الدول المعتمدة على سلاح الاقتصاد في إثبات وجودها وضمان استمراريتها لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تحدٍّ يمكن أن يمس تلك المصالح
العلاقات السعودية - اليابانية قديمة جداً إذ بدأت منذ الاتصالات الرسمية بين دولة اليابان والمملكة السعودية عام 1938 عندما قام المبعوث السعودي لدى إنجلترا آنذاك حافظ وهبة بزيارة اليابان لحضور افتتاح مسجد طوكيو.
أما على المستوى الاقتصادي فقد تمثلت بإرسال أول وفد اقتصادي ياباني للمملكة عام 1953، وفيما يخص العلاقات الدبلوماسية فإنها قامت بشكل رسمي بين البلدين عام 1955 وتوالت بعدها الزيارات المتبادلة للشخصيات المهمة، ومن أبرز تطوراتها صياغة "الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين" على يد الملك فهد بن عبدالعزيز ورئيس الوزراء الياباني ريوتارو هاشيموتو عام 1997.
كانت اليابان قبل تلك العقوبات من أبرز مشتري النفط الإيراني فصار البحث عن البديل واجباً لاستمرار عجلة اليابان في السير قدماً ولا بديل يمكنه تغطية تلك الحاجة كالمملكة ودول الخليج العربي
على ضوء هذا التاريخ من العلاقات الاستراتيجية القائمة بين الرياض وطوكيو تأتي زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للمملكة العربية السعودية على أنها روتينية، ولكن المستجدات على الساحة الدولية والمنطقة العربية والتخوف من صراع لا يحمد عقباه تجعل هذه الزيارة وغيرها من الزيارات تُقرأ من زوايا أخرى، وإن بدت على أنها بعيدة فإنها قد تكون في الحقيقة هي الأقرب التي يمكن تناولها وبصرف النظر عن الأسباب الاستراتيجية والسياسية الوطيدة من جانبين؛ الأول اقتصادي والآخر أمني.
أولاً الجانب الاقتصادي: منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية توجهت اليابان إلى سياسة القوة التكنولوجية والاقتصادية والمملكة العربية السعودية قوة اقتصادية لا يستهان بها على مستوى العالم بما تمتلكه من مقدرات ومواد أولية، لا سيما النفط، الأمر الذي يدفع بدولة مثل المملكة إلى الاستفادة من القوة التكنولوجية الأولى في العالم وهي اليابان التي مهما تطورت تقنياتها وتوسعها العلمي والرقمي تظل بحاجة للمواد الخام وعلى رأسها "الطاقة"، كما تحتاج للسوق المستهلكة لتلك المنتجات، وهذا ما يحقق التكامل الاقتصادي، وبخاصة إذا علمنا أن المملكة العربية السعودية تأتي ضمن أهم عشرة شركاء تجاريين لليابان، وبذلك تكون بالنسبة لليابان من أهم الدول التي تربطها علاقات استراتيجية، كون الاقتصاد لا ينبني إلا على استقرار العلاقات، وإلا لما كانت المملكة تحتل المرتبة الأولى في تزويد اليابان بالنفط، وهو ما تستورده اليابان بشراهة نتيجة القوة الاقتصادية والعلمية التي تحتلها، ولكن هذه الموارد لا تفي بحاجة اليابان، إذا علمنا أن اليابان اليوم قد توقفت عن استيراد النفط الإيراني امتثالاً للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، وقد كانت اليابان قبل تلك العقوبات من أبرز مشتري النفط الإيراني، فصار البحث عن البديل واجباً لاستمرار عجلة اليابان في السير قدماً، ولا بديل يمكنه تغطية تلك الحاجة كالمملكة ودول الخليج العربي.
ثانياً الهاجس الأمني: الدول المعتمدة على سلاح الاقتصاد في إثبات وجودها وضمان استمراريتها لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تحدٍّ يمكن أن يمس تلك المصالح، لأنها بمثابة إعلان الحرب بالنسبة لها، وتعد منطقة الخليج العربي الذي ينسجم والرؤى السعودية شريان الاقتصاد في الشرق الأوسط بمنافذه البحرية ووساطته التجارية بحكم العلاقات الواسعة على مستوى العالم أجمع أهمية جعلت من الحفاظ والمساهمة في ضمان استقرار دول مجلس التعاون الخليجي مسؤولية دولية لا محلية، ولذلك نجد أن اليابان وبأمر من الحكومة اليابانية قد صرحت بإرسال مدمرة وطائرات للقيام بدوريات إلى الشرق الأوسط للمساندة في تأمين المرور للسفن التجارية اليابانية في المسارات البحرية في المنطقة والتأكيد على أن سلام المنطقة مطلب عالمي ودولي لا يقتصر على دول الخليج العربي فحسب.
وفي نهاية المطاف لا يمكننا تجاهل تفاصيل الزيارة بدءاً من الاستقبال واحتفاء المملكة بضيفها إلى اصطحاب سمو ولي العهد "الأمير محمد بن سلمان" ضيوفه إلى الصحراء وإلباسهم الزي التقليدي وإصرار سموه على الجلوس في الخيمة العربية، في إشارة إلى الآفاق الممكنة من التعاون والاستثمار والانسجام في الرؤى السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بين البلدين التي إن تحققت فإنها لا تستثني عربياً كما الخيمة التي جلسوا بين أروقتها لم تستثن عربياً من دفئها وظلها وأمانها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة