بدبلوماسية «البارجة».. واشنطن تجدف في مياه ليبيا الراكدة

ليست بيانا رسميا أو لقاء سياسيا تقليديا، بل بارجة حربية.. هكذا تطفو "دبلوماسية" البوارج" على سواحل ليبيا
وأمس الأحد، رست البارجة الحربية الأمريكية "يو إس إس ماونت ويتني" في ميناءي طرابلس وبنغازي الليبيتين، وعلى متنها وفد رفيع المستوى من المسؤولين الأمريكيين،
وضم الوفد قائد الأسطول السادس للبحرية الأمريكية، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى جانب القائم بأعمال السفارة الأمريكية جيريمي برنت، ومسؤولين آخرين.
حضورٌ يثير تساؤلات كثيرة حول توقيته وما الذي تريده واشنطن من ليبيا، وهل نحن أمام تحرك جاد لحل الأزمة، أم مجرد عرض للقوة في لحظة إقليمية حساسة؟
تواصل مع الجميع... من فوق بارجة
الوفد الأمريكي التقى كبار المسؤولين في الحكومتين المتوازيتين في الغرب والشرق، من العسكريين والسياسيين على حد سواء.
ففي طرابلس، شملت اللقاءات رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، وعضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، إلى جانب مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية.
وفي بنغازي، التقى الوفد قيادات الجيش وممثلين عن الحكومة المكلفة من البرلمان.
وقالت السفارة الأمريكية بليبيا في بيان لها على "إكس"، إن اللقاءات بحثت سبل التعاون الأمني بين الولايات المتحدة و ليبيا، وتعزيز الأمن الإقليمي، والتأكيد على دعم الولايات المتحدة لوحدة هذا البلد.
وأكدت واشنطن عبر سفارتها، التزامها بشراكة قوية مع الشعب الليبي في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، دعما للاستقرار والازدهار في ليبيا.
رسائل سياسية
يقول المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ إن الزيارة "محاولة أمريكية لإعادة تحريك الملف الليبي الذي ظل مجمدا لسنوات وسط انشغال العالم بملفات أكثر سخونة، مثل أوكرانيا، غزة، ولبنان".
ويشير إلى أن ليبيا باتت اليوم جزءا من أوراق التفاوض غير المباشر بين واشنطن وموسكو، خصوصا في ظل الوجود العسكري الروسي في الشرق الليبي، وغياب أي أفق لحل اقتصادي أو سياسي شامل داخل البلاد.
وبحسب محفوظ، فإن التحرك الأمريكي يحمل مسارين متوازيين:
الأول: توحيد السلطة التنفيذية، في ضوء المساعي الأممية المنتظرة نهاية الشهر
الثاني: تشكيل لجنة عسكرية مشتركة بين الشرق والغرب (3+3) لتوحيد المؤسسة العسكرية، كخطوة أساسية نحو الاستقرار.
عرض قوة؟
من جانبه، يعتبر الباحث الليبي جلال حرشاوي أن الزيارة تحمل "طابعًا استعراضيا، لكنها لا ترتكز بعد على خطة ضغط فعالة".
ولفت إلى أن "المطالب المتكررة بتوحيد الحكومة وإجراء الانتخابات لم تعد كافية، ما لم تقترن بأدوات فعلية لتغيير حسابات الأطراف على الأرض".
وأضاف في حديثه مع "العين الإخبارية"، أن "تحليق الطائرات الأمريكية فوق سرت، أو رسو بارجة حربية في طرابلس، يحمل دلالة رمزية، لكنه لا يشكل ضغطا حقيقيا على الفاعلين المحليين، ولا على الشراكة الروسية-البيلاروسية المتنامية في ليبيا".
تصفير الأزمات
أما المحلل العسكري محمد الترهوني، فيقرأ في الزيارة "تحولًا في طريقة تعامل واشنطن مع الملف الليبي. ويشير إلى أن الإدارة الأمريكية ربما أدركت أن الأزمة الليبية لم تعد قابلة للإدارة من بعيد، وأن بقاء الوضع على حاله يُهدد استقرار المنطقة بأكملها، خاصة في ظل الفوضى الأمنية وتعدد المليشيات".
وفي حديثه مع "العين الإخبارية"، قال الترهوني، إن "الولايات المتحدة تسعى حاليًا لرسم خارطة طريق جديدة، تقوم على تصفير الأزمات، لا إدارتها، من خلال تحديد من هي الأطراف الجادة في الحل، ومن هي الجهات التي تعرقل أي تقدم سياسي".
هل تتحرك أمريكا فعلاً نحو حل الأزمة؟
حتى الآن، لم تعلن واشنطن عن مبادرة صريحة أو خارطة طريق مفصلة. لكن توقيت الزيارة، وحجم التمثيل الدبلوماسي والعسكري، يشيران إلى اهتمام متزايد، قد يتبلور في الأسابيع المقبلة، خاصة مع قرب صدور تقرير اللجنة الاستشارية التابعة للأمم المتحدة. بحسب مراقبين.
ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا هل تسعى الولايات المتحدة فعلاً إلى حل جذري للأزمة الليبية، أم أنها مجرد تحرك تكتيكي، مرتبط بسياقات إقليمية ودولية أوسع؟
ويشير مراقبون إلى أن الإجابة، كما يبدو، ستتوقف على مدى استعداد واشنطن لاستخدام أدوات تأثير حقيقية، تتجاوز الرمزية إلى التأثير الفعلي في مسار الأزمة
aXA6IDMuMTM4LjExNy4xMSA= جزيرة ام اند امز