"الوحدات الجهادية".. إرهاب إخواني بجامعات السودان
مليشيات "الوحدات الجهادية" الإخوانية السودانية تمتلك أسلحة متنوعة نارية "كلاشنكوف ومسدسات" بجانب أسلحة بيضاء بكل أنواعها.
باتت الجامعات السودانية مهددة بواسطة مليشيات طلابية مسلحة تابعة لحزب المؤتمر الوطني، الجناح السياسي للحركة الإسلامية (الإخوان)، وسط مطالبات بضرورة حل هذه المليشيات قبل استئناف الدراسة، لما تمثله من إرهاب وتهديد مباشر لاستقرار السودان.
وتسمى هذه المليشيات بـ"الوحدات الجهادية" وتمتلك أسلحة متنوعة نارية "كلاشنكوف ومسدسات" بجانب أسلحة بيضاء بكل أنواعها.
وعلى مدى 30 عاماً من عمر النظام البائد، ظلت هذه المليشيا ترتكب أعمال العنف المسلح داخل الجامعات ضد الطلاب المخالفين سياسياً لتنظيم الحركة الإسلامية السياسية التابعة للتنظيم الدولي للإخوان.
وسجلت الجامعات السودانية عددا من حالات القتل وسط الطلاب بواسطة هذه المليشيات الطلابية المسلحة، كما تسببت في تعطيل الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية.
وتمتلك هذه الوحدات الجهادية مقار اجتماعات وتواصل، كما تمتلك مخازن للأسلحة غالباً ما تكون ملحقة بالمساجد داخل الجامعات السودانية، مثلما هو الحال بالنسبة للجامعات العريقة كجامعتي "الخرطوم وأم درمان الإسلامية".
ورغم المطالبات المستمرة من أساتذة الجامعات ومن الطلاب السودانيين بضرورة تفكيك هذه "الوحدات الجهادية" الإخوانية، ونزع أسلحتها وتحويل مقارها وممتلكاتها للجامعات السودانية، فإن إداراتها المعينة بواسطة نظام المؤتمر الوطني البائد لم تستجب لتلك المطالبات، حتى سقوط نظام المعزول عمر البشير في أبريل/نيسان الماضي.
والأسبوع الماضي بدأ عدد من الجامعات السودانية استئناف الدراسة بها بعد إغلاق بلغ نحو 7 شهور، بسبب الاحتجاجات الشعبية التي تحولت لثورة شعبية أطاحت بنظام الحركة الإسلامية السياسية الإخوانية.
لكن خطوة إعادة فتح الجامعات السودانية قوبلت برفض عدد من الجهات منهم الأساتذة، الذين اشترطوا حل تلك "الوحدات الجهادية" وإزالة كل مخلفات النظام البائد قبل استئناف الدراسة.
ووضع "تجمع أساتذة الجامعات" في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، عدة شروط قبل استئناف الدراسة، أبرزها: حل "الوحدات الجهادية" حفاظا على أرواح الطلاب وسلامتهم، وإقالة مدراء الجامعات السودانية الذي تم تعيينهم بقرار من رئيس النظام البائد، ووكيل الجامعة وشاغلي الوظائف الإدارية العليا، ومراجعة كل القرارات الصادرة منهم منذ عزل البشير.
واتفقت تكتلات بجامعات سودانية من بينها: الخرطوم، وبخت الرضاء، وبحري، في بيانات منفصلة اطلعت عليها "العين الإخبارية"، على ضرورة حل وتفكيك هذه "الوحدات الجهادية" الإخوانية التي زرعها النظام السابق لإرهاب الطلاب، بجانب حل شرطة الجامعات التي لا تناسب المؤسسات الأكاديمية والعودة للحرس الجامعي.
وطالبت أيضاً بضرورة حل صندوق دعم الطلاب والتحفظ على ممتلكاته ومعالجة وضعه وتصفيته، على أن تتولى إدارة الجامعات السودانية أمر إسكان وإعاشة الطلاب كما كان متبعاً سابقاً، وما هو معمول به في كل جامعات العالم.
أدوات العنف الجامعي
وقال المتحدث باسم تجمع أساتذة الجامعات السودانية، عبدالخالق الطيب، لـ"العين الإخبارية"، إن الوحدات الجهادية هي "واحدة من أدوات العنف لطلاب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية السياسية السودانية، وهي في الأصل مجموعة تضم طلاب منهم خريجون وموظفون في الجامعات يمارسون عنفا ضد نشاط الحركة الطلابية السودانية وضد الأساتذة أنفسهم".
وأوضح الطيب أن عناصر الوحدات الجهادية الإخوانية تمتلك مكاتب داخل الجامعات السودانية لمتابعة أنشطة العنف ضد الحركة الطلابية، مضيفا أنه "تم إنشاء هذه الوحدات لمحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل انفصال الجنوب وعقب توقيع اتفاقية نيفاشا تحول سلاح هذه الوحدات لقمع الحركة الطلابية وإيقاف النشاط الفكري والثقافي داخل الجامعات".
وذكر أن طلاب دارفور هم الأكثر تضرراً من هذه الوحدات الجهادية الإخوانية، بعد استهدافهم مباشرا بالقتل والاعتقال والتعذيب، مشيراً إلى عشرات حالات القتل وسط صفوف طلاب دارفور بالجامعات السودانية دونت بلاغاتهم ضد مجهول خلال حقبة النظام البائد.
وأضاف المتحدث باسم تجمع أساتذة الجامعات السودانية: "لا بد أن تحل هذه المليشيات المسلحة وتضع الجامعات يدها على مكاتبها ومقارها، فهذه الوحدات تشكل خطورة على حياة الطلاب والأساتذة لأنها تمتلك السلاح ولا أحد يعرف عنها شيئاً".
وأوضح أن الطلاب والأساتذة الذين شاركوا في الثورة السودانية التي أطاحت بالنظام السابق، قد يجدوا أنفسهم عرضة لسلاح هذه المليشيات عند افتتاح الجامعات ما لم يتم حلها، مشيرا إلى أن هذه الوحدات في العهد البائد كانت تمتلك سلطة إغلاق الجامعات والتحكم في مصير استمرار الدراسة، لأنها تعتبر ذراعا أمنية ولها سلطة عليا من الدولة السودانية.
وتابع الطيب: "أول خطوة أمام السلطات السودانية الراهنة، هي حل الوحدات الجهادية، على أن تؤول كل ممتلكاتها من عقارات ومكاتب لإدارات الجامعة بشكل مباشر".
مخزون حربي
من جهته، قال الناشط إدريس عبدالله، إنه شاهد عنف هذه الوحدات الجهادية في الجامعات السودانية، مؤكدا تواطؤ إدارات الجامعات السودانية مع هذه المليشيات، مؤكدا في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الوحدات الجهادية التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي، ظلت تشكل تهديدا أمنياً لكل الطلاب بالجامعات السودانية، وأن أي طالب كان مخالفاً معارضاً لنظام المعزول عمر البشير، يكون تحت رحمة هذه المليشيات التي يتوفر لها كل أدوات العنف في وحداتها الجهادية.
وأضاف إدريس أن "الوحدات الجهادية عبارة عن مخزون حربي لمليشيات المؤتمر الوطني الإخواني، وفي الوقت الذي يحمل فيه طلابها كل أدوات العنف، كان الحرس الجامعي يمنع الطلاب من حمل أي أدوات للدفاع عن أنفسهم مما يجعلهم عرضة للعنف الذي يصل إلى حد القتل أحياناً".
مهام أمنية بالجامعات
الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي، محمود النور، قال لـ"العين الإخبارية"، إن تاريخ الوحدات الإخوانية في السودان، يعود إلى منتصف التسعينيات، بالتزامن مع اشتداد المعارك في جنوب السودان بين الحكومة وقوات الحركة الشعبية، حيث تزايد نشاط الحركة الإسلامية السياسية في تجنيد و"تجييش" الشباب والطلاب وإرسالهم إلى مناطق العمليات الجهاد تحت مظلة ما يُسمى بـ"الدفاع الشعبي" السوداني.
وأضاف النور: "كانت الجامعات السودانية أحد المسارح التي نشطت فيها حركة تجنيد الطلاب للجهاد، لاحقاً تم تنظيمهم داخل الجامعات، بعد أن أُضيف إليهم "الدبابين" وهم أيضاً طلاب الشهادة السودانية ومعظمهم من خريجي الدفعات الأولى لمعسكرات الخدمة الوطنية، وسميت تلك الوحدات بـ"الجهادية" وكانت مهامها الأساسية تتمثل في مواصلة نشاط التجييش وإقناع الشباب باللحاق بالعمليات وكل ذلك في إطار اتحادات الطلاب بالجامعات التي كانت معظمها في يد "الطلاب الإسلاميين" السودانيين.
وأكد الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي، أن نشاط هذه "الوحدات" امتد إلى القيام بمهام "أمنية" داخل الجامعات السودانية، تتمثل في مراقبة النشاط السياسي للطلاب المعارضين للحركة الإسلامية السياسية، مضيفاً أنها "أصبحت تفتعل أحداث العنف وتقوم باختطاف وتعذيب الطلاب النشطاء سياسياً، خاصة بعد أن أصبحت تأتمر بأمر ما يُسمى بـ (الأمن الشعبي)".
وذكر النور أن تلك الوحدات قاومت كل محاولات حلها بعد انفصال جنوب السودان، من خلال الادعاء بأنها ما زالت تجند المجاهدين وتدربهم وتعدهم للعمليات في جنوب كردفان أو النيل الأزرق ودارفور، وقال إن منتسبيها نالوا تدريبات قتالية عسكرية متوسطة ومتقدمة، تبدأ بالأسلحة الخفيفة (الكلاشنكوف والرشاشات) مروراً بالأسلحة المعاونة (الدوشكا والأربجي) إضافة إلى الأسلحة الثقيلة.
وتابع قائلا: "وجود السلاح بمكاتب الوحدات الجهادية الإخوانية بالجامعات السودانية أمر معتاد بالنسبة لهم حتى وقت قريب، إلا أن تعالي الأصوات بضرورة حل تلك الوحدات حتى من داخل تنظيم الإخوان الإرهابي، جعل القائمين عليها يقومون بتخزين السلاح الخاص بهم في مواقع خاصة بالأمن الشعبي وقريبة من الجامعات".
ويؤكد الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي، أن أقوى الوحدات الجهادية تلك الموجود بجامعة أم درمان الإسلامية، وهي تضم أكبر عدد من الأفراد، ويُعد منسوبوها الأكثر مشاركة في العمليات، والأكثر تمسكاً بالإرث الجهادي للحركة الإسلامية السياسية.
وأشار إلى أن عناصر هذه الوحدات، تحظى بمعاملة أكاديمية خاصة في الجامعات السودانية تضمن لهم درجات إضافية في الامتحانات، بجانب تخفيض أو إعفاء الرسوم الدراسية وما إلى ذلك، تحت مبرر أنهم كانوا في العمليات.