المتتبع لسلوك إيران في الآونة الأخيرة يجد أنها تسير بجدارة على خطى براقش في إلحاق الأذى بنفسها.
من أشهر الأمثلة التي تضرب على من يلحق الأذى بنفسه ويجلب إليها الخطر هو "على نفسها جنت براقش"، وهذا المثل العربي الشهير يعكس قصة حقيقية بطلتها كلبة تدعى "براقش" كانت تعيش في قرية صغيرة وكان صاحبها قد عودها على السمع والطاعة، فإذا ما أشار إليها بأن تسمح لضيوفه بالمرور أطاعت وإن أمرها بمطاردة الأعداء واللصوص فعلت، وفي يوم حضر إلى القرية مجموعة من الأعداء فبدأت براقش بالنباح لتحذير أهل القرية الذين سارعوا بالخروج منها والاختفاء في إحدى المغارات القريبة الآمنة التي عجز الأعداء عن اكتشاف موقعها، عندها قرر الأعداء الخروج من القرية وبدأوا بالفعل في مغادرتها، ولأن "براقش" اعتادت توديع الغرباء فبدأت في النباح عندما رأت أن الأعداء بدأوا في المغادرة، وحاول صاحبها أن يسكتها دون جدوى، عندها عرف الأعداء مكان اختباء أهل القرية وقتلوهم جميعا بما فيهم "براقش".
بالتأكيد سيستخدم الجميع مضيق هرمز، ولن تستطيع إيران إغلاقه ولو أرادت، فلا أحد سيسمح لها بذلك، الأصدقاء قبل الأعداء، لكن مجرد تهديدها بهذه الورقة قد يضع نظامها تحت مرمى التغيير بالقوة، وقد يمثل ذريعة لمن لا يريد الانتظار طويلا حتى تأتي تحركات الشعب الإيراني وحركاته المعارضة أكلها
ولعل المتتبع لسلوك إيران في الآونة الأخيرة يجد أنها تسير بجدارة على خطى براقش في إلحاق الأذى بنفسها، وقد يكون تلويح الرئيس الإيراني حسن روحاني أول أمس بإغلاق مضيق هرمز شبيها بالنباح الأخير لبراقش الذي أرشد أعداءها عن مكان اختبائها، فتحت وطأة العقوبات الأمريكية المنتظرة وإحساس طهران بأنها في طريقها لخسارة كل شيء، بدأت إيران في التهديد بوقف تصدير النفط عبر مضيق هرمز في محاولة بائسة لخلط الأوراق وإثبات أنها تملك أوراقا للضغط قد تمكنها من إنقاذ الصفقة النووية التي توشك على الانهيار.
تغاضى المجتمع الدولي في أوقات كثيرة عن ممارسات إيرانية مزعزعة لأمن واستقرار المنطقة، ربما لأن الخطر الإيراني لم يكن يهدد بشكل مباشر مصالح القوى الدولية الفاعلة، وربما لأن بعضا من هذه القوى كانت ترى أن تطبيع العلاقات مع إيران يشكل فرصة لا يجب تفويتها لذا كانت حريصة على كسر عزلة إيران وإعادة إدماجها في المجتمع الدولي رغم ما كانت ولا تزال تشكله من خطر على جيرانها، لكن عندما يصل الخطر إلى درجة التهديد بإغلاق مضيق يمر عبره ثلث صادرات النفط التي تنقل عبر البحار يوميا فإن التحرك الدولي ضد هذا السلوك المتهور لا يشمل من تعتبرهم إيران أعداءها فقط، بل قد يشمل من تعتبرهم في عداد الأصدقاء، وهنا كان ملفتا مطالبة بكين لطهران ردا على هذا التهديد بـ"بذل مزيد من الجهد لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط والانسجام مع جيرانها"، هنا يبدو منطقيا ألا تصمد الصداقة الصينية الإيرانية أمام حقيقة أن السعودية والعراق والكويت هم من بين أهم مصدري النفط للصين، ومن ثم فإن أي إغلاق لمضيق هرمز ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الصيني في ظل ما هو معروف من أن نحو 88% من الإنتاج النفطي للسعودية، و98% من نفط العراق، وكل نفط الكويت يتم تصديره عبر مضيق هرمز، وليست الصين وحدها التي قد تنحي صداقتها مع طهران جانبا في سبيل حماية مصالحها، بل هناك دول كثيرة قد تتبنى الموقف نفسه للسبب نفسه، في آسيا والمحيط الهادي وأمريكا الشمالية، لا سيما اليابان التي تعد أكبر مستورد للنفط عبر مضيق هرمز.
أما عن "الأعداء" فالأمر أكثر خطورة، فهناك في واشنطن من ينتظر هذه الخطوة، فليس خفيا أن هناك سيناريو يتم تداوله بشكل واسع داخل أروقة الإدارة الأمريكية ومراكز التفكير القريبة منها، يقوم بالأساس على تبني خيار تغيير النظام الإيراني بعد أن فشلت محاولات تغيير سلوكه، وعلى الرغم من وجود توافق كبير حول هذا الخيار داخل الإدارة الأمريكية إلا أن الاختلاف كان فقط حول كيفية تنفيذه، فالرأي الأرجح داخل الإدارة كان يفضل عدم اللجوء إلى خيار القوة العسكرية لتنفيذ هذا الخيار لتكلفته العالية، واللجوء عوضا عن ذلك إلى دعم الحركة الاحتجاجية للشعب الإيراني في تطلعاته الديمقراطية، ودعم حركات المعارضة الإيرانية الساعية إلى تغيير النظام.
لكن تصريحات روحاني الأخيرة أعادت الروح لمن يتبنى خيار تغيير النظام في إيران عبر القوة العسكرية داخل الإدارة الأمريكية، فقد أسقطت هذه التصريحات "القناع الإصلاحي" الذي يرتديه بعض رجال الدين المتشددين، وأثبتت أن الحديث على أن هناك جناحا إصلاحيا داخل النظام الإيراني يمكن الرهان عليه لإحداث تغيير في سلوك النظام مجرد أضغاث أحلام، وأن لا فارق بين خامنئي أو روحاني، أو بين الحرس الثوري ومؤسسة الرئاسة، فالجميع يخدم الهدف نفسه، وما نراه أحيانا من اختلاف ما هو إلا توزيع أدوار في إطار المسرحية نفسها، فما إن أعلن روحاني تهديده إلا وكان قرينه في الحرس الثوري محمد علي جعفري يعلن أن قواته على استعداد لوضع تلك التهديدات موضع التنفيذ، قائلا "سنجعل العدو يدرك أنه إما أن يستخدم الجميع مضيق هرمز أو لا أحد سيستخدمه".
بالتأكيد سيستخدم الجميع مضيق هرمز، ولن تستطيع إيران إغلاقه ولو أرادت، فلا أحد سيسمح لها بذلك، الأصدقاء قبل الأعداء، لكن مجرد تهديدها بهذه الورقة قد يضع نظامها تحت مرمى التغيير بالقوة، وقد يمثل ذريعة لمن لا يريد الانتظار طويلا حتى تأتي تحركات الشعب الإيراني وحركاته المعارضة أكلها، فمجرد التلويح بإغلاق المضيق قد يشعل شرارة حرب تسعى إليها أطراف كثيرة ترى أنه لا حل للمعضلة الإيرانية دونها، حرب تبدو نتائجها محسومة إذا قيست على ميزان القوى الذي اختبرت فيه القوة العسكرية الإيرانية مؤخرا في سوريا أمام إسرائيل، بشكل ينبئ عن شكل ونتاج أي مواجهة عسكرية قد قد تندلع في الإقليم بسبب مثل هذه التصريحات العنترية التي تشبه نباح "براقش".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة