أزمة جديدة في ليبيا بديوان المحاسبة.. وسط رفض محلي ودولي

في خطوة عمّقت الانقسام السياسي في ليبيا، أعلن محمد تكالة، رئيس ما يُعرف بالمجلس الأعلى للدولة -المتنازع على رئاسته مع خالد المشري- تكليف أحمد عون رئيساً مؤقتاً لديوان المحاسبة، إحدى أهم المؤسسات الرقابية في البلاد.
القرار الذي وصفه مراقبون بـ"الاستفزازي"، أثار موجة رفض واسعة من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري، إضافة إلى تأكيدات دولية على دعم رئيس الديوان الحالي خالد شكشك.
تكليف مثير للجدل
وأصدر تكالة بيانًا أعلن فيه تعيين عون خلفًا لوكيل الديوان عطية الله السعيطي، على أن يتولى مهامه مؤقتًا لحين التوافق مع مجلس النواب حول تعيين دائم. لكن القرار قوبل برفض سريع من رئاسة مجلس الدولة الحالية، التي وصفته بأنه "باطل مشيرة إلى أن الإجراءات الأحادية من هذا النوع تهدد وحدة المؤسسات السيادية، وتُخالف نصوص الاتفاق السياسي، لا سيما المادة رقم (15) التي تنص على ضرورة التوافق بين مجلسي النواب والدولة في تعيين شاغلي المناصب السيادية.
الأزمة
وفي نهاية مارس/آذار الماضي بدأت الأزمة حين اتخذت حكومة الوحدة الوطنية -مقرها طرابلس- قرارا بعزل رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك من منصبه فيما طالب البرلمان بالالتزام بالاتفاق السياسي الذي ينص على أن هذا المنصب من المناصب السيادية التي لا يبت فيها إلا بقرار البرلمان ومجلس الدولة.
واستدعى هذا النزاع تدخلاً دولياً، حيث دعت خمس دول غربية إلى دعم استقلالية الديوان وإبعاده عن التجاذبات السياسية.
"النواب" يرفض.. والشرعية موضع نزاع
من جانبه، أكد رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح أن قرار تكالة "مخالف للقانون والاتفاق السياسي"، مشددًا على أن صلاحية تعيين رئيس ديوان المحاسبة تعود لمجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة، وليس لأحد الطرفين منفردًا.
وأضاف عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، مفتاح أكويدير، أن تكالة "ليس سوى عضو منشق في مجلس الدولة، وانتحاله صفة الرئيس يجعله غير ذي أهلية لاتخاذ أي قرارات"، معتبرًا أن خالد شكشك سيبقى في منصبه إلى حين التوافق على بديل شرعي.
- 200 مليار دولار.. فضيحة فساد تضرب ملف أموال ليبيا المجمدة بالخارج
- ليبيا تطرح 22 موقعا نفطيا جديدا بعد توقف 17 عاما
شرعية "تكالة" في مجلس الدولة
يذكر أن هناك طعن من قبل خالد المشري المنافس لمحمد تكالة على رئاسة مجلس الدولة بعد انتخابات المجلس في أغسطس 2024 وصفها المشري بأنها غير قانونية وغير مكتملة النصاب.
دعم دولي لشكشك
في ظل هذا التصعيد، بدا الموقف الدولي حاسمًا، حيث أكدت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في بيان مشترك أهمية ديوان المحاسبة في حماية المال العام، داعية إلى احترام استقلاليته والابتعاد عن تسييسه.
وجاء هذا بعد لقاء جمع خالد شكشك، بصفته رئيسًا للديوان، بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية لدى ليبيا، جيريمي برنت، حيث ناقشا التعاون الفني مع مكتب المراجعة الأمريكي، في رسالة ضمنية تعكس اعترافًا دوليًا مستمرًا بشرعية شكشك.
مؤسسة سيادية في قلب الصراع
وتُعدّ هذه الأزمة أحدث فصول الصراع على الشرعيات في ليبيا، حيث تحوّلت المؤسسات السيادية إلى ساحة للتجاذبات بين الفرقاء السياسيين. ويخشى مراقبون أن يؤدي التنازع على رئاسة ديوان المحاسبة إلى شلل رقابي ومالي في وقت تتزايد فيه الاتهامات بالفساد وسوء الإدارة.
ويُثير توقيت الخطوة تساؤلات حول أهدافها الحقيقية، خاصة أنها تأتي في ظل تعثر المسارات السياسية الرامية إلى توحيد المؤسسات، وتعزيز الشفافية والمحاسبة، وسط غموض يلف مصير الانتخابات المؤجلة منذ أكثر من عامين.