا، تبدو إسرائيل وكأنها تنفذ استراتيجية مشابهة، حيث يتم تطهير مناطق وإنشاء بنية تحتية عسكرية تمنحها تفوقًا استراتيجيًا.
السيطرة على الموارد.. هدف خفي؟
بعيدًا عن الاعتبارات الأمنية، يشير بعض المحللين إلى أن أحد أهداف التحركات الإسرائيلية قد يكون السيطرة على الموارد المائية، حيث تقع داخل المنطقة العازلة سدود وخزانات مياه توفر إمدادات حيوية لمناطق واسعة من جنوب سوريا.
وعلى الرغم من نفي الجيش الإسرائيلي سعيه للسيطرة على هذه الموارد، إلا أن السكان المحليين يرون في التحركات الإسرائيلية محاولة للاستحواذ على مصادر المياه المهمة في المنطقة.
ويعيش سكان المناطق القريبة من خط وقف إطلاق النار بين الخوف من التصعيد العسكري والمخاوف من أن تتحول هذه العمليات إلى تهجير قسري دائم، كما حدث مع سكان الجولان السوري المحتل منذ عام 1967.
ورغم أن بعض العائلات التي فرت خلال الاجتياح الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول الماضي تمكنت من العودة، إلا أن آخرين مُنعوا من ذلك.
ويقول جاد الله حمود، وهو أحد السكان الذين تم إبعادهم: "معظم الناس سُمح لهم بالعودة، لكنني عندما حاولت دخول منزلي، قالوا لي إنه أصبح منطقة عسكرية."
وفي محاولة لإبعاد نفسها عن إرث نظام الأسد، غيرت "مدينة البعث" السورية اسمها الذي يشير إلى الحزب الحاكم في حقبة الأسد إلى "مدينة السلام"، لكن ذلك لم يغير شيئًا على الأرض، حيث لا تزال الدبابات الإسرائيلية متمركزة في شوارعها.
ويختصر رئيس البلدية بلال سليمان المشهد بقوله: "لن نسمح بتكرار ما حدث في الجولان.. لن نغادر، مهما كان الثمن."
وخلصت "واشنطن بوست" إلى أن التحركات الإسرائيلية في جنوب سوريا تثير العديد من التساؤلات حول مستقبل المنطقة، وسط مؤشرات على أن هذه ليست مجرد عملية أمنية مؤقتة، بل خطوة نحو فرض واقع جديد على الأر؛ فبينما تؤكد إسرائيل أن وجودها ضروري لحماية أمنها، يرى السكان المحليون أن هذه الخطوات تحمل ملامح "احتلال جديد" قد يغير مستقبل المنطقة بالكامل.
aXA6IDEzLjU5LjIxNy4xIA==
جزيرة ام اند امز