صحف إيطالية وفرنسية: روما الخاسر الأكبر في الحرب الكلامية مع باريس
صحيفة "لوموند" اعتبرت أن روما تجاوزت الخطوط الحمراء في خلافها مع باريس فيما اعتبرت صحف إيطاليا أن الحرب الكلامية في غير صالح حكومتهم
وسط أسبوع عاصف لأزمة دبلوماسية بين بلدين مؤسسيين للاتحاد الأوروبي، على خلفية تصريحات وانتقادات غير مسبوقة لمسؤولين إيطاليين موجهة إلى فرنسا، اعتبرت وسائل إعلام البلدين أن روما هي الخاسر الأكبر في تلك الحرب الكلامية.
- نائب رئيس الوزراء الإيطالي: لا نرغب في حدوث خلاف مع فرنسا
- فرنسا تستدعي سفيرها في إيطاليا "بعد تهجم غير مسبوق"
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إنه على الرغم من توتر العلاقات بين باريس وروما منذ صعود حزب "خمس نجوم" (اليمين المتطرف) إلى سدة الحكم في إيطاليا، فإن هذه المرة حكومة روما تجاوزت الخطوط الحمراء".
وأوضحت الصحيفة أن "إيطاليا لن تقبل أن يستقبل رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب، أو وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستنر، معارضي (الألوية الحمراء السابقة في بيروجيا) دون إبلاغ السلطات الإيطالية والتباهي بذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا أمر غير مسبوق حتى أوقات الحرب الباردة بين البلدين".
صحف إيطالية: روما الخاسر الأكبر
ونقلت "لوموند" عن صحف إيطالية تأكيدها أن روما هي الخاسر الأكبر في تلك المواجهة مع فرنسا. إذ أشارت صحيفة "لا ريبوبليكا" إلى أن هذا الزلزال المفاجئ في العلاقات الثنائية بين البلدين ليس بظاهرة جيولوجية إنما نزاع دبلوماسي "غير مسبوق" لما له من عواقب وخيمة على القارة ويؤجج من خلافاتها.
فيما اعتبرت صحيفة "لاستامبا" الإيطالية أن ما كان يُخشى منه على مدى أشهر في الأوساط الدبلوماسية من تتوتر العلاقات بين البلدين بعد تولي اليمين المتطرف، هو ما حدث لسوء الحظ"، موضحة أن لقاء دي مايو بـ"السترات الصفراء" هو القشة التي قصمت ظهر البعير، معتبرة أن روما هي الخاسر الأكبر في تلك المواجهة.
صحف فرنسية.. أسباب وتداعيات الأزمة
فيما أشارت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية إلى أن مثل هذا التصعيد غير مسبوق منذ إعلان إيطاليا الحرب على فرنسا عام 1940، لافتة إلى أن اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية في 26 مايو/أيار المقبل أجج الصراع.
كما فسرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية هذه الأزمة بأنها عبارة عن استعراض أسلحة بين "الشعبوية" و"الليبرالية" استعدادا للانتخابات الأوروبية مايو المقبل.
ونقلت "ليبراسيون" عن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق أوبير فيدرين، قوله إن "استدعاء السفير الفرنسي رد مناسب على الاستفزازات الإيطالية ووسيلة فضلى لمحاربة المد الشعبوي"، مشيراً إلى أنه يتوقع أن تهدأ التوترات بعد الانتخابات الأوروبية.
بدورها، وصفت صحيفة "ليكسبريس" الفرنسية توتر العلاقات بين حليفين مؤسّسين للاتحاد الأوروبي بأنه الأخطر على مستقبل أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما يعكس الانقسام الذي تعيشه القارّة العجوز قبل أشهر من الانتخابات الأوروبية.
وكان نائب رئيس الوزراء الإيطالي لويجي دي مايو، التقى محتجين من حركة "السترات الصفراء" في فرنسا معرباً عن دعمه لهم، كما أدلى وزير الداخلية ماتيو سالفيني، بتصريحات مثيرة للجدل فيما يتعلق بالأوضاع في ليبيا، الأمر الذي دفع باريس لاستدعاء سفيرها لدى إيطاليا.
روما تحاول احتواء الأزمة
وفي رسالة موقعة بعثها دي مايو إلى صحيفة "لوموند" الفرنسية محاولاً تبرير لقائه مع محتجي "السترات الصفراء" في فرنسا، قال: "بعد خطوة الحكومة الفرنسية باستدعاء سفيرها، أود تكرار بقوة أن إيطاليا وحكومتها تعتبر فرنسا وشعبها أصدقاء، بتقاليدها الديمقراطية، كنقطة مرجعية، على الصعيد العالمي، في فتوحات الحقوق المدنية والاجتماعية".
وأضاف دي مايو: "لا أعتقد أن مستقبل السياسة الأوروبية في الأحزاب اليمينية أو اليسارية"، مشيراً إلى أنه سبق أن أجرى زيارة إلى الجمعية الوطنية الفرنسية عام 2016، خلال المظاهرات الشعبية ضد إصلاحات قانون العمل في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند".
وتابع: "لاحظت جيداً أن مظاهرات السترات الصفراء هذه المرة، تجاوزت اليمين واليسار، ووضعت المواطن واحتياجاته أولوية بصرف النظر عن الأيديولوجية التي يعتنقها ومن ثم أعربت عن تضامني الكامل معهم".
وقبل يومين، رداً على قرار فرنسا سحب سفيرها لدى إيطاليا، قال وزير الداخلية الإيطالي، ونائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، في بيان، إنه يريد إعادة العلاقات مع باريس إلى طبيعتها، لكن على فرنسا معالجة ثلاث قضايا "أساسية"، مضيفاً: "مستعدون لفتح صفحة جديدة مع فرنسا بما فيه مصلحة الشعبين".
وأوضح أن على الشرطة الفرنسية التوقف عن صد المهاجرين ودفعهم للعودة إلى إيطاليا، ووقف عمليات الفحص المطولة التي تجريها على الحدود ما يعرقل حركة المرور هناك، مضيفاً أنه على باريس أيضا تسليم نحو 14 متمرداً يساريا إيطاليا مطلوبين بتهمة الإرهاب، واتخذوا من فرنسا ملاذا خلال العقود الماضية"، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء.
ويبدو أن تلك الشروط أثارت غضب باريس، ما دفع المتحدث باسم الحكومة الفرنسية بنيامين جريفو إلى إصدار بيان يوضح فيه موقف بلاده من استدعاء السفير الفرنسي قائلاً: "إن استدعاء السفير يعد إجراء مؤقتا، إلا أنه يبعث بتحذيرات مهمة وإشارات لإيطاليا ألا تتدخل في الشؤون الداخلية الفرنسية"، مضيفاً أن "أمر استدعاء السفير جاء بعد شهور من الحملات المناهضة التي يشنها أعضاء من الحكومة الإيطالية"، بحسب شبكة (إيه بي سي نيوز) الأمريكية.
وعلى خلفية تلك الأزمة المستعرة، دعا سالفيني، نظيره الفرنسي كريستوف كاستنر لزيارة روما من أجل التباحث في المسائل الخلافية بين البلدين غداة استدعاء فرنسا سفيرها في إيطاليا؛ احتجاجاً على ما اعتبرته "تهجّماً" عليها.
وقال سالفيني زعيم حزب الرابطة (يمين متطرف) في بيان: "لا أريد ولا يمكنني أن أستدعي أحداً، سأكون مسروراً بأن استقبل في إيطاليا في أقرب وقت ممكن زميلي الفرنسي لمناقشة المشاكل وحلّها".
وجاء بيان الوزير الإيطالي استدراكاً لتصريح أدلى به بأنه خلال مهرجان انتخابي بأنه يعتزم "استدعاء" نظيره الفرنسي، قائلاً: "سأستدعيه لأنني أريد إيجاد حلّ للوضع"، الأمر الذي أثار غضب كاستنر".
وسرعان ما رد كاستنر على سالفيني خلال مقابلة مع محطة "بي.إف.إم.تي.في" الفرنسية قائلاً: "أنا لا أُستدعى"، مضيفاً أن "الحوار مستمر بيننا ويجب أن يتسم بالاحترام".
بدوره، حذر الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتيريلا نائبيه دي مايو وسالفيني من تصعيد الموقف مع باريس، قائلاً: "يجب أن ندافع عن صداقتنا مع فرنسا ونحافظ عليها"، مضيفاً: "لا بد من استعادة مناخ الثقة فوراً مع حلفائنا وهذا الأمر يتطلب احترام كامل الديناميات المؤسسية لكل دولة"، بحسب ما نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية.
في هذا السياق، أعرب رئيس الوزراء الإيطالي السابق والزعيم السابق للحزب الديمقراطي ماتيو رينزي عن دعمه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلاً: "سالفيني ودي مايو، يحملان ماكرون ذنب كل شيء يحدث؛ الركود، والهجرة، كرة القدم"، مضيفاً: "نحن بهذا الشكل نهاجم فرنسا، البلد الذي يعد الصديق التاريخي لإيطاليا"، بحسب مجلة "لونوفل أوبسيرفاتير" الفرنسية.
aXA6IDE4LjExNi44NS4yMDQg
جزيرة ام اند امز