الواقع أن بواعث خروج المواطن الإيراني إلى الشارع عديدة، ولا يمكن حصرها في عامل واحد، فهي تمر عبر طيف طويل متعددة الألوان.
تموج شوارع المدن الإيرانية في مختلف أنحاء البلاد بأعداد ضخمة من المواطنين الذين يرفعون ويطلقون شعارات وهتافات احتجاجاً على الأوضاع الداخلية والمعيشية السيئة، وتردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد العديد من السلع والحاجات الأساسية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الإيرانيون إلى الشوارع، منددين بما يجري في بلادهم من تردٍ للأوضاع وشجب للتدخلات الخارجية لبلادهم في أماكن عدة، خاصة بلدان العالم العربي، بل إن ذلك يحدث بشكل متكرر يدل على أن الأوضاع الداخلية في إيران تغلي بشدة وعلى أن الشعب الإيراني سئم مما يجري من هدر للمال العام في الخارج على حساب الداخل، وعلى أن النخبة الحاكمة غير عابئة بمطالب الإيرانيين المتزايدة، ولا بأوضاعهم المعيشية السيئة، ومصرة على المضي في خططها وبرامجها الخارجية التوسعية القائمة على شعارات تصدير الثورة إلى الخارج، ونشر النموذج الخميني.
إن التنبؤ بما قد تؤول إليه الأوضاع المستقبلية في إيران صعب، لكن المسارات المحتملة نتيجة لكل ما يحدث من سياسات وممارسات عنجهية وخاطئة على جميع الصعد، تنبئ بأن إيران ينتظرها مستقبل مظلم بسبب ما تمارسه نخبتها الدينية الحاكمة من سياسات قادت التنمية الإيرانية إلى الحضيض
والواقع أن بواعث خروج المواطن الإيراني إلى الشارع عديدة، ولا يمكن حصرها في عامل واحد، فهي تمر عبر طيف طويل متعددة الألوان، بدءاً بالصراعات داخل النخبة الدينية الحاكمة ذاتها، مروراً باستقواء المرشد الأعلى يسنده الحرس الثوري الإيراني على الآخرين ومحاولة إخضاعهم ووضعهم تحت السيطرة بالقوة، وبانتهاكات حقوق الإنسان التي أصبحت قاعدة، وبوضع المرأة الإيرانية المضطهدة، وبرعاية الإرهاب، وبالسياسة الخارجية المتخبطة القائمة على استعداء الجميع من جيران أقربين وبعيدين جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً إلى قوى عظمى وكبرى، وانتهاءً بكابوس الاقتصاد المنهار الذي تنتج عنه تداعيات سياسية واجتماعية عميقة الجذور. لكن نظام أصحاب العمائم الحاكم لا يعترف بأي من تلك البواعث والمظاهر، وهو يكرر بشكل مضحك أن ما يحدث هو مؤامرة خارجية تحاك ضد إيران وشعبها من قبل «قوى الاستكبار العالمية»!
والحقيقة أن موضوع نظرية المؤامرة هذا صار مستهلكاً وسمجاً، لأنه يطال جوانب لا يمكن للعقول السوية أن تصدقها، لكن المهم هو أن المظاهرات والاحتجاجات الدائرة يسقط فيها قتلى وجرحى نتيجة لبطش السلطة، وهي مظاهرات واحتجاجات ذات بعد اقتصادي خطير ممزوج بتراكمات أخرى أشرنا إليها، فالاقتصاد الإيراني يعاني مظاهر ضعف مزمنة، على رأسها التضخم والبطالة وانهيار سعر الصرف، مقابل النقد الأجنبي، وسوء الإدارة الاقتصادية المتراكمة والفساد المالي والإداري، والأسواق السوداء الموازية لكل شيء تقريباً، وغلاء الأسعار المتصاعد، تضاف إلى ذلك الآثار السلبية للمقاطعة الاقتصادية المفروضة على البلاد لردح طويل من الزمن، والتي قد تعود بشكل أقوى وأقسى نتيجة لإلغاء الاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة، وأخطر من ذلك تبديد المال الإيراني على التدخلات الخارجية غير المبررة، ودعم الإرهاب والفوضى، وغير ذلك من سلوكيات مضرة بالداخل الإيراني.
إن التنبؤ بما قد تؤول إليه الأوضاع المستقبلية في إيران صعب، لكن المسارات المحتملة نتيجة لكل ما يحدث من سياسات وممارسات عنجهية وخاطئة على جميع الصعد تنبئ بأن إيران ينتظرها مستقبل مظلم بسبب ما تمارسه نخبتها الدينية الحاكمة من سياسات قادت التنمية الإيرانية إلى الحضيض، فجزء كبير من الاقتصاد يسيطر عليه الحرس الثوري، ويستفيد منه رجال أعمال متنفذون وقريبون من الدوائر الحاكمة.
وإلى ذلك، توجد استخدامات غير اقتصادية للموارد الوطنية، أي دون خطط واضحة تهدف إلى التنمية الشاملة المستدامة لإيران ذاتها، بل لدعم وتمرير شعارات جوفاء، وهو أمر أدى إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين الإيرانيين الذين تزداد معاناتهم من وطأة الأزمات المتفاقمة، وفي مقابل ذلك فإن أصحاب العمائم مشغولون بشعاراتهم وبتصدير ثورتهم وتخريب أمن المجتمعات في سوريا والعراق واليمن والبحرين، لذلك فإن مستقبل هؤلاء صار تحت المحك، وما هو آتٍ أمامهم مظلم جداً.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة