"مقبرة اليهود" في عدن.. هكذا يتعايش اليمنيون مع الديانات والثقافات
أسفل مجسم بوابة مدينة عدن القديمة، وعلى سفح عقبة كريتر، تربض أشهر مقابر المدينة تاريخيا، بمدخل الشارع الرئيسي لمديرية المعلا.
تلك المقبرة ليست لشهداء الحروب التي مرّت بها مدينة عدن، ولا حتى لأبطال الاستقلال من الاحتلال البريطاني للمدينة، ولكنها مقبرة لليهود، ورغم ذلك، هي المقبرة الأكثر شهرة في عدن.
لا يتعلق موضوع الشهرة بكونها مقبرة لليهود، ولا أنها تقع على مدخل أكبر شوارع عدن، ولكن الأمر متعلق بصفحة تاريخية من ماضي هذه المدينة المتعايشة مع كل الثقافات والديانات والأعراق.
فما قصة هذه المقبرة، وما تاريخها وتاريخ الوجود اليهودي بالمدينة، وكيف باتت منذ أكثر من مائتي عام، وحتى اليوم، أشهر مقبرة في عدن؟
التواجد اليهودي بعدن
تُرجع المصادر التاريخية تواجد الديانة اليهودية في عدن إلى عام 200 بعد الميلاد، غير أنه لا توجد أي دلائل أو براهين تؤكد أو تنفي هذه المعلومة، رغم أن اليهود الذين كانوا متواجدين في عدن حريصون على توثيق هذا الوجود.
غير أن أقدم وثيقة متوفرة حول الوجود اليهودي في عدن تعود إلى رسالة من تاجر يهودي كان يعيش بعدن أرسلها إلى القاهرة، يرجع تاريخها إلى قبل حوالي 850 سنة.
لكن عدد من المؤرخين يربط تواجد اليهود في عدن، بتواجد الاستعمار البريطاني للمدينة، والذي بدأ عام 1839، وكان هذا الاستعمار مصدر جذب لمختلف الأجناس.
واستمر هذا الوجود حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين، بعد هجرة اليهود الجماعية من اليمن وعدن تحديدا إلى فلسطين.
تعايش ديني
اشتهرت عدن خلال تلك الحقبة بالتعايش الديني والثقافي والعرقي، بين مختلف المعتقدات والطوائف والأجناس، التي تلاقحت فيما بينها.
ومن بينهم كان اليهود، الذين أسسوا معابدهم الخاصة، حتى وصل تعداداهم عام 1947 قبل خروجهم من عدن إلى أكثر من 8 آلاف شخص، بحسب الوثائق البريطانية.
واشتهر يهود عدن بتجاراتهم، واشتغالهم في هذا المجال، خاصة في ظل شركة الهند الشرقية التي كانت تتبعها مدينة عدن ومينائها الشهير.
وبالتالي فمن المؤكد أن تكون لليهود في عدن حياتهم المميزة عن بقية الطوائف الأخرى، وطقوسهم الدينية، وحتى مقابرهم الخاصة.
مقابر اليهود
يقول المؤرخ اليمني، بلال غلام، "إن هناك عدة مقابر يهودية كانت موجودة في عدن، وكانت أقدم وأول مقبرة يهودية تقع في كريتر، بجانب سوق البلدية في المنطقة التي تُعرف بالحفيرة وموقعها أسفل شرطة كريتر حاليا.
ويضيف غلام، "ولكن عندما قررت الحكومة رصف شوارع عدن في خمسينيات القرن الماضي، طلب المهندسون تربة من نوع خاص لتعبيد الشوارع وكانت هذه التربة موجودة في مقبرة اليهود".
ويواصل: "وبعد الاستئذان من مسؤولي الجالية اليهودية تم هدم تلك المقبرة وأخذ التربة منها بعد حفر الموقع؛ لذا باتت معروفة لأهالي عدن بالحفيرة".
مقبرة اليهود بالمعلا
ويؤكد المؤرخ بلال غلام أنه تم نقل المقبرة من كريتر إلى موقعها الجديد في المعلا، بداية الشارع الرئيسي، أسفل عقبة كريتر، ولا زالت موجودة هناك إلى اليوم.
رغم أن هناك أضرحة عديدة تُشير إلى وجود مقابر يهودية في مواقع متفرقة من عدن، مثل منطقة حقات، القريبة من قصر معاشيق الرئاسي، وغيرها من المواقع.
لكن مقبرة المعلا هي المقبرة الأشهر على الإطلاق في مدينة عدن، وهي تعكس الفترة الزاهية التي شهدتها المدينة وتعايشت فيها جميع الديانات والثقافات والأجناس وانصهرت مع بعضها البعض.