قمم جدة.. الاقتصاد يعيد الشرق الأوسط إلى قلب الأجندة الأمريكية
حقبة جديدة تعتمد ركائزها على تعزيز التعاون وتوحيد الجهود من أجل تجاوز التحديات الراهنة نحو مستقبل مستقر ومزدهر اقتصاديا بكافة المجالات.
هذا ما بدأت "قمة جدة للأمن للتنمية" لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأردن ومصر والعراق والولايات المتحدة، وكذلك الاجتماع الثنائي بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والرئيس الأمريكي جو بايدن، على هامش فعاليات قمة جدة، في التأسيس له وأخذ خطوات فعلية نحو بلوغ تلك الأهداف المستدامة.
تعزيز أمن الطاقة والغذاء.. محاور استراتيجية مشتركة
لقد أسفرت قمة الأمن والتنمية التي عقدت في جدة اليوم عن عدد من النتائج المهمة، لعل أبرزها؛ تأكيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن المملكة ستزيد إنتاجها من النفط إلى 13 مليون برميل يوميًا، لما في ذلك من ضمان لاستقرار وازدهار الاقتصاد العالمي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأسواق الطاقة، وأنه من المهم الاستمرار بضخ الاستثمارات في الطاقة النظيفة.
فيما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال القمة إن الولايات المتحدة ستبقى شريكًا رئيسيًا لدول منطقة الشرق الأوسط وأن أمريكا ستستثمر المليارات من الدولارت في الطاقة النظيفة والبنية التحتية.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حرص دولة الإمارات على تعزيز التعاون بين دول المنطقة والتنسيق مع الشركاء بما يخدم السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي ومواجهة التحديات المشتركة، موضحًا أن سياسة دولة الإمارات في علاقاتها الدولية قائمة على التوازن وتوسيع قاعدة المصالح مع دول العالم لخدمة أهداف التنمية الوطنية والسلام والاستقرار في العالم.
وأضاف، "إنه لا يخفى على أحد حجم التحديات التي نواجهها على مستوى منطقتنا والعالم أجمع.. وهذا يفرض علينا توحيد الجهود الدولية وتعزيزها بما يلبي طموحات شعوبنا إلى التقدم والازدهار".
وبدوره، أكد العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني أن المنطقة تواجه عدة تحديات اقتصادية بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وأنه لابد من النظر في فرص التعاون المشترك والسعي نحو التكامل الإقليمي خاصةً في مجالات الأمن الغذائي والطاقة والنقل والبيئة.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن أزمة الطاقة تتطلب تعاون فعّال لضمان استقرار سوق الطاقة عالمياً وإنه يجب تجديد الالتزام بقواعد القانون الدولي الخاص بالموارد المائية، وإن مصر تدعم كل جهد من شأنه مواجهة أزمتي الغذاء والطاقة.
وبالنسبة لسد النهضة الإثيوبي عبر القادة عن دعمهم للأمن المائي المصري، ولحل دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف ويسهم في سلام وازدهار المنطقة. وأكد القادة ضرورة التوصل لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد في أجل زمني معقول كما نص عليه البيان الرئاسي لرئيس مجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021، ووفقاً للقانون الدولي.
وأضاف العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة أن البحرين تدعم الجهود الرامية لاستقرار أسعار الطاقة وتدعو لزيادة الاستثمارات لتوسعة الاستكشاف والتكرير، وأنه من المهم تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين الدول العربية وأمريكا.
ومن جانبه، اقترح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إنشاء بنك الشرق الأوسط للتنمية والتكامل؛ مؤكدًا حرص العراق على التوصل لاتفاقيات تساهم في ازدهار البلد، وأنه من المهم العمل سويًا من أجل محاربة التغير المناخي، مضيفًا أن العراق يعمل على استثمار الغاز الذي يحرق بحقول النفط وكذلك في مشروعات الطاقة البديلة، كما أكد أن اللقاءات الثلاثية مع الأردن ومصر أنتجت رؤية للتعاون الثلاثي في مجالات مختلفة.
تطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع المشتركة
فيما جدد قادة قمة جدة في بيانها الختامي عزمهم على تطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع المشتركة بين دولهم بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ من خلال تسريع الطموحات البيئية، ودعم الابتكار والشراكات، بما فيها باستخدام نهج الاقتصاد الدائري للكربون وتطوير مصادر متجددة للطاقة. وأشاد القادة في هذا الإطار باتفاقيات الربط الكهربائي بين المملكة العربية السعودية والعراق، وبين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعراق، وبين المملكة العربية السعودية وكل من الأردن ومصر، والربط الكهربائي بين مصر والأردن والعراق.
وقد وقعت هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزارة الكهرباء في جمهورية العراق على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، عقد الربط بين شبكة الربط الخليجي وشبكة كهرباء جنوب جمهورية العراق.
ويشمل العقد قيام هيئة الربط الكهربائي الخليجي بإنشاء خطوط ربط كهربائي من المحطة التابعة للهيئة بدولة الكويت إلى محطة الفاو الواقعة بجنوب جمهورية العراق، لإمداد جنوب العراق بنحو 500 ميجا واط من الطاقة من دول مجلس التعاون عن طريق شبكة الربط الكهربائي الخليجي، بما فيها خطوط الربط الكهربائي الجديدة التي سيتم إنشاؤها والتي سيستغرق العمل فيها قرابة 24 شهرًا، بقدرة نقل إجمالية تصل إلى 1800 ميجا واط.
فيما أشاد القادة بمبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" اللتين أعلنهما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وأعرب القادة عن تطلعهم للمساهمة الإيجابية الفاعلة من الجميع في سبيل نجاح (مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السابع والعشرين) الذي تستضيفه جمهورية مصر العربية، ومؤتمر (الأمم المتحدة للتغير المناخي الثامن والعشرين) الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، و(المعرض الدولي للبستنة 2023) الذي تستضيفه دولة قطر. بعنوان "صحراء خضراء، بيئة أفضل 2023 – 2024".
كما أكد القادة أهمية تحقيق أمن الطاقة، واستقرار أسواق الطاقة، مع العمل على تعزيز الاستثمار في التقنيات والمشاريع التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وإزالة الكربون بما يتوافق مع الالتزامات الوطنية. كما نوه القادة بجهود (أوبك +) الهادفة إلى استقرار أسواق النفط بما يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين ويدعم النمو الاقتصادي، وبقرار (أوبك +) زيادة الإنتاج لشهري يوليو وأغسطس، وأشادوا بالدور القيادي للمملكة العربية السعودية في تحقيق التوافق بين أعضاء (أوبك +).
الإمارات وأمريكا.. وحقبة الشراكة الاستراتيجية التكاملية
فيما تعتزم دولة الإمارات والولايات المتحدة اتخاذ المزيد من التدابير لاستكشاف فرص جديدة من شأنها حفظ المناخ وتعزيز الطاقة النظيفة.
جاء ذلك في بيان أمريكي إماراتي مشترك صدر عقب اجتماع ثنائي عقد في جدّة بالسعودية بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والرئيس الأمريكي جو بايدن.
بدوره، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن دولة الإمارات هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومستثمر مهم في الاقتصاد الأمريكي.
ولفت بايدن إلى أن الشراكة مع دولة الإمارات هي واحدة من أسرع الشراكات الاقتصادية الأمريكية نمواً على مستوى العالم.
ورحب الرئيس بايدن بالمبادرات الاقتصادية لدولة الإمارات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، بما في ذلك اتفاقيات التجارة الحرة الأخيرة الموقعة مع إسرائيل والهند وإندونيسيا. كما رحب باستثمارات دولة الإمارات الجديدة في الأردن ومصر.
وكلّف الجانبان الفرق المعنية لديهما بتحديد مجالات تعميق وتوسيع الشراكات التجارية، إضافة إلى التفاوض على اتفاقية إطار عمل استراتيجي أوسع بين دولة الإمارات والولايات المتحدة.
ونوّه الرئيس الأمريكي بجهود دولة الإمارات لتعزيز سياساتها وآليات تنفيذها في مكافحة الجرائم المالية والتدفقات المالية غير المشروعة.
كما رحب بالتزام دولة الإمارات طويل الأمد بأمن الطاقة العالمي كمورد موثوق ومسؤول ونوّه بدورها الرائد في دفع العمل المناخي وتحول الطاقة وتطوير تقنيات الطاقة النظيفة.
من جهته، وجه رئيس دولة الإمارات الدعوة إلى الرئيس بايدن لحضور مؤتمر الدول الأطراف COP28 المقرر عقده في دولة الإمارات سنة 2023.
وأشار رئيس دولة الإمارات والرئيس الأمريكي إلى أهمية إطلاق تسوية المياه والطاقة الشمسية بين إسرائيل والأردن بدعم واستثمار إماراتي وأمريكي كنموذج للشراكات المستقبلية في المنطقة.
وطلب الجانبان من مبعوثيهما المعنيين بشؤون المناخ، جون كيري والدكتور سلطان الجابر، استكشاف فرص جديدة في مجال المناخ والطاقة النظيفة لدفع النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
كما أشار الجانبان إلى نجاح معرض إكسبو 2020 في دولة الإمارات، والذي عزز دورها بوصفها جهة مستضيفة للفعاليات العالمية التي تعزز الاستدامة والابتكار والحوار.