أستانة .. الجراح الروسي يستعد لبتر اليد الإيرانية بسوريا
مؤتمر الأستانة جاء -بحسب خبراء- لرغبة الروس في "انتزاع مشهد تبدو فيه إيران مسؤولة عن كل الجرائم التي ارتكبت في سوريا وليسوا هم".
بسقف منخفض من التوقعات، عبر عنه بوضوح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، يذهب فرقاء المشهد السوري إلى مؤتمر الأستانة المقرر انعقاده يوم غد الإثنين في العاصمة الكازاخية، كخطوة على طريق جولة جديدة من مفاوضات جنيف في فبراير/شباط المقبل، تسلمت الدعوة إليها قوى المعارضة السورية.
وقبل ساعات من انطلاق فعاليات المؤتمر الذي يقام برعاية روسية تركية، لم يعد السؤال يدور بشأن ما إذا كان المؤتمر سيحقق المأمول منه، إنما تحت أي ظرف يمكن الحديث عن فشله؟
بحسب المعلن يهدف مؤتمر الأستانة إلى تثبيت وقف إطلاق النار بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، تمهيدا لإجراء حوار سياسي، يفضي إلى حل للأزمة السورية. لكن اتفاق وقف إطلاق النار صامد بالفعل منذ نهاية العام الماضي بضمانة روسية تركية رغم المحاولات الإيرانية المضنية لكسره.
ويرى فراس الخالدي، المعارض السوري، عضو بفريق المفاوضات في جنيف، أن روسيا تسعى لكسب غطاء دولي للتهدئة التي فرضتها على الجبهة العسكرية في سوريا.
ويقول الخالدي لـ"العين" إن الحاجة إلى مؤتمر الأستانة فرضها الإدراك الروسي لمحاولات إيران كسر الهدنة عبر تسخين جبهة وادي بردى، وقطع الطريق على محاولات إيران التملص من التزامات الجانب الإنساني، بالإضافة لرغبة الروس لانتزاع مشهد تبدو فيه إيران مسؤولة عن كل جرائم التي ارتكبت في سوريا وليسوا هم".
وتسلم الخالدي الدعوة بالفعل للمشاركة في مؤتمر جنيف الذي كان مقررا له 8 فبراير/شباط، لكن الخالدي أكد لـ"العين" أنه تلقى إفادة بإرجاء الموعد لأيام دون تحديد الموعد الجديد لبدء المفاوضات.
ويعتقد الخالدي أن مؤتمر الأستانة إذا ما نجح في تثبيت وقف الأعمال العدائية ستكون الأزمة في سوريا قد قطعت شوطا كبيرا باتجاه الحل في ضوء التزام روسيا وتركيا بقرار مجلس الأمن 2254 الذي يشير بوضوح إلى بقاء الأسد لفترة انتقالية.
ويقول عضو المفاوضات عن المعارضة السورية: "بقاء الأسد ليس هو جوهر الأزمة فكل من التزم بجنيف1 والقرارات الدولية اللاحقة على مقررات جنيف يدرك ويوافق بالضرورة على وجود فترة انتقالية للأسد لكن هذا يعني في واقع الأمر نهاية هذا النظام، الأمر الذي ترفضه إيران إذ تعتبر الأسد رمزا للمعركة".
قبل نحو 4 أعوام، اتفقت مجموعة العمل الدولية من أجل سوريا في مؤتمر جنيف1 على 6 نقاط لحل الأزمة السورية، كان أهمها تشكيل حكومة وطنية كاملة الصلاحيات.
ويشير الخالدي إلى أن المعضلة التي واجهت المفاوض السوري خلال الجولات السابقة في جنيف2 وجنيف3 هي لجوء نظام بشار الأسد إلى تسخين جبهات القتال لإفشال المفاوضات، "لكننا أمام مشهد جديد الآن".
ويبدو أن المشهد الجديد في سوريا لم يعد يحتمل الوجود الإيراني، وتشير تعليقات الخالدي إلى حد بعيد إلى رغبة روسيا في تقويض دور طهران في المسار السوري.
لا يفضل الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمد محسن عبدالنور في أن يجيب بنعم أو لا عن سؤال بشأن رغبة روسيا في بتر اليد الإيرانية في سوريا، لكنه يقول لـ"العين" إن "ما يمكن تأكيده أن إيران باتت تمثل عبئا على الروس".
ويتابع: "منذ البداية كان تباين الرؤى والمواقف عنوانا للمقاربة الروسية الإيرانية في كل الملفات المتعلقة بسوريا.. المناورات الروسية الإسرائيلية وضعت الإيرانيين حلفاء روسيا الجدد في حرج بالغ أمام المليشيات الداعمة لطهران وعلى رأسها حزب الله اللبناني، الدعم الجوي الذي قدمته روسيا للأكراد وأخيرا الموقف من بقاء بشار الأسد".
ويرى عبدالنور أن مؤتمر الأستانة هو نتاج طبيعي للانتصار الذي حققته كل من روسيا وتركيا في حلب، يقول: "خرجت هاتان القوتان بزخم عسكري وهما يرغبان الآن في ترجمته إلى مخرجات سياسية بتوافق دولي، وفي ظل الدور الهامشي لإيران في تلك المعركة سوف تسعى طهران لإفشال المؤتمر".
يشير ميسرة بكور، المعارض السوري، أيضا لرغبة إيران في تقويض المؤتمر، عبر تصعيد الهجمات في وادي بردى، ويقول لـ"العين" إن "الصراخ الإيراني بشأن رفضها للوجود الأميركي في المؤتمر رغم هامشية؛ إذ إنهم إذا ما تواجدوا فلن يكونا أكثر من ضيف شرف، يعكس شعور طهران بالغبن فهي تدرك أن مشروعها في سوريا ينهار بعد مليارات الدولارات التي أنفقتها".
ويرى بكور أن نتائج المؤتمر باتت واضحة للجميع "فكل نتيجة تلزم مقدماتها، لافروف نفسه لم يتحدث سوى عن نقاش أو حوار ومن ثم لا مجال للحديث عن وثيقة سياسية سوف تخرج عن المؤتمر".
لكن في إشارة مضيئة، لفت عبدالنور إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية الروسي قال فيها إنه لولا التدخل الروسي كان أمام قوى المعارضة السورية 3 أسابيع على الأكثر للوصول إلى دمشق.
وعلى ما يبدو نجحت الدبلوماسية الروسية قبل انطلاق المؤتمر في وضع طهران أمام خيارين كليهما مر.. القبول والالتزام بتثبيت وقف النار ما يعني بداية النهاية لنظام بشار الأسد على أرضية جنيف، أو أن الذهاب بعيدا نحو تصعيد جديد لمعارك ستخوضها وحيدة هذه المرة في مواجهة رئيس أمريكي جديد مستنفر ومجتمع دولي نافد الصبر.
aXA6IDE4LjExOC4yOC4yMTcg جزيرة ام اند امز