النظرة الجديدة لقادة دول الخليج العربي التي تتعامل مع العالم بمنظور أكثر واقعية وحسابات أكثر استقرارا ورسوخا
كشفت جولة الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية إلى مصر، ومن بعدها إلى بريطانيا والولايات المتحدة، عن أن الأمير الشاب يخطو نحو المستقبل بخطوات واثقة وعبر مخطط واضح، وهو ما يشير إلى الواقع الجديد لمنطقة الخليج العربي بقياداته الواعدة المبهرة التي تحكم وتدير انطلاقا من معطيات واقعية، وتطلعا إلى مستقبل مشرق لدول الخليج العربي، والمنطقة بأكملها، خاصة مع قدرة القيادات الشابة على أن تحقق لبلادها إنجازات غير مسبوقة، وتاريخ متفرد يُكتب في الوقت الراهن برؤية أكثر شمولا.
بدايةً يمكن التأكيد على أن دلالات اختيار عاصمة عربية وأوروبية وأمريكية في آن واحد مرتبط برغبة وتوجه الأمير محمد بن سلمان الذي يسعى لمخاطبة العالم بفكره ونسقه العقيدي القائم على تقديم صورة جديدة عن الدولة السعودية الكبيرة في نطاقها العربي والإسلامي، وبما تمثله من ثقل حضاري بمعنى الكلمة، وباعتبارها تقود العالم العربي والإسلامي، ومن ثم فالانفتاح على الخارج بمنظور جديد يتطلب تحركا مدروسا من النطاق العربي (مصر)، ومنها إلى الأوروبي (بريطانيا)، ثم الأمريكي (الولايات المتحدة)، واعتمادا على حدود الحركة السعودية في النطاق الخليجي، وهو ما يفسر مستويات التحرك السعودي في هذا التوقيت، خاصة وأن السعودية تملك مقومات ومعطيات شاملة تستطيع أن تترجمها إلى سياسات وتدابير وإجراءات حقيقية، وهو ما تدركه الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا.
الجولة الخارجية للأمير محمد بن سلمان توضح الرؤية التخطيطية للسعودية لطرق أبواب العالم وتقديم الصورة الرائعة للسعودية الجديدة التي تتعامل مع المستقبل بمنظور مختلف يعبر عنه صعود جيل الأحفاد الجدد بعد أن أدى جيل الأجداد المؤسسين دورهم التاريخي بصورة كاملة.
جاءت رسالة الأمير محمد بن سلمان من مصر، وعبر مؤسستها الدينية الإسلامية والمسيحية؛ لتؤكد التوجهات الجديدة للسعودية في دائرة حركتها العربية والإسلامية، خاصة وأن إحياء دور النظام الإقليمي العربي يعتمد على أسس ومرتكزات عربية تستند بالأساس على الدولة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر بالأساس على أن تلحق بهذه الدول الأخرى ومنها الأردن والجزائر والمغرب، ومن ثم فإن تحرك الأمير محمد بن سلمان يأتي في سياقه العربي والدولي، وبالتالي فإن النقطة المهمة هنا ليست فقط في قراءة القيادات العربية الشابة والواعدة -والتي يمثلها الأمير محمد بن سلمان وسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان- المستقبل من منظور سياسي واستراتيجي ومجتمعي متكامل، وإنما لما تعبر عنه هذه القيادات من توجهات جديرة بالمتابعة والرصد، والتي ستغير شكل العالم العربي بأكمله، لهذا لا أتوقف فقط أمام الإجراءات والقرارات العديدة التي أصدرتها الشقيقة السعودية مؤخرا، وفي مجالات عدة، وإنما أتوقف أمام قراءة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة للمستقبل برؤى مختلفة، وعلي أسس راسخة فاستراتيجية 2030 التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان منذ عامين استراتيجية شاملة، ليس فقط هدفها بناء دولة عصرية حقيقية تعتمد البدائل وتصنع السياسات، وتضع الاستراتيجيات قصيرة وطويلة المدي، وإنما تفعيل أنماط ونماذج التعامل مع المستقبل القريب والبعيد ، ومن خلال تخطيط ليس سياسيا فقط، وإنما أيضا مجتمعيا وثقافيا واستثماريا برؤى أكثر استراتيجية، وهو ما خططت له دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في مجالات التعليم والثقافة، وتقديم لرؤية الدولة بحلول عام 2071 رؤية "مئوية الإمارات 2071 "، والاقتصاد (رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030)، والاقتراب من المستقبل في مجالات عديدة ومن واقع معطيات وطنية بالأساس، وهو ما أبهر قطاعات عديدة في الخارج، وخاصة المراكز البحثية وبيوت الخبرة ودوائر صنع القرار التي تتعامل مع دول الخليج برؤية أكثر اقترابا ومنهاج أكثر وضوحا.
سينطلق إذن الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا والولايات المتحدة في إطار سياسة تستند على مبدأ الندية، وإقامة توازنات في أنماط العلاقات السعودية الإقليمية والدولية، ودون تحفظات، ووفقا لمصالح الدولة السعودية بالأساس، وفي ظل عدم الاعتماد على حليف واحد أو شريك محدد.
إنها النظرة الجديدة لقادة دول الخليج العربي التي تتعامل مع العالم بمنظور أكثر واقعية وحسابات أكثر استقرارا ورسوخا، وهي الرسالة التي تعمل عليها الشقيقة السعودية، والتي تريد أن تحقق المعادلة السياسية والاستراتيجية الصعبة مع استمرار الشراكة السعودية مع الولايات المتحدة، لكن مع الانفتاح على الدول الكبرى بحسابات وطنية حقيقية جعلت الأمير محمد بن سلمان، وسمو الشيخ محمد بن زايد ظاهرتين مبهرتين في النطاق العربي والدولي، خاصة مع حجم التحرك السياسي المدروس والمخطط للبلدين لبناء سياسات وطنية، وفي مجالات سياسية واستراتيجية، وبلغة أكثر عصرية وبثقة أكبر، ومن خلال مواجهة حقيقية للتحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة العربية ودول الخليج في القلب منه، وهو ما سيتطلب فعليا الاستعداد للمستقبل من خلال اقترابات مختلفة وانطلاقا من منظور وطني وثقافي ومجتمعي واضح.
التقيت مؤخرا مع عدد من الأكاديميين الأمريكيين زملائي في الجامعة، وشدني المتابعة اللافتة لما تحظى به منطقة الخليج العربي من اهتمام بالغ، خاصة حجم التطورات السياسية والاقتصادية والأجواء الثقافية التي تعيشها دُوله، وفي ظل تحولات مجتمعية حقيقية، واقتناع شعبي عبّرت عنه حالة الرضاء الشعبي التي تحظى بها سياسات القادة الشباب الذين يديرون ويوجهون ويغيرون مع التمسك بالمعطيات الوطنية وروافدها التاريخية والحضارية، وهو ما يؤكد المكانة الكبيرة التي تحظى بها منطقة الخليج على المستوى الدولي، وخاصة في إطار مراكز وبيوت الخبرة ومراكز صنع القرار التي تتابع الشأن الخليجي، وتربط حجم المتغيرات الراهنة بما يجري في العالم، وهو ما يحجز لدول الخليج العربي -وفي القلب منه السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة- موقعا دوليا على خريطة القوى المؤثرة حيث تتداخل الأدوار العربية والإقليمية والدولية على مستويات مختلفة.
إن الجولة الخارجية للأمير محمد بن سلمان توضح الرؤية التخطيطية للسعودية لطرق أبواب العالم، وتقديم الصورة الرائعة للسعودية الجديدة التي تتعامل مع المستقبل بمنظور مختلف تعبر عنه صعود جيل الأحفاد الجدد بعد أن أدى جيل الأجداد المؤسسين دورهم التاريخي بصورة كاملة، وها هو الجيل الجديد المبهر يقوم بدوره ويستعد للتولي وإحداث النقلة النوعية الجديدة للمنطقة بأكملها، وليس فقط في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فالصحيح أن هذه القيادات ستطرق أبواب الانفتاح على الخارج من واقع مختلف تماما عما كان في المرحلة الماضية، واستنادا على أسس ومنهج جديد في التعامل دون أي قيود أو تحفظات تجاوزها الجميع؛ لاعتبارات تتعلق بالتطورات التي تشهدها المنطقة العربية والإقليم بأكمله، وليس دول الخليج فقط.
إن هذا الجيل الجديد المبهر قادر على أن يواجه التحديات التي يواجهها النظام الإقليمي العربي ويتفاعل ويتعامل معها بما في ذلك التحديات والمخاطر الواردة على أمن الإقليم بأكمله ومن دول الجوار، والتي لا تريد أن تكف عن ممارساتها غير المشروعة، والتي تتعامل معها الدول العربية المركزية مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر بأساليب وأنماط مختلفة تماما، وبرسائل تبدو سياسية في بعض الأحيان، واستراتيجية رادعة في أحيان أخرى، وهو ما يجب أن تتفهمه كل القوى الشاردة في الإقليم، ومنها قطر، والتي يجب أن تكف عن ممارساتها السياسية في التدخل في شؤون الدول العربية، والإقليمية والعودة إلى المظلة العربية الخليجية، وعدم الاستقواء بأي طرف إقليمي سواء كان تركيّا أو إيرانيّا، وعلى الولايات المتحدة التي سيزورها الأمير محمد بن سلمان أن تتفهم جيدا أن دولنا العربية وقياداتنا الجديدة ستتعامل من الآن فصاعدا من منطلقات مختلفة، ووفقا لرؤى أكثر استقرارا وشمولا، ومن خلال استراتيجيات وطنية، وهو ما يؤكد فعليا أننا مراكز مؤثرة وفعالة في صنع السياسات الدولية، وليست فقط العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة