انتهى أول شهر من 2023 بعملية إرهابية هزت إسرائيل بمقتل 7 من مواطنيها في القدس، حيث وصف الإسرائيليون العملية بأنها الأعنف منذ 10 سنوات، وأدانها المجتمع الدولي، نظرا لمآلاتها السلبية على السلم والأمن الدوليين، واستتبعت تصعيدًا إسرائيليًا ضد الفلسطينيين.
ولفهم ما هو حاصل في الساحة الإسرائيلية، ثمة أسئلة تقتضي منا الإجابة عنها، لعل أبرزها: ما سبب هذه العملية؟ ولماذا جاءت في هذا التوقيت؟ وكيف يمكننا فهم سلوك الفواعل الرئيسيين في هذه الأحداث؟ وكيف يمكن تفادي هذه العمليات في المستقبل؟
عند الحديث عن القدس، فإننا نتحدث عن الضفة الغربية، فهناك ارتباط وثيق بين ما يحصل في مختلف مناطق الضفة مع المستجدات الأمنية، التي تشهدها القدس بين الفينة والأخرى.
هذه بالضبط هي الإجابة الواضحة والصريحة عن سبب ما حدث في القدس، فالمستجدات الأمنية، التي شهدتها مناطق شمال الضفة، متمثلة في جنين ونابلس، طالت تداعياتها القدسَ عبر العملية الإرهابية، التي قام بها الشاب الفلسطيني، خيري علقم، 21 عامًا.
إن مخيم جنين ونابلس، ومن ثم الخليل، تُعدّ من أبرز النقاط التي من السهل أن تلتهب في الضفة، وهذا كان السبب لما حصل في القدس، كرد فعل على السياسات الإسرائيلية، التي كان هدفها استهداف العناصر المتهمة بالإرهاب "إسرائيليًّا" في هذه المناطق عبر مختلف العمليات، ومن بينها عملية "كاسر الأمواج".
الأوضاع الراهنة هي عبارة عن تراكمات كادت أن تصل إلى مرحلة الانفجار، التي من الصعب تداركها حال استمرارها.
وما يُعزز هذا الطرح هو سلوك مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، خلال شهر يناير الماضي، حيث دَعا عدد من أعضاء المجلس لاجتماعَين حول إسرائيل خلال شهر واحد فقط، الأول كان بسبب اقتحام عضو الائتلاف والحكومة الإسرائيلية، إيتمار بن غفير، باحات المسجد الأقصى.. والثاني بسبب التصعيد الإسرائيلي الأخير في جنين، والعمليات المتتالية التي أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى الفلسطينيين، فخلال شهر واحد قُتل أكثر من 30 فلسطينيًّا في الضفة، بمعدل أكثر من قتيل واحد في اليوم.. ولا يمكن أن ننسى التقرير الصادر عن الأمم المتحدة مع نهاية العام الماضي، والذي نوه بأن عام 2022 كان الأكثر دموية في الضفة خلال 16 سنة ماضية.
وبإسقاط هذا التقرير على أول شهر من هذا العام، يمكننا الاستدلال بأن الأمور متجهة إلى التصعيد غير المحمود بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
إن شخصيات اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الحالية استفادت بلا أدنى شك مما حصل في القدس.. وتمثل ذلك عبر تسهيل فرض أجندتهم في الضفة، بدليل تصريح نتنياهو في مستهل الاجتماع الأمني لمجلس الوزراء المصغر، الذي قال فيه إنه سيتم اتخاذ عدد من الإجراءات، من بينها: هدم منازل ذوي المتورطين في العمليات الإرهابية، وترحيلهم، وتسريع إصدار تراخيص السلاح للمدنيين الإسرائيليين وغيرها.
كل هذه الإجراءات لا شك أنها ستؤدي إلى زيادة تعقيد الأوضاع، ولن يكون مُستغربًا انعكاس ذلك على سلسلة من المواجهات، التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الضحايا لدى الطرفين.
يقول الفيلسوف اليوناني سقراط: إن مهمة المرء لا تتمثل في تعليم الناس ما يجب فعله، المهمة تتمثل في جعلهم يفكرون فقط.
هذا ما يمكن إيصاله إلى نتنياهو، الذي تمرّس في ممارسة السياسة في بلاده، مع احترام قواعد اللعبة السياسية والتوازنات الداخلية بين مكونات معسكره.. الأمر المهم، الذي لا بد لنتنياهو أن يفكر فيه، بشكل جاد، هو تغليب فكرة الاستقرار، وذلك عن طريق التعاون مع السلطة الفلسطينية بتقديم التسهيلات، التي من شأنها أن تنعكس إيجابيا على الأوضاع المعيشية للفلسطينيين، والتي بدورها ستخفف من حدة الاستقطاب تجاه الإسرائيليين، فعسكرة المجتمع لن تؤدي إلا إلى تسكين هذه الإشكالية الأمنية مؤقتًا بدلًا من حلها من جذورها الفعلية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة