من إسطنبول إلى سرخة.. لعنة المدن تعصف بأردوغان وروحاني
لعنة إسطنبول التي جرّدت أردوغان من سلطته في أهم مدن البلاد، يبدو أنها ستلاحق روحاني في مدينة سرخة الإيرانية
تماما كما جرّدت إسطنبول الرئيس رجب طيب أردوغان من سلطته في أهم مدن البلاد، يبدو أن نظيره الإيراني حسن روحاني، يخطو على نفس الدرب، بخطى حثيثة.
خسر أردوغان إسطنبول ليقدمها مُكرها للمعارضة في انتخابات شكّلت نقطة تحول في تاريخ تركيا، ومنحت مقاليد السلطة المحلية بالمدينة لأكرم إمام أوغلو الذي دخل التاريخ كأول عمدة لبلدية المدينة الاستراتيجية من خارج التيار الإسلامي المحافظ الذي بدأت سيطرته على كبرى مدن البلاد بفوز أردوغان بالمنصب في 1994.
وفي إيران، وتحديدا في صحراء مدينة سرخة الواقعة على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة طهران، بدأ منسوب التأييد الشعبي لروحاني يتراجع بشكل حاد بالتزامن مع انخفاض المقدرة الشرائية بسبب ارتفاع للأسعار.
منحى تنازلي يتوقع مراقبون أن يطيح بروحاني المنتمي للتيار الإصلاحي، ليؤكد أن الاقتصاد يشكل مقياس تأييد الشعوب لحكامها.
سرخة.. بداية النهاية
إيران التي تعج بالأزمات الداخلية، وتترنح تحت وطأة العقوبات الأمريكية، بدأت تبحث مبكرا عن رئيسها المقبل، مدركة أن المؤشرات المتهاوية لاقتصادها لن تمنح الطبقة الحاكمة فرصة الصعود مرة أخرى.
مؤشرات لم يكن من الصعب التقاطها في بلد تتقاذفه الاحتجاجات الشعبية المتقطعة والتي غالبا ما تخمدها السلطات عبر القمع والاعتقالات،
صحيفة "آفتاب يزد" الإصلاحية، كشفت في أحد تقاريرها عن منافسة محتملة بين وزير الاتصالات الشاب في حكومة روحانى محمد جواد آذري جهرمي، وعزت الله ضرغامي، الرئيس السابق للإذاعة والتلفزيون.
تآكل لشعبية عناصر النظام الإيراني بدأت تبلغ الخطوط الحمراء، خصوصا عقب تقرير نشرته، السبت، صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، بعنوان "إحباط في مسقط رأس حسن روحاني".
وكشف التقرير حالة القلق السائدة في مدينة سرخة، مسقط رأس الرئيس الإيراني، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وسط توتر العلاقات بين الدولة الراعية للإرهاب والمجتمع الدولي.
ففي تلك المدينة القريبة من محافظة سمنان شمالي إيران، والتي منحت صوتها لروحاني، عاش السكان لسنوات أملا في أن يحسن الرئيس الذي ولد ونشأ في ربوعها من مستوى عيشهم، وهو ما لم يحصل أبدا.
نقطة ضعف محورية يأمل الشق المتشدد بالنظام الإيراني بأن تؤثر على فرص الإصلاحيين في الانتخابات المقبلة، كما يعول على الاستياء الشعبي السائد في ظل تدهور الاتفاق النووي وتنامي التوتر مع واشنطن، وهي النقاط الأساسية التي اعتمدت عليها الحملة الانتخابية لروحاني وصلت شعبيته لانخفاض قياسي.
متابعون يرون من جانبهم أن الأفول المتوقع لنجم روحاني في مسقط رأسه سيكون مؤشرا على تنحيته من قائمة المرشحين من المنصب، لينضاف بذلك إلى لائحة السياسيين الذين حلت بهم لعنة المدن، تماما مثل نظيره التركي.
وتواجه حكومة روحاني منذ نهاية 2018، غضبا شعبيا متزايدا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، عزاها محتجون في مختلف أنحاء البلاد خلال موجات من المظاهرات المنددة بنظام المرشد على خامنئي، إلى هيمنة الحرس الثوري على مفاصل الدولة ومغامراته في دعم منظمات إرهابية في عدد من البلدان.
وكان الإيرانيون يأملون في الاستفادة من توقيع روحاني على الاتفاق النووي، في 2015، مع الدول الكبرى لكن العائدات من رفع الحظر خلال السنوات الماضية، اُستنزفت في دعم الإرهاب قبل أن يقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق، وفرض حزمة عقوبات على طهران.
إسطنبول.. المدينة التي أطاحت بأردوغان
"من يحكم إسطنبول يحكم تركيا".. عبارة شهيرة قالها أردوغان خلال حملة الانتخابات البلدية المقامة في مارس/ آذار الماضي، ولم يكن يدرك حينها أنه يقدم استشرافا لمستقبل بلاده بهامش خطأ يجاور الصفر.
وبالفعل، مُني أردوغان بخسارة مذلة في إسطنبول، هذه المدينة التي احتضنت مساره السياسي، وترأس بلديتها ومنها صعد إلى الحكم.
وبخسارتها، يمتد لهيب الهزيمة ليطال المسار السياسي لأردوغان، في وقت تتزايد فيه الانشقاقات داخل حزبه، ويتجه شريكه في الحكم (الحركة القومية) لفض تحالفه معه، وسط أزمة اقتصادية طاحنة دخلتها البلاد منذ أغسطس/ آب الماضي.
خسارة واحدة لمدينة بالأهمية الاستراتيجية التي تمثلها إسطنبول غيرت المسار السياسي لأردوغان، ودقت المسمار الأخير في عرشه الغرق في الفساد وتداعيات أزمة اقتصادية خانقة لم تحط أوزارها حتى الساعة.
إسطنبول اختارت أن تعاقب أردوغان على طريقتها، فبعد أن خسرها في الانتخابات الأولى بفارق ضئيل لا يتجاوز 13 ألف صوت، صفعته بهزيمة مذلة في انتخابات الإعادة في 23 يونيو/ حزيران الماضي، ولكن بفارق أكثر من 800 ألف صوت في الاقتراع المعاد.
نتائج رأى فيها محللون اعتراضا شعبيا على تغول أردوغان على السياسة التركية، إلى درجة أنه سمح لنفسه بأن يجبر اللجنة العليا للانتخابات على إلغاء نتائج التصويت لأنه لم يحقق الفوز بها.
كما أن نكسة حزبه العدالة والتنمية حتى في الدوائر الانتخابية، مثل بلدية فاتح بإسطنبول، والتي لطالما كانت معقلًا للمحافظين الدينيين، تؤكد انهيار سياسة الاستقطاب، والملل القاتل المهيمن على القواعد الانتخابية من دكتاتورية ضربت مفاصل البلاد، وأيضا أن مدينة وحدها حين تكون بوزن إسطنبول قادرة على تغيير التاريخ.