الميزانية الإسرائيلية.. تأثير بعيد المدى على الاقتصاد كيف؟
تعتبر الحكومة الإسرائيلية أن ميزانيتها التي أقرها الكنيست هي الأفضل، أما المعارضة، مدعومة بآراء الخبراء الإسرائيليين، فتقول العكس.
ولطالما ركز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سيرته العملية على دعم اقتصاد السوق الحر "الخصخصة"، ودعم صناعات التكنولوجيا الفائقة وخفض مدفوعات الرعاية الاجتماعية.
ولكن الخبراء يأخذون على الميزانية، التي أقرها الكنيست بعد مداولات استمرت عشرات الساعات، إنها تزيد بشكل ملحوظ من دعم المدارس الدينية اليهودية والمشاريع الدينية.
- الشيكل الإسرائيلي لأدنى مستوى في 3 سنوات مقابل الدولار
- سيناريوهات الحكومة الإسرائيلية في ظل أزمة الميزانية
ويشير الخبراء إلى أن دعم المدارس الدينية يلحق ضررا بعيد المدى بالاقتصاد الإسرائيلي لأن من شأن ذلك تعزيز المدارس الدينية التي لا تعلم الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية.
ويعتبر الخبراء أن من شأن ذلك أن ينشئ المزيد من الطلاب غير الجاهزين للالتحاق بالدراسات الجامعية خاصة التكنولوجيا المتقدمة.
وبعد أن كانت الحكومة الإسرائيلية مهددة بالانهيار إثر خلافات داخلية، خاصة مع الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة، فإنها عادت في اللحظات الأخيرة وتجندت بكافة نوابها الـ 64 لصالح ميزانية عامي 2023 و2024.
ووفقا للميزانية التي تم إقرارها، فستكون ميزانية إسرائيل لعام 2023 حوالي 484 مليار شيكل (130 مليار دولار) وفي عام 2024 حوالي 514 مليار شيكل (138 مليار دولار).
وستكون ميزانية وزارة التعليم حوالي 77 مليار شيكل (20.7 مليار دولار) و82 مليار شيكل (22 مليار دولار) على التوالي، وميزانية الدفاع حوالي 63 مليار شيكل (16.9 مليار دولار) و64 مليار شيكل (17.2 مليار دولار)، وميزانية وزارة الصحة حوالي 44 مليار شيكل (11.8 مليار دولار) في عام 2023 و50 مليار شيكل (13.4 مليار دولار) في عام 2024.
وتركز الميزانية على خمسة أهداف رئيسية: تسريع البنية التحتية والتعامل مع سوق الإسكان، وزيادة المنافسة وتقليل التركيز، وتعزيز رأس المال البشري، والحد من التنظيم والبيروقراطية لقطاع الأعمال والمواطنين، وتبسيط القطاع العام.
ميزانيات الأحزاب الدينية
وتقول المعارضة إن نتنياهو اقنع المتدينين، يشكلون 13% من مواطني الدولة اليهود، بالتصويت للميزانية مقابل ميزانيات إضافية سيكون لها أثر مستقبلي طويل المدى على اقتصاد دولة إسرائيل.
وبالأرقام، تخصص الميزانية ما لا يقل عن 5.9 مليار شيكل (1.6 مليار دولار) كتمويل تقديري للوفاء بالوعود السياسية للأحزاب الحريدية الدينية، بما في ذلك المنح لطلاب المعاهد الدينية والمدارس الدينية غير المنظمة التي لا تدرس المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم، وتمويل قسائم الطعام وهو برنامج غير مرتبط بالعمل ويتم انتقاده لأنه مصمم بشكل غير متناسب لصالح المجتمع الحريدي المتدين.
فسيتم تخصيص 3.7 مليار شيكل (مليار دولار) لزيادة ميزانية رواتب طلاب المدرسة الدينية الحريدية المتفرغين الذين يحصلون على إعفاءات من الخدمة العسكرية.
وتم تخصيص 1.2 مليار شيكل (322 مليون دولار) آخر للمؤسسات التعليمية الخاصة غير الخاضعة للإشراف الحكومي، والتي لا يقوم الكثير منها بتدريس المواد الأساسية مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية، بينما ستخصص أموال إضافية لنظام التعليم الرسمي للحريديين، ولإنشاء المباني للأغراض الدينية ودعم الثقافة والهوية الحريدية.
كما وافق نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش على تمويل رواتب موسعة لطلاب المعاهد الدينية تصل تكلفتها إلى 250 مليون شيكل (68 مليون دولار)، باستخدام أي أموال فائضة متبقية من المدارس الحريدية.
وتظهر البيانات الأخيرة من مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن أعضاء المجتمع الحريديم ساهموا بنسبة 2 في المائة فقط من إجمالي الدخل.
ماذا تقول الحكومة؟
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "يوجد ميزانية وهي تنهض بثورات كبيرة في مجال الأمن الشخصي والحوكمة، أمن الدولة، التربية، النضال ضد غلاء المعيشة، قمنا بتخصيص مبالغ كبيرة للحرس الوطني وللشرطة وسوف نحارب بصرامة العنف المتصاعد في المجتمع العربي".
وأضاف خلال جلسة للكنيست: "قمنا بزيادة ميزانية الأمن وكل ما هو مطلوب للجيش الإسرائيلي وللأذرع الأمنية الأخرى من أجل ضمان مواجهة الأعداء في الساحات القريبة والبعيدة".
وتابع: "وفي التربية والتعليم، قمنا بإضافة 10 مليارات شيكل وسنقوم بإطلاق خطة التعليم المجاني للأجيال من 0-3. وسنواصل في موضوع المواصلات العامة الازدهار والاستثمار في البنى التحتية، وسنقوم بشق المزيد من الشوارع والأنفاق وسنبني المحاور وسنستكمل مشروع المترو وسنقرِّب الضواحي البعيدة من المركز".
وأشار نتنياهو إلى أنه "في موضوع محاربة غلاء المعيشة فإننا نمضي بقانون التسويات الذي من شأنه أن يسرع المشاريع الخاصة بالبنى الوطنية وتخفيف العوائق في مجال الإسكان والاستيراد. رأيت اليوم التقارير حول أرباح البنوك – عشرات المليارات سنويا ويوجد لدينا الكثير مما نقوم به أيضا في هذا المجال".
واعتبر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في جلسة الكنيست إنه "تحمل هذه الميزانية في طياتها بشرى كبيرة في مجال الإسكان، البنى التحتية، التربية، الصحة، الرفاه، المستوطنات، الأمن والأمن الشخصي".
ولكن ماذا تقول المعارضة؟
ما قالته المعارضة معاكس تماما لما قالته الحكومة في دفاعها عن الميزانية.
فرئيس المعارضة ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد اعتبر أن "هذه الميزانية هي عبارة عن ميزانية رشوة واحتيال وخيانة أمانة".
وقال في جلسة الكنيست: "رشوة، لأن كل من دخل غرفة رئيس الوزراء وابتزه، حصل على كل ما طلبه، مبالغ يصعب تخيلها. واحتيال، لأن هذه الميزانية تستند إلى أرقام لا تمت للواقع بصلة".
وأضاف: "بالطبع، توقّعات إيرادات الدولة التي استندت إليها الميزانية كانت منفصلة تمامًا عن الواقع لأن الاستثمارات توقفت عندما استلمت هذه الحكومة الفاشلة زمام الحكم".
وتابع لابيد: "خيانة أمانة، لأن هذه الميزانية هي خرق لعقد أساسي مع مواطني إسرائيل، والذي ينص على أننا جميعًا لدينا نفس الحقوق والواجبات. نحن نربي هنا الجيل الأول في تاريخ الدولة الذي سيكون أفقر من والديه لأن كل طفل من أطفالنا سيضطر إلى تمويل الأطفال الذين ليس لا يعملون فحسب بل لن يحصلوا أيضًا على رزمة أدوات أساسية للرياضيات واللغة الإنجليزية، والتي سوف تسمح لهم يومًا ما بإعالة أنفسهم وأطفالهم".
أما رئيس كتلة "المعسكر الرسمي" ووزير الدفاع السابق، عضو الكنيست بيني غانتس، فقد قال: "هذه الميزانية تشكل خطرا واضحا وملموسا على المجتمع والاقتصاد، وبالتالي على الأمن. لا يوجد حتى أثر لإحقاق العدالة الوطنية فيها ـ فقط نظرة قطاعية. أنتم (الحكومة) تجعلون الاقتصاد الإسرائيلي رهينة احتياجات الائتلاف (الحكومي)".
وخلص غانتس إلى أن "هذه الميزانية تشكل تهديدًا مباشرًا على الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي".
ماذا يقول الخبراء؟
وحذر أكثر من 200 من كبار الاقتصاديين الإسرائيليين من أن الميزانية "من المرجح أن تسرع من تدهور إسرائيل لتصبح دولة من العالم الثالث".
واستشهدوا بإعانات ضخمة من المتوقع أن تذهب إلى نظام المدارس الدينية بالإضافة إلى زيادة رواتب طلاب المدارس الدينية بدوام كامل.
وحذروا في رسالة مفتوحة تم نشرها على نطاق واسع بالإعلام الإسرائيلي من أن التوزيع المخطط لأموال التحالف من شأنه أن يتسبب في "ضرر كبير وطويل الأجل لاقتصاد إسرائيل ومستقبلها كدولة مزدهرة".
وأشاروا في هذا الصدد إلى من أنه "من أجل تمكين الاندماج في سوق العمل، يجب أن يتلقى الأطفال تعليمًا يتيح ذلك، ويجب أن يواجه الكبار حوافز للقيام بذلك".
وأضافوا: "لسوء الحظ، لا تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع هذه القضية الأليمة فحسب، بل تختار أيضًا الإجراءات التي تؤدي إلى تفاقم المشكلة وتدهور مستقبل اقتصاد إسرائيل تجاه العالم الثالث".
aXA6IDMuMTQ5LjI5Ljk4IA== جزيرة ام اند امز