الفيلم السري لـ"جيمس بوند" .. كتبه أحد أبطاله ولم يرَ النور بعد
أحد أفلام السلسلة الشهيرة حمل اسم" الرأس الحربي" وكتبه أحد أشهلا أبطال أفلام "جيميس بوند" .. فمن هو؟
"اسمي بوند .. جيمس بوند" الجملة الأشهر في تاريخ السينما العالمية التي تتردد على لسان "العميل 007" في سلسلة أفلام الجاسوسية على مدار 57 عاما وتبارى في تجسيدها عدد كبير من نجوم السينما كان أولهم الممثل الاسكوتلندي شون كونري.. لكن هل تعلم أنه ألّف أحد أفلام هذه السلسلة عن أسماك قرش تحمل قنابل نووية بعنوان "الرأس الحربي" ولم يرَ النور حتى الآن؟
شون كونري الذي تم الإعلان عن اختياره لدور "جيمس بوند" في الثالث من نوفمبر عام 1961، لتجسيد دور عميل المخابرات البريطانية السري «جيمس بوند» فعل الكثير من الأعاجيب؛ وفقا لموقع "بي بي سي عربي" فمن التغلب على أشعة الليزر على متن محطة فضائية، إلى قيادة سيارة خفية على مسطحات هائلة من الثلوج، لكننا لا نذكر أنه نجح يوما في نزع فتيل سمكة قرش آلية تحمل قنبلة ذرية وسط قنوات صرف صحي في مانهاتن.
كاد بوند أن يفعل ذلك حين كانت قصة أحد أفلامه عام 1976 تدور حول مجموعة من أسماك القرش الآلية النووية المتحكم بها عن بعد.. وكانت القصة من بنات أفكار ثلاثة مؤلفين أحدهم أشهر من اقترن اسمه بسلسلة "العميل 007" وهو شون كونري.
كان أحد كتاب السيناريو هو كيفين ماكلوري، الذي تعرف بمؤلف روايات بوند، إيان فلمينغ، في عام 1958، قبل أن تتحول أي منها إلى أفلام سينمائية.. انطبق الكثير من صفات بوند على ماكلوري كما انطبقت على فلمينغ، فبينما جاب فلمينغ، الضابط السابق بالاستخبارات البحرية البريطانية، بقاع الأرض متذوقا التبغ والنبيذ الفاخر، عُرف عن الأيرلندي ماكلوري وسامته ورفقته للحسناوات، حيث كان يوما خطيبا لإليزابيث تايلور، فضلا عن عمله بالبحرية البريطانية.
وألّف ماكلوري وأنتج وأخرج فيلما بعنوان "الصبي والجسر"؛ ولذا حين طلب من فلمينغ إخراج أول فيلم من أفلام المجموعة، شعر الكاتب أنه أفضل من يتولى تلك المهمة.. يروى ماكلوري، بدلا من تحويل إحدى روايات فلمينغ إلى فيلم، أن يؤلف قصة جديدة بمساعدة كاتب سيناريو معروف، هو جاك وتينغهام. وقد خرج المؤلفون بتصورات عدة كان بعضها أفضل من الآخر. من تلك الأفكار تخفي بوند كمؤدٍ بأحد الملاهي الليلية بعد أن تعلم التمثيل على أيدي نويل كاورد ولورنس أوليفييه. ومن رحمة الأقدار أن تلك الفكرة لم تحظ بالقبول.
وبدلا من ذلك، ارتأوا أن عصابة دولية تدعى "سبكتر"، والتي لم يرد ذكرها في أي من روايات بوند المنشورة، جندت ضابطا يدعى "لارغو" لسرقة صاروخين نوويين لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ليتعقبه بوند حتى جزر الباهاما قبل أن يتمكن الأول من إطلاقهما. أعجبت الفكرة فلمينغ، وإن لم يرق له عنوان "خط الطول 78 غرب"، فاستبدله بعنوانه "كرة الرعد".
وبدا أن الفيلم في طريقه للإنتاج، ربما بإخراج ألفريد هيتشكوك، وتمثيل ريتشارد بيرتون لدور العميل السري المولع بالمارتيني؛ حتى بدأ فلمينغ يتشكك في قدرة ماكلوري على إنتاج فيلم جاسوسي ناجح، فآثر استخدام سيناريو "كرة الرعد" كأساس لروايته المقبلة، دون أن يستشر الرجلين اللذين أسهما بالقدر الأكبر من القصة.
وقد حدا ذلك بماكلوري لمقاضاة فلمينغ. ولاحقا صدر حكم بأن تقر أي طبعات لاحقة من رواية "كرة الرعد" بمساهمة ماكلوري ووتينغهام، وأن يحتفظ ماكلوري بنصيبه من الحقوق السينمائية والتلفزيونية للقصة.
وبينما كانت المحاكم تنظر القضية، بدأ منتجان هما ألبرت بروكلي وهاري سالزمان سلستهما من أفلام بوند التي يلعب فيها كونري دور البطولة. وأنتجت شركتهما (إيون) فيلم "دكتور نو" عام 1962 وأتبعته بـ"من روسيا مع حبي"، و"غولدن فينغر".
أراد المنتجان أن تكون "كرة الرعد" هي رواية فيلمهما الرابع من أفلام بوند، فأبرما اتفاقا مع ماكلوري يضاف بمقتضاه لقائمة منتجي الفيلم ويحق له إعادة إنتاجه بعد 10 سنوات. وربما ظنا أن بوند سيكون قد اختفى من ساحة الأفلام أو يكون ماكلوري قد انشغل بغيره خلال تلك المدة.
لكن أخطأ بروكلي وسالزمان التقدير. وبعد إنتاج الفيلم أول مرة عام 1965، أعلن ماكلوري في 1975 عن إعادة إنتاجه دون الحاجة إليهما، بل واختار عنوانا يؤكد على أحقيته سينمائيا في شخصية "جيمس بوند عميل المخابرات".
وكما لو كان ذلك ليس كافيا، فقد أغاظ منافسيه باختيار صديقين سابقين لهما للمشاركة في كتابة سيناريو الفيلم: أولهما لين دايتون، وثلاثة من رواياته مثلها مايكل كاين وأنتجها سالزمان وهي "ملف إيبكرس"، و"جنازة في برلين"، و"عقل بمليار دولار"؛ والثاني شون كونري، بعد أن تخلى عن مسدسه الشهير وشعره المستعار عقب تمثيله دور بوند آخر مرة في فيلم "الماس للأبد" عام 1971.
ولم يسبق أن شارك كونري في كتابة سيناريو، ولم يكررها، ولكن ماكلوري أراد "أن يقرن اسم كونري بمشروعه الخاص ببوند أيا كان السبيل"، كما سرد روبرت سيلرز في كتابه "معركة بوند"، كاشفا تفاصيل الصراع بين فلمينغ وماكلوري وشركة إيون من وراء كواليس المحاكم.
وبغض النظر عن مدى إسهام كونري في هذا السيناريو، فقد أثار اهتمام شركة باراماونت فأرادت إنتاج الفيلم، بعنوان "الرأس الحربي"، والذي لا يخلو من إثارة، فرغم أن كُتابه الثلاثة ساروا على الخطوط العريضة لـ"كرة الرعد" إلا أنهم أضافوا الجديد مستعينين أحيانا بمشاهد ساخرة على غرار أفلام أوستن باورز.
من هذه مشهد مازح مدهش يمارس خلاله بوند الجنس مع من يتضح أنها عميلة من عملاء "سبكتر" بينما تختبئ عاملة نظافة (عميلة أخرى لـ"سبكتر") تحت السرير. وفورا يقتحم رجلان شقة بوند بمنطقة راقية بلندن، ليلكمهما ويركلهما في أماكن حساسة قبل أن يدرك أنهما ضمن فريقه. ولاحقا يتم إبلاغه بمقر المخابرات البريطانية العامة أن "كرامة الرجلين قد جرحت".
ومن الاختلافات الأخرى بين "كرة الرعد" و"الرأس الحربي" مشهد الذروة الجنوني الممتع الذي يدور في نيويورك حيث يصارع بوند أسماك قرش آلية في مياه الصرف الصحي ثم يطير شراعيا لهامة تمثال الحرية ليخوض عراكا داميا مع أشقياء سبكتر، بينما "تنهمر الدماء زخات على وجنة تمثال الحرية كالدموع" بحسب السيناريو.
والمدهش كم القواسم المشتركة بين سيناريو "الرأس الحربي" وفيلم جيمس بوند الذي كانت شركة إيون تهم بإنتاجه في نفس الوقت؛ وهو فيلم "الجاسوسة التي أحبتني".
ففي هذا الفيلم الذي أدى فيه روجر مور شخصية جيمس بوند، يشبه وكر الشرير في أعماق المياه الوكر الوارد في سيناريو دايتون بحيث يصعب تصديق أنها مجرد مصادفة إذ "يصعد من مياه المحيط هيكل عملاق أبيض أنبوبي الشكل يشبه سفينة فضاء"، بحسب سرد السيناريو.
كذلك معركة بوند الأخيرة على متن كبسولة الهروب الفاخرة نجدها أيضا في سيناريو "الرأس الحربي". وبأخذ أسماك القرش والأسلحة النووية المسروقة في الاعتبار لابد أن المرء سيرفع حاجبيه مع روجر مور دهشة لأوجه الشبه الكثيرة بين "الرأس الحربي" و"الجاسوسة التي أحبتني".
وبدلا من رفع الحواجب استصدر ماكلوري أمرا قضائيا بوقف فيلم شركة إيون، ولكن الشركة كانت سبقت باستصدار أمر قضائي ضد فيلمه، وتبادل الخصمان الاتهامات بسرقة محتواهما الفني. وخشية الوقوع في مرمى النيران القانونية، انسحب كونري وكذلك باراماونت من المشروع، وانتهى المقام بـ"الجاسوسة التي أحبتني" على الشاشة، بينما لم ير "الرأس الحربي" النور. ومع ذلك لم يستسلم ماكلوري، ففي عام 1983 أنتج بمشاركة جاك شوارزمان فيلما بعنوان "لا تقل أبدا" جاء كنسخة باهتة لـ"كرة الرعد"، وحاول خلال التسعينيات الترويج لنسخة ثالثة بعنوان "الرأس الحربي 2000"، ولكن الناس أصبحوا أكثر اعتيادا على سلسلة أفلام بوند من إنتاج شركة إيون الناجحة بالفعل ولم يستسيغوا تجربة سلسلة بديلة.
ولا يسع المرء سوى الشعور بالتعاطف مع ماكلوري، خاصة مع مشاهدة "الجاسوسة التي أحبتني" ذاك الفيلم المازح المليء بالتقنيات البحرية القريب الشبه جدا من الفكرة التي ارتآها هو ودايتون وكونري - فحتى أغنية مقدمة الفيلم تجعلنا نعتقد أن غرماءه بشركة إيون قصدوا بكلماتها تحديه والاستهزاء به بالقول "لا أحد يفعلها أفضل".
aXA6IDMuMTQxLjI5LjkwIA== جزيرة ام اند امز