رحلة "جاك ما" الملهمة.. كيف فتح مدرس الإنجليزي مغارة "علي بابا" ليصبح مليارديرا؟
جاك ما، أحد أثرياء الصين الأكثر إلهاما بالعالم، فمن مدرس للإنجليزية إلى مؤسس أضخم شركة تجارة إلكترونية "علي بابا"، مر برحلة صعود مثيرة.
سنتعرف في التقرير التالي على مشواره غير الممهد، كي يصل إلى هذه المكانة المرموقة بين رواد الأعمال وأثرياء العالم.
طفولة صعبة
في بلد يتجاوز تعداده المليار نسمة، عندما ولد ذلك الطفل في العام 1964 لم يكن هناك أي فرق بينه وبين أي طفل آخر في الصين.
نفس الظروف ونفس الملامح، ونفس البيئة الشيوعية شديدة الفقر، ونفس الظروف بدون أي اختلافات.
اسمه (جاك ما)، وهو اسم نعرفه الآن جميعاً حتماً. لكن لم يكن يعرفه أحد آنذاك، لأنه ببساطة لم يكن يملك أي مميزات من أي نوع.
منذ طفولته، مال جاك – ما إلى تعلم اللغات، خصوصا الإنجليزية.
كان وهو طفل صغير، إلى مرحلة المراهقة، يذهب يوميا إلى أماكن وجود السياح في فندق قريب من بلدته. كانت الصين وقتئذ دولة شيوعية، وكان الأجانب فيها دائما موجودين في أماكن محددة لهم سلفًا، لذلك كان يذهب بنفسه إلى هذه الأماكن للتعرف على السياح القادمين إلى الصين، ومحاولة الاندماج معهم.
بمرور الوقت، أدى وجوده الدائم إلى حصوله على خدمات منهم، حيث أصبحوا يعتمدون عليه لإنجاز بعض الأعمال، ويرشدهم إلى الأماكن المفضلة لزيارتها، في مقابل تعليمه بعض الإنجليزية.
ظل هكذا طوال طفولته ومراهقته حتى أتقن الإنجليزية بعد 8 سنوات. هذه الصداقات التي كوّنها، جعلته يسافر إلى أستراليا وهو شاب، وكان أول سفر له خارج الصين، ليرى العالم للمرة الأولى خارج دولته الاشتراكية الشيوعية، ويتعرف على التجارة والأعمال في العالم الحر. ثم عاد إلى الصين مرة أخرى.
"جاك ما" والكثير من الفشل
بعد عودته إلى الصين، تقدم جاك ما إلى الجامعة، حيث كان القبول الجامعي يتطلب أن يجتاز اختبارات معينة. تقدم للمرة الأولى، فرسب. ثم تقدم مرة أخرى، فرسب مرة ثانية.
في النهاية، تقدم جاك ما لأسوأ جامعة في مدينته، وقُبل فيها بأعجوبة. استمر في الدراسة، وتخرج فيها ليعمل مدرساً للغة الإنجليزية، المجال الوحيد الذي أحبه منذ طفولته، وجعله يقرر أن يستمر فيه بأي طريقة.
بدأ جاك ما في العمل كمدرسة للغة الإنجليزية مقابل أجر زهيد يقدر بـ15 دولارًا. ثم بدأ في البحث عن فرصة عمل في مجال السياحة والفندقة، بلا جدوى.
تقدم جاك ما للعمل في أكثر من فندق، رُفض فيها جميعاً. ثم تقدم ليعمل في محال للمطاعم السريعة رُفض فيها جميعاً أيضاً.
قرر أن يفتتح شركة صغيرة، وبدأت العمل، إلا أنها أثبتت فشلها بعد مرور بضعة أشهر. لا وظيفة ثابتة، ولا أجر مجزيا، ولا عمل خاصا ناجحا. كانت فترة كاملة من الفشل في حياة جاك ما.
جاك ما ورحلة التعرف على الإنترنت
عندما بلغ جاك ما الثلاثينيات من العمر، واتته الفرصة أخيراً للسفر إلى أمريكا كمترجم مرافق لإحدى الشركات الصينية. بقي هنا جاك ما عدة شهور، لا يفعل شيئا سوى الترجمة بين كبار التنفيذين وموظفي الشركة الصينية والشركات الأمريكية، مجرد ناقل للكلمات ومعانيها بين الأشخاص، لا أحد يوليه أي اهتمام على الإطلاق.
لاحقاً، ومع تأقلم جاك –ما على الحياة في أمريكا، تواصل مع بعض أصدقائه القدامى، وسافر إليهم في سياتل. هناك، تعرف جاك – ما بشكل أكبر على شبكة الإنترنت، التي لم تكن قد وصلت الصين، قبل حتى أن يتم حظرها.
كان جاك – ما يشعر بالذهول وهو يتعامل مع الإنترنت للمرة الأولى، وبدأ يتعامل مع موقع ياهو Yahoo الذي كان شديد الشهرة -آنذاك- ويمارس البحث في الشبكة.
هناك، أنشأ جاك ما شركة صغيرة للترجمة الصينية – الإنجليزية، وبدأ في محاولة تصميم موقع بنفسه – بعد أن تعلم بعض أساسيات التصميم البسيطة – للترويج لشركته الصغيرة. كان التصميم رديئًا للغاية، إلا أنه بعد إكماله، فوجئ بعد فترة قصيرة أنه تلقى 5 رسائل عبر البريد الاليكتروني تطلب خدماته.
وقتئذ فقط، أدرك الصيني الذي فشل في كل شيء أنه وقع على منجم ذهب يجب أن يستغله بأفضل صورة ممكنة، وليس مجرد شركة ترجمة صغيرة تعود عليه ببعض الدولارات!.
انبعاث الأفكار في رأس جاك ما
بعد عودته إلى الصين، قدم جاك ما استقالته كمدرس للغة الإنجليزية، وقرر أن يبدأ هذا العالم. اقتراض جاك مبلغاً مالياً ليبدأ به، ثم قرر أن يصمم بنفسه موقعاَ شبيهاً بأرشيف ياهو الذي استخدمه في أمريكا، وأطلق موقع صفحات الصين China Pages التي تقدم قاعدة بيانات للشركات الصينية في الإنترنت.
اكتسب بعض الخبرة، رغم أن الموقع لم يُكتب له هذا النجاح. لاحقا، انتقل إلى بكين للعمل في وظيفة لها علاقة بالقطاع الرقمي، فقفزت في ذهنه فكرة عمره: لماذا لا يصمم موقعاً للتجارة الرقمية الناشئة؟ كان في ذلك الوقت قد ظهر موقع أمازون في أمريكا، وبعض المواقع المتخصصة في التجارة الإلكترونية، وبدا واضحاً أنها ستمثل اقبالا كبيراً في العالم.
في العام 1998، انتهى جاك ما من تصميم موقعه للتجارة الإلكترونية، واطلق عليه اسم ” علي بابا ” Alibaba !.
هذه التسمية الغريبة، سمعها بالصدفة وهو يجلس برفقة صديق له على أحد مقاهي سان فرانسيسكو، فاستهوته، وقرر أن يطلقها على متجره الإلكتروني، بما تعنيه هذه الكلمة – في الثقافة العالمية – فكرة: افتح يا سمسم، أطلب ما تريده وسوف نجلبه لك، برمزية مغارة علي بابا الشهيرة.
وانطلق علي بابا، وكان جاك ما قد بلغ الخامسة والثلاثين من عمره!.
جاك ما يفتح مغارة "علي بابا"
في السنوات الأولى، أول 3 سنوات بالتحديد، كانت المنصة تمر بأيام عصيبة. يقول جاك ما إن المنصة لم تجنِ آية أرباح، وبدا له وللجميع أنه مشروع آخر فاشل من المشاريع الفاشلة التي تورط فيها جاك ما طوال عمره تقريباً.
لم يُقبل المستخدمون على الشراء، ولم تقبل المؤسسات ولا الشركات او المتاجر في الشراء أو التعامل والبيع معه، لأسباب كثيرة، أولها صعوبات الدفع وعدم ثقة المستخدمين.
وقتئذ فقط، قرر جاك ما وفريقه أن يقوم بالخطوة الأخيرة التي ربما تنقذ مشروعه الوليد، وهو توفير نظام دفع خاص وسهل سمّها ”علي باي” Ali Pay ، وهو الذي يؤدي لتسهيل قرارات الدفع من المستخدمين.
بعد هذا الإجراء، بدأت المنصة تجذب انظار المستخدمين، مع فتح التعامل من خلالها بكافة العملات، فبدأت المتاجر في الاصطفاف للانضمام إلى علي بابا، وبدأ العملاء من حول العالم، وليس الصين فقط، في التوافد للشراء عبر المنصة الصينية التي تحولت إلى واحدة من أضخم منصات التجارة الإلكترونية في وقت سريع.
المدرس الملياردير
اليوم، تقدر ثروة جاك ما – بحسب آخر احصائية – بحوالي 48 مليار دولار، وهو أغنى رجل في الصين على الإطلاق. وتقدر القيمة السوقية لشركة علي بابا بمئات المليارات من الدولارات.
بدأ جاك ما حياته كمدرس لغة إنجليزية واجه الرفض في كل شيء، بداية من مطاعم الوجبات السريعة التي رفضت توظيفه، إلى الفنادق المتواضعة التي وجدته شخص غير واعد وغير جدير بالتوظيف. لحسن الحظ أنه رُفض في كل هذه الوظائف، وإلا كان جاك ما الآن مجرد موظف متواضع في شركة صغيرة، وليس ملياردير ثروته تقدر بمليارات الدولارات!