اليابان والطاقة النووية.. لا مفر من العودة
وسط أزمة الطاقة العالمية، وفواتير الكهرباء الباهظة، رأت اليابان أن الحاجة باتت ملحة للعودة إلى الطاقة النووية، رغم ذكرياتها الأليمة.
من أراضي محطة أوناغاوا للطاقة النووية، وهي محطة في شمال اليابان، يمكن سماع الأمواج وهي تتصاعد على الشاطئ القريب. إنها بمثابة تذكير بالمأساة التي وقعت في 11 مارس/آذار 2011، عندما تسبب زلزال عملاق في حدوث موجات مد عاتية غمرت الساحل الشرقي لليابان. وبينما تمكنت مفاعلات "أوناغاوا" من الإغلاق بأمان، تعرض مصنع فوكوشيما دايتشي على بعد 180 كيلومترًا أسفل الساحل للانهيار. وبعد الكارثة أغلقت اليابان جميع مفاعلاتها النووية. ومنذ ذلك الحين لم يتم تشغيل سوى عدد قليل للغاية، و"أوناغاوا" من بين المحطات النووية التي لا تزال خاملة.
عودة "أوناغوا" من حالة الخمول التشغيلي
وقد تلقت محطة أوناغاوا النووية مؤخرًا موافقة خاصة بالسلامة من الهيئة التنظيمية المستقلة الجديدة التي تم إنشاؤها في أعقاب الكارثة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الجدار البحري الجديد للمنشأة الذي يبلغ ارتفاعه 29 مترًا.
في عام 2020، أعطى المسؤولون المحليون أيضا موافقتهم على إعادة التشغيل. ويمكن أن تبدأ شركة Tohoku Electric، مشغل المحطة، في توليد الطاقة مرة أخرى بحلول أوائل عام 2024 (بعد الانتهاء من بعض الإصلاحات).
ومؤخرًا، دفعت أزمة الكهرباء وارتفاع تكاليف الموارد، الأفراد في جميع أنحاء اليابان إلى التفكير. هل هناك طريقة أخرى لتزويد كميات كبيرة من الطاقة بطريقة مستقرة؟ لا يوجد بديل. لذلك؛ فيما يتعلق بالصورة الكبيرة، هناك حاجة ملحة اليوم للطاقة النووية؛ وفق ما أوردت مجلة "إيكونوميست" البريطانية.
اليابان.. في وضع غير مستقر طاقويا!
كدولة جزرية ذات موارد طبيعية شحيحة، لطالما كانت اليابان في وضع غير مستقر عندما يتعلق الأمر بالطاقة. أدى الاعتماد الشديد على استيراد النفط إلى تغذية النمو الاقتصادي السريع لليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ثم جاءت بنتائج عكسية خلال أزمة النفط في 1973-1974. وقد دفع ذلك اليابان إلى توسيع أسطولها النووي، وتطوير الغاز الطبيعي المسال (LNG) والقيام بغزوات في التقنيات المتجددة تحت شعار "Sunshine Project".
بحلول عام 2010، برزت الطاقة النووية باعتبارها جوهر سياسة الطاقة اليابانية، حيث يوفر 54 مفاعلًا حوالي 25% من إنتاج الكهرباء.
وتهدف الحكومة إلى توسيع حصة الطاقة النووية والطاقة المائية إلى 70% بحلول عام 2030. وأبطلت أزمة فوكوشيما تلك الخطط، فبدلا من ذلك تم تمرير قوانين جديدة للمساعدة في تحفيز الطاقة الشمسية.
وقد تضاعف نصيب مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 10% عام 2010 إلى أكثر من 20% خلال عام 2022، ومع ذلك قامت اليابان بسد الفجوة بشكل أساسي من خلال التحول إلى الغاز الطبيعي المسال والفحم.
معضلة الاكتفاء الذاتي.. وإحياء الطاقة النووية
فيما أحيت الحرب في أوكرانيا ذكريات أزمة النفط الأولى؛ حيث وجدت اليابان نفسها مرة أخرى معتمدة بشكل كبير على الوقود المستورد في عالم غير مستقر.
استخدمت إدارة حكومة فوميو كيشيدا هذه الصدمة الأخيرة في المقام الأول لتبرير إحياء الطاقة النووية، وتدعو خارطة الطريق الجديدة لسياسة الطاقة إلى "تعظيم استخدام مصادر الطاقة التي تساهم في أمن اليابان وتزيل الكربون بدرجة كبيرة"، بما في ذلك الطاقة النووية والمتجددة.
وقد شكلت الطاقة النووية حوالي 8% من إمدادات الكهرباء العام الماضي، وتتصور الأهداف الحكومية الأخيرة أن الحصة سترتد إلى 22-24% بحلول عام 2030، كما أعلنت الحكومة عن خطط لتمديد العمر التشغيلي للمفاعلات من 40 إلى 60 عامًا وبناء مفاعلات جديدة.
طموح التوسع بمصادر الطاقة المتجددة
كما أن تشغيل محطات نووية جيدة التنظيم من أجل التخلص التدريجي من الفحم أصبحت سياسة سليمة، ولكن هناك خطر من أن يؤدي هذا الدور أيضًا إلى إبطاء أو عكس الزخم الأخير وراء التوسع في مصادر الطاقة المتجددة.
وبحسب معهد سياسات الطاقة المستدامة، وهو مركز فكري في طوكيو، تكمن المشكلة الحقيقية في كيفية تركيب المزيد من ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات طاقة الرياح بقوة وبسرعة، وتولد اليابان اليوم حوالي نصف كمية الكهرباء من مصادر متجددة مثل نظرائها الأوروبيين، الأمر الذي يعد أزمة في حد ذاته.
وبناءً على ذلك، فإن الخطط الأخيرة للتوسع في الطاقة المتجددة أقل طموحا بكثير مما يريده الكثيرون، وتتصور الحكومة زيادة نصيب مصادر الطاقة المتجددة في الكهرباء إلى 36-38% بحلول عام 2030، أي ما يزيد قليلاً عن نصف المستوى الذي يتوقعه الاتحاد الأوروبي، كما تخصص استراتيجية كيشيدا الأموال من أجل ترقية كبيرة لخطوط النقل، بما في ذلك بين جزيرة هوكايدو الشمالية التي تهب عليها الرياح ولكنها قليلة السكان والمراكز السكانية حول طوكيو، لكن الجهود المبذولة لجعل الشبكة تعمل بشكل أكثر مرونة ورشاقة قد توقفت.
بينما قد تكون خطط تنفيذ تسعير الكربون، رغم أنها خطوة مرحب بها، متأخرة بنسبة كبيرة، فضريبة الكربون في اليابان لن تدخل حيز التنفيذ إلا في عام 2028، وعلى مستويات من المحتمل أن تكون منخفضة جدا لإحداث تأثير كبير.
ووفقا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة نيكاي اليابانية التجارية، يؤيد 53% من اليابانيين إعادة تشغيل المفاعلات طالما أنه يمكن ضمان السلامة، وهي المرة الأولى التي تؤيد فيها الغالبية ذلك الأمر منذ أكثر من عقد.
aXA6IDE4LjE4OC4xNzUuNjYg جزيرة ام اند امز