موسم الجلامة في ليبيا: أصالة متجددة وثروة اقتصادية واعدة

انطلقت فعاليات موسم الجلامة في مختلف أنحاء ليبيا، مجسدةً مزيجًا من عبق التقاليد العريقة وفرص الاستثمار الاقتصادي، في وقت تسعى فيه البلاد إلى تنمية مواردها المحلية وتعزيز قدراتها الإنتاجية.
ويشهد موسم قص صوف الأغنام، المعروف محلياً باسم "الجلامة" أو "عرس الغنم"، نشاطاً ملحوظاً في مدن الشرق والغرب والجنوب الليبي، متزامناً مع نهاية فصل الربيع وبداية موسم الحصاد واقتراب عيد الأضحى المبارك.
تراث ثقافي نابض بالحياة
يحمل موسم الجلامة طابعاً اجتماعياً مميزاً، حيث يصاحبه ترديد الأشعار الشعبية وأداء "غناوي العلم" ذات الطابع الوطني والعاطفي، إلى جانب إعداد الأطعمة والمشروبات التقليدية، مما يحوّل المناسبة إلى ما يشبه الأعراس الشعبية المصغرة، التي تعزز التلاحم الاجتماعي رغم التحديات والانقسامات السياسية.
ولم يغفل الفنانون التشكيليون عن تخليد هذه التقاليد، حيث برز الفنان محمد البرناوي في تصوير مشهد الجلامة ضمن إحدى لوحاته الزيتية الشهيرة.
رافد اقتصادي متجدد
يتجاوز موسم الجلامة كونه موروثاً ثقافياً، ليشكّل كذلك فرصة اقتصادية مهمة، إذ يوفر مئات فرص العمل الموسمية للشباب في المناطق الريفية.
ومنذ السبعينيات، أولت الدولة الليبية اهتماماً كبيراً بصناعة الصوف، فأنشأت مصانع متخصصة مثل الشركة العامة للغزل والنسيج في المرج، التي بلغ إنتاجها نحو 900 ألف وحدة سنوياً حتى آخر إحصاء رسمي عام 2012، إضافة إلى مجمع المصنوعات الصوفية في بني وليد بقدرة إنتاجية تتجاوز مليوني متر مربع سنوياً.
ويُستخدم الصوف الليبي في صناعة السجاد والوسائد والأقمشة، مما يساهم في دعم الصناعات المحلية وتحقيق عوائد اقتصادية معتبرة.
قطاع استراتيجي في الاقتصاد الوطني
تشكل تربية الأغنام إحدى ركائز الاقتصاد الليبي، سواء عبر توفير اللحوم أو الصوف، مما يعزز الأمن الغذائي والصناعي معاً.
وبحسب إحصائية عام 2024، بلغ عدد رؤوس الأغنام في ليبيا نحو 8.7 مليون رأس، محتلةً بذلك المرتبة التاسعة عربياً بنسبة 0.59% من التعداد العالمي.
في المقابل، تستمر كل من الصين والهند وأستراليا في قيادة الإنتاج العالمي بأكثر من 20% من إجمالي عدد رؤوس الأغنام حول العالم.
ومع استمرار فعاليات موسم الجلامة هذا العام، يتطلع مربو الأغنام والعاملون في القطاع إلى أن تسهم هذه التقاليد المتجذرة في تنشيط الاقتصاد المحلي، والحفاظ على إرث ثقافي أصيل يشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية الليبية.