إسرائيل ستواجه مصيرها في الفترة المقبلة دفاعا عن مكتسباتها التي لم تتحقق من قبل إلا مع إدارة الرئيس ترامب الذي منحها القدس والجولان
تدخل إسرائيل لحظات اختبار حقيقي مع قرب إجراء الانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل الجاري، حيث تتصارع القوى السياسية من أجل تحقيق تقدم سياسي حقيقي في ظل الرهان على استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي الراهن بصرف النظر عن حالة المنافسة الكبيرة التي أبداها الجنرالات الكبار في ظل اتهامات موجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ستراهن إسرائيل في نهاية المشهد على إعادة طرح الخيار الأردني من خلال بسط السيطرة الأردنية على الضفة الغربية، كما سيظل خيار الدولة الواحدة مطروحاً الذي يمكن أن يكون إما دولة تمييز عنصري، وإما دولة ديمقراطية واحدة فيها حق تصويت للجميع.
وعلى اعتبار أن إسرائيل ستواجه مصيرها في الفترة المقبلة دفاعا عن مكتسباتها التي لم تتحقق من قبل إلا مع إدارة الرئيس ترامب الذي منح القدس والجولان، وأنه سيعمل على دعم إسرائيل بصورة أكبر في حال بقائه في ولاية جديدة في انتخابات 2020 التي سيعتمد فيها على الصوت اليهودي والتيار الإنجيلي المسيحي الذي أصبح أكثر تأييدا لإسرائيل من اللوبي اليهودي التقليدي المعروف باسم إيباك، الذي يرفض قيام إسرائيل بأي انسحاب من الضفة أو القدس.
ومع ذلك لا تزال الساحة الإسرائيلية غير مستقرة وغير متفقة على الخطوات المقبلة بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي لن تخرج عن حكم اليمين المتطرف، والتي تعمل أحيانا بما يتناقض مع موقف مؤسسات الدولة الكبيرة وعلى رأسها الجيش، لكنها - ورغم ذلك - لا تستطيع في نهاية الأمر تغيير السياسيين أو الشعب.
ورغم أن مكانة الجيش في وعي الرأي العام ثابتة ومستقرة، إلا أن قادته قلقون من التآكل في ثقة الجمهور الإسرائيلي، والشبهات التي تحوم حول بعضهم في إطار توقعات الاستخبارات العسكرية باندلاع حرب شبيهة بالحربين اللتين اندلعتا في عامي 2008 و2014 في فترة ما بعد الانتخابات، وفي ظل وجود تحديين أمام إسرائيل: الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ووجود إيران في الجبهة الشمالية.
بالنسبة لنتنياهو، فقد ركزت حملته الانتخابية على شخصه وليس على أطروحات سياسية، حيث إن الخطاب السياسي الإسرائيلي يتبنى في معظمه أفكار اليمين، بدءاً بجانتس، مروراً بلبيد، على عكس ما يقوم به نتنياهو الآن.
ولهذا كان هجوم نتنياهو على مؤسسات الدولة غير مسبوق، وتأكيده أن النخب القديمة لا تزال تعمل على إسقاطه عبر التحقيقات والملاحقات القانونية، والمحصلة سيعود الوضع كما كان، حزب يميني كبير الليكود وأحزاب يمينية صغيرة، وهذا يجعل مركزية الليكود كبيرة في اليمين الإسرائيلي، ويقلل من قدرة شركائه في اليمين على ابتزازه أو الضغط عليه.
وسيبقى ميزان القوى بين المعسكرات (المعارضة والائتلاف) لصالح الائتلاف اليميني الحالي، ولكنه لن يكون كبيرا، غير أن المعارضة لا ترى في القائمة المشتركة حليفا لها في مسعاها لتغيير حكم الليكود وسيتحول المشهد الانتخابي إلى مشهد مكرر.
في هذا السياق علينا أن نتذكر أن رئيس الوزراء نتنياهو حكم إسرائيل 13 عاما بين 1996 و1999، ثمّ منذ 2009 حتى الآن من دون انقطاع، وفي مقابل ذلك سيكون من الصعب على أي جنرال ومنهم جانتس إذا ما فاز حزبه بالأغلبية تشكيل حكومة بمفرده أولًا لأنه لن يعتمد على أصوات العرب، وثانيا لأن الأحزاب الدينية أعلنت أنّها لن تدخل في حكومة مع لبيد.
أمّا بخصوص رئيس حزب يسرائيل بيتينو أفيجدور ليبرمان، ووزير المالية موشيه كاحلون، فحتى لو وافقا على الانضمام لحكومة جانتز، فإنّ عدد مقاعدهما المتوقعة لا تكفي لتشكيل كتلة من 61 مقعدًا بدون العرب.
ومع سيناريو فوز الليكود سيحدث مزيدا من التدهور تجاه التعامل مع الملف الفلسطيني، كما سيستمر مخطط الاستيطان، وتنفيذ قانون القومية وتصفية ملف اللاجئين والتسريع بتنفيذ خطة التهويد في القدس، كما سيعمل على تنفيذ مخطط التطبيع مع الدول العربية وسيتجه لإعادة طرح فكرة السلام الاقتصادي، والتعاون الإقليمي وسيساعد على ذلك صدور صفقة القرن ورفض الجانب الفلسطيني لتفاصيلها.
وفي مقابل مع ما سيجري بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية ومسار التحرك الأمريكي المتوقعة في أعقابها يمكن توقع الموقف الإسرائيلي، حيث ستواجه الخطة الأمريكية المقترحة بأفكارها الاقتصادية والاستراتيجية معارضة إسرائيلية على اعتبار أن الحكومة الإسرائيلية المتوقع تشكيلها من متشددين دينيين وقوميين ستعارض أي تنازل للفلسطينيين.
وفي إطار توافق بين حزب الليكود وأغلبية أحزاب اليمين حول إطار العمل الأمريكي المقترح لرفض أي تفاهمات تقود لإعلان دولة فلسطينية مستقلة، فقد دخلت الأحزاب السياسية الجديدة، وبعض الأحزاب الدينية مثل شاس وإسرائيل بيتنا على الخط، ورفضت مسبقا لأي خطوة محتمل طرحها عقب نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة ردا على الموقف الأمريكي الداعي للتعامل مع هذه الأفكار ومناقشتها بصورة رسمية.
وكما هو معلوم - وفي المقابل - أعلنت القيادة الفلسطينية رفضها المسبق خطة السلام الأمريكية بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستُسقط موضوع القدس من المفاوضات، كما أوقفت القيادة الفلسطينية اتصالاتها السياسية مع الإدارة الأمريكية؛ بعد إعلان ترامب في ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وذلك في ظل تأكيد أن المشروع الأمريكي المرتقب لم يأتِ بأي جديد، وأن كل ما طرح يتم طرحه بصيغ مختلفة منذ تولي الرئيس ترامب الحكم، وأن المخطط الأمريكي الواضح قطع الطريق على أي محاولة دولية لرعاية عملية السلام.
إزاء هذا كله ستركز الإدارة الأمريكية على الاستجابة للمتطلبات الأمنية الإسرائيلية في أي اتفاق قادم مع الجانب الفلسطيني، وستكون الدولة الفلسطينية دولة من دون جيش بحيث لا تفرض تهديداً أمنياً على إسرائيل، وبالتالي، فإن القوى الأمنية الفلسطينية ستكون قوى أمنية غير عسكرية، تتمتع بقدرات أمنية فائقة لتشبه نموذج الدرك وسوف تكون مهمة هذه القوى الأمنية حفظ الأمن العام، وفرض القانون، ومحاربة الإرهاب، وضمان أمن الحدود، وحماية الشخصيات الرسمية، ومواجهة التهديدات الخارجية والكوارث.
وستعتمد أي إجراءات خاصة بالحدود بين إسرائيل وفلسطين على الاتفاق النهائي حول مستقبل أراضي الدولة الفلسطينية، ومن أجل ضمان أمن الإسرائيليين والفلسطينيين، سيتم تحديد مناطق حول الحدود بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، كما ستفرض قيودا على الزراعة في تلك المناطق لضمان أن تبقي المحاصيل ضمن ارتفاع معين حتى لا يستخدمها المعتدون المحتملون كغطاء.
كما يمكن تحقيق حاجة الدولة الفلسطينية إلى السيادة على مجالها الجوي من خلال بناء مطار في وادي الأردن وغزة، بالإضافة لإنشاء مجال جوي فوق الدولة الفلسطينية المستقبلية يصل لمسافة (3) كم فوق سطح الأرض.
وسيؤخذ بعين الاعتبار أيضاً وجود ممر للملاحة الجوية بين غزة والضفة الغربية، فوق الممر البري الذي يربط الاثنين، كما ستقتصر الملاحة الجوية الفلسطينية على الطائرات المروحية التي تقل الشخصيات الفلسطينية المهمة، وعلى رحلات وحدات مكافحة الإرهاب والإخلاء الطبي، بالإضافة إلى الطائرات التجارية المرخصة، في حين ستظل الملاحة المدنية الخاصة محظورة.
في خضم ما يخطط ويعرف ويلم بتفاصيله الجانب الفلسطيني لا يبدو أنه مستعد للموافقة على بناء دولة وفق شروط إسرائيل المطروحة بصرف النظر عن إطارها أو مضمونها.
وستراهن إسرائيل في نهاية المشهد على إعادة طرح الخيار الأردني من خلال بسط السيطرة الأردنية على الضفة الغربية، كما سيظل خيار الدولة الواحدة مطروحاً الذي يمكن أن يكون إما دولة تمييز عنصري، وإما دولة ديمقراطية واحدة فيها حق تصويت للجميع.
مرحلة جديدة في الشرق الأوسط ستلوح بعد ظهور نتائج الانتخابات وشروع الإدارة الأمريكية في تنفيذ مشروعها؛ فماذا سيفعل الفلسطينيون؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة