اليابان تصفق لـ"فريج" محمد سعيد حارب.. فليصفق له العالم
"فريج" يعد أول مسلسل تلفزيوني ثلاثي الأبعاد ينتج في الشرق الأوسط، لكن إنجازه الحقيقي سيكون مطلع يناير حين يبدأ عرضه في اليابان.
يُروى عن عراب النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي سيد درويش قوله إن "من صفقت له حلب صفقت له العرب"، في اعتراف منه أن المغني لا يمكن أن يصبح مغنياً إلا إذا أعجب بصوته أهل حلب، المعروفون بباعهم الطويل في الطرب وفن المقامات ودقة الاستماع الموسيقي وحساسيته.
ولعلي أقتبس من هذا الكلام للمجدد الموسيقي المصري الكبير، لأقول "من صفقت اليابان لإنتاجه من الرسوم المتحركة صفق له العالم"، تعليقاً على دبلجة اليابان مسلسل الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد الإماراتي "فريج"، تمهيداً لعرض حلقات أسبوعية منه على قناة "طوكيو إم إكس" اليابانية، التي تحظى بمتابعة أكثر من 15 مليون مشاهد.
يُعرف "فريج" بوصفه أول مسلسل تلفزيوني ثلاثي الأبعاد ينتج في الشرق الأوسط، لكن إنجازه الحقيقي سيكون مطلع يناير/كانون الثاني المقبل حين يبدأ عرضه في اليابان، المهد الأول لصناعة الرسوم المتحركة في العالم، والتي يعود أقدم مثال حي على إنتاجها من الرسوم المتحركة اليابانية إلى عام 1917، ويعيد البعض هذا التاريخ إلى عام 1907.
ولعل في النجاح الجماهيري لـ"فريج" في بلد المئة عام من صناعة الكرتون ما يمنح لقب "العالمية" بجدارة لمبدعه محمد سعيد حارب، لقد كان المسلسل حلماً راوده منذ كان طالباً في جامعة نورث إيسترن في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، حلم انتظر نحو 8 سنوات قبل أن يبصر النور لأول مرة في سبتمبر/أيلول 2006 على قناة "سما دبي"، حيث نال احتفاء جماهيرياً ونقدياً عربياً عالياً، واليوم بعرضه في اليابان ينال "فريج" التقدير العالمي من أصحاب إرث الصناعة أنفسهم، ولعله بذلك يلهم جميع المبدعين العرب، بأنهم أقرب مما يعتقدون من أحلامهم العالمية، إذا عرفوا فك رموز أسرارها كما عرفها "فريج".
يؤكد الاختراق الذي حققه "فريج" في بلد عرّاب الإنتاج الكرتوني أن إغراق الفن في محليته هو أقصر الطرق إلى العالمية، شريطة أن يقدم طرحاً إنسانياً تلتقي عنده البشرية جمعاء، وأن تمتلك القراءات التخيلية والمشهدية والقدرة على مغازلة المشاهد، أينما كان وبأي لغة تحدث، ليضع تصوراته الخاصة عنها، وبمقدار ما كانت تلك التصورات تمسه، بمقدار ما بدت تنطق بعقله ولسانه حتى لو جاءت بهوية شعبية مغايرة وثقافة أخرى، وهو الأمر الذي حققه "فريج" بجدارة، ونشرحه بالتالي:
يتناول المسلسل الإماراتي يوميات 4 مواطنات عجائز يعشن في حي منعزل في مدينة دبي العصرية، هن (أم سعيد، أم سلّوم، أم علاوي، أم خمّاس)، ونتابع محاولتهن العيش بهدوء وسكينة في خضم صخب حياة المدينة التي لا تنفك تتطور بسرعة فائقة، وهو التطور الذي سيثير بدوره في كل حلقة قضية اجتماعية جديدة، تحاول السيدات تحديدها ومعالجتها ومحاولة حلها بطرقهن البسيطة والخاصة، بعد أن يتجمعن حول فنجان قهوة عربية في منزل الجدة أم سعيد.
جوهر الطرح الدرامي هنا يقوم على 4 نساء كبيرات السن يواجهن تحديات الحياة العصرية، وتلك فكرة عالمية لا يمكن حصرها ببلد بعينه، ولو أن مشاهداً ثانياً غير إماراتي وليكن في اليابان أو أي بلد أوروبي، على سبيل المثال، تابع تلك المشاهد، لوضع تصوراته الخاصة عن ذلك الطرح بناء على مرجعياته الحياتية ومعارفه الثقافية وتجاربه اليومية الخاصة.
ولكن رغم ذلك تبقى حكاية "فريج" نابعة من صميم المجتمع الخليجي، تحتفي بهويتها الوطنية الثقافية، ولعل الخصوصية التي تحملها من عادات وتقاليد وأزياء وعمارة محلية وحكايات من شأنها أن تجذب أي مشاهد غريب، وتثير فيه التشويق للتعرف على عوالمها، وهذا ما فعله بالضبط مبتكر "فريج" محمد سعيد حارب.
يشير حارب في حوار مع (إيكومونيست) البريطانية إلى أنه لم يناقش في المسلسل القضايا الحالية، وهو الأمر الذي يبرره بقوله "أريد شيئاً يعيش، ولجعله يعيش إلى الأبد يجب أن تتحدث عن المواضيع التي يمكن أن تصمد أمام مرور الوقت".
تسأله (إيكومونيست) كيف ولدت فكرة الجدات في "فريج"، فيجيب أنه في إحدى الفصول الدراسية في جامعة نورث إيسترن في بوسطن، طلب أستاذه من الطلاب تصميم بطل خارق "من ثقافتهم الشعبية، فاختار هو النساء الإماراتيات من الأجيال السابقة كأبطال، كونهن عملن في مناخ صعب، في ظل غياب رجالهن عدة أشهر للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، فكن في هذا الوقت يتولين مهمة العمل وإدارة شؤون البيت وتربية الأولاد وتعليمهم، لذلك اعتبرهن محمد أبطالاً خارقات، وعلى صعيد الشكل رأى حارب أن الجدة الإماراتية كانت تبدو فريدة من نوعها للغاية، بفضل القناع الذي كانت ترتديه، وتأثير هذا الإلهام للجدات الإماراتيات ولدت شخصيات "فريج".
كل ذلك يجعل من "فريج" مقترحاً درامياً عالمياً بروح إماراتية، نجح في أن يؤسس لنفسه حضوراً بين الناس ويحجز مكاناً مميزاً على قائمة المشاهدة وسط نجوم دراما رمضان طيلة سنوات عرضه، بل استطاع أن يرسخ التجربة الإماراتية في صناعة الرسوم المتحركة بوصفها الأبرز عربياً.
وبلا شك يحسب للمصريين قصب السبق في إنتاج هذه النوعية من المسلسلات، وكان للحضور السوري البشري في هذه الصناعة العامل البارز، إذ نهض بها كثير من الموهوبين السوريين من رسامين ومصممين وكتاب، وشكلوا الرافد الأساسي لمحطات خاصة ببرامج الأطفال مثل "سبايس تون" و"سبايس باور" وسواهما، ولكن الإماراتيين سرعان ما استلموا زمام المبادرة، فطرحوا نموذج عمل ممنهجا واستراتيجيا مهد لأن يكونوا عرّابي تطوير هذه الصناعة، وها هم اليوم يقودون الريادة في تحقيق اختراق عالمي يتمثل بعرض "فريج" ليكون أول عمل تلفزيوني عربي من نوعه، يعرض خارج الشرق الأوسط.
aXA6IDMuMTQ0LjkzLjM0IA==
جزيرة ام اند امز