جون بوديستا.. رجل الأطباق الطائرة يدير سياسة أمريكا للمناخ في وقت حرج
أعلن البيت الأبيض في بيان رسمي تعيين السياسي الديمقراطي جون بوديستا في منصب كبير مستشاري الرئيس لسياسة المناخ الدولية، خلفًا لجون كيري.
يعد بوديستا، 75 عامًا، من السياسيين المخضرمين في الولايات المتحدة، ويمتلك خبرات كبيرة في مجال المناخ، اكتسبها من خلال عمله مع الإدارات الديمقراطية الثلاث الأخيرة.
يغادر جون كيري، 80 عاما، البيت الأبيض في الربيع المقبل، من أجل التفرغ لمساعدة بايدن في حملته لانتخابات الرئاسة 2024، بعدما عمل مبعوثا رئاسيا خاصا للمناخ منذ إنشاء المنصب لأول مرة في 2021.
لم يذكر البيان موعدًا محددًا بشأن انتهاء ولاية كيري الرسمية، مع تكهنات بأنه سيرحل بين أوائل مارس/آذار وأواخر أبريل/نيسان، وفي غضون ذلك، سيبقى بوديستا في منصبه الحالي، كمستشار البيت الأبيض للطاقة النظيفة لحين استلام منصبه الجديد.
لاقى خبر تعيين بوديستا في هذا المنصب احتفاءً كبيرًا من المنظمات البيئية في الولايات المتحدة، وأصدرت مؤسسة عدالة الأرض الرائدة بيانًا قالت فيه: "لا يوجد شخص أفضل منه لضمان القيادة الحقيقية للولايات المتحدة في مجال المناخ على الساحة العالمية".
- هل تحققت معايير وكالة الطاقة الدولية لنجاح COP28؟.. النتائج تجيب
- خليفة جون كيري.. مبعوث مناخي جديد للرئيس الأمريكي «من خلف الكواليس»
رحلة عبر دهاليز السياسة
في ولاية شيكاغو الصاخبة، ولد جون بوديستا، عام 1949، من أب وأم من أصول إيطالية ويونانية، ونشأ في حي جيفرسون بارك في الجانب الشمالي الغربي من المدينة، حاملًا حلمًا بتغيير العالم على الطريقة الأمريكية.
شق بوديستا طريقه عبر دهاليز السياسة كناشط شاب، مدافعًا عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، منذ أن تخرج من مدرسة لين تك الثانوية في شيكاغو عام 1967.
التقى بـ"بيل كلينتون" في عام 1970، وعملا سويًا كمتطوعين في حملة أحد المرشحين لمجلس الشيوخ الأمريكي في ولاية كونيتيكت، وكانت تلك بداية علاقته بالأوساط السياسية في الولايات المتحدة.
في عام 1971، تخرج من كلية نوكس في ولاية إلينوي، ثم حصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة جورج تاون عام 1976.
بدأ حياته السياسية بشكل رسمي في عام 1972، عندما انضم كمسؤول في حملة المرشح الرئاسي آنذاك، جورج ماكغفرن، وسرعان ما لفت انتباه كبار السياسيين الديمقراطيين.
تقلّد بوديستا مناصب رفيعة في البيت الأبيض منذ التسعينيات وحتى الآن، بدءًا من سكرتير ثم رئيس موظفي البيت الأبيض، في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وحتى عودته العام الماضي بتكليف من بايدن، لوضع برنامج مناخي أمريكي طموح يتحكم في 375 مليار دولار مخصصة لتحول البلاد نحو الطاقة النظيفة.
خلال تلك الحقبة، برز كواحد من أهم صانعي القرار، وامتدت خبرته لتشمل مجالاتٍ متنوعة، من السياسة الخارجية إلى الاقتصاد والمناخ، تاركًا بصمة واضحة على سياسات الإدارات التي عمل لصالحها.
وحتى في الأوقات التي ابتعد فيها عن المناصب الرسمية داخل البيت الأبيض، واصل دوره المؤثر في السياسة، كمستشار للرؤساء والسياسيين في الإدارات الديمقراطية الأخيرة، وكان أيضًا رئيسًا لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية في 2016.
في عام 2003، أسس بوديستا مركز التقدم الأمريكي، وهو واحد من أشهر مراكز الأبحاث الليبرالية في واشنطن العاصمة، وشغل منصب رئيسه ومديره التنفيذي حتى استقالته في عام 2011.
انتسب بوديستا لهيئة التدريس في مركز القانون بجامعته الأم، جورج تاون، عدة مرات على مدار سنوات، كمحاضر زائر في القانون والتشريعات والتكنولوجيا وحقوق النشر وقانون المصلحة العامة.
من عام 2002 إلى 2014، كان عضوًا في لجنة الحرية والأمن المكونة من الحزبين الكبار لمشروع الدستور، وألف كتابًا في عام 2008، بعنوان "قوة التقدم: كيف يمكن للتقدميين في أمريكا إنقاذ اقتصادنا، ومناخنا، وبلدنا".
يشتهر في الأوساط السياسية الأمريكية بأنه أحد أشد المناصرين لحملات الكشف عن ملفات الأجسام الطائرة المجهولة، وهي حملات تطالب الحكومة الأمريكية بالإفراج عن ملفات بشأن مركبات فضائية غريبة يدعي البعض أنها زارت الأرض حاملة مخلوقات من كواكب أخرى.
بوديستا والمناخ
يُعدّ جون بوديستا من أشد المؤمنين بخطورة تغير المناخ، ودعا أكثر من مرة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهته على المستوى العالمي، وحذر من مخاطر تجاهله.
يؤيد بوديستا الحد من انبعاثات غازات الدفيئة من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، والاستثمار في التكنولوجيا الخضراء، ووضع سياسات تدعم الاستدامة البيئية.
لعب أيضًا دورًا حاسمًا في التوسط في اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 كمستشار للرئيس باراك أوباما، وساعد في توجيه السياسات البيئية للرئيس بيل كلينتون أثناء عمله كرئيس لموظفي البيت الأبيض.
في عام 2017، انتقد بشدة قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس، واصفًا إياه بـ "الكارثي"، وقاد حملة هجوم شديدة على القرار في الأوساط السياسية الأمريكية ووسائل الإعلام المحلية.
في عام 2023، نشر مقالًا في صحيفة "نيويورك تايمز" دعا فيه إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمواجهة تغير المناخ، بما في ذلك فرض ضريبة على الكربون ووقف استخراج الوقود الأحفوري.
كما كان مناصراً قوياً لقانون خفض التضخم، المعروف بـ "قانون المناخ"، الذي أقره الكونغرس في عام 2022، كأداة لضخ استثمارات تاريخية في العمل المناخي بالولايات المتحدة.
يقول مراقبون إن تعيين بوديستا جاء في وقت حرج بالنسبة للسياسة الأمريكية الدولية للمناخ والطاقة؛ حيث يشعر حلفاء الولايات المتحدة بالقلق بشأن تخلي البلاد عن التزاماتها بأهداف المناخ العالمية إذا فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وتوقعوا أن تؤثر نتيجة الانتخابات على مصداقية الولايات المتحدة، الدولة الأكثر إطلاقاً للغازات المسببة للانحباس الحراري على مستوى العالم، في مفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة المقبل لتغير المناخ في خريف هذا العام في أذربيجان.
لهذا السبب، يسابق بايدن وفريقه الزمن لوضع اللمسات الأخيرة على لوائح بيئية قوية بحلول نهاية فترة ولايته الحالية، خشية من أن تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة بترامب الذي وعد علنًا بالتراجع عن العديد من تلك الإجراءات.
قال بايدن قبل أسابيع، تعليقًا على تقييم أصدرته إدارته بشأن التأثير الكارثي لتغير المناخ على الولايات المتحدة: "إن أي شخص ينكر عمداً تأثير تغير المناخ يحكم على الشعب الأمريكي بمستقبل خطير للغاية، فالتأثيرات التي نشهدها سوف تزداد سوءًا وتكرارًا وشراسة، وتكلفة أيضًا."
مهمة بوديستا
تشمل مهمة بوديستا المقبلة ملفين في غاية الأهمية: الأول يتعلق بتنفيذ خطة التخضير المحلية التي أقرها قانون الحد من التضخم ويخصص لها مليارات الدولارات لتسريع تحول البلاد إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة.
في هذا الصدد، يتولى بوديستا الإشراف على عشرات المليارات من الدولارات التي ستنفق بموجب قانون الحد من التضخم، وهي عملية صعبة ومرهقة، كما وصفها بنفسه، لكنه قال إنه واثق من قدرته على الموازنة بين مسؤولياته المحلية ومهامه الدولية الجديدة، مضيفا أن موظفيه في البيت الأبيض سيساعدونه في عمله لتعزيز الطاقة النظيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
بجانب مواصلة العمل على النشر المحلي للطاقة النظيفة، سيستكمل بوديستا ما بدأه كيري خارجيًا، بشأن الحفاظ على الاتصالات مع الحلفاء والقوى الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بالعمل المناخي.
كما سيشرف على محادثات المناخ بين الولايات المتحدة والصين، أكبر دولتين مصدرتين للانبعاثات في العالم، ليستكمل التعاون بين واشنطن وبكين، الذي بدأه كيري أيضًا، وأسفر عن اتفاق لدعم زيادة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم ثلاث مرات بحلول عام 2030، وإدراج مجموعة واسعة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بما في ذلك غاز الميثان، في أهداف البلدين المناخية.
قال بوديستا في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست: "لقد أعاد الوزير كيري الولايات المتحدة إلى موقع القيادة فيما يتعلق بالمناخ في جميع أنحاء العالم، وسوف نتأكد من أننا نحافظ على الزخم الذي تراكم من خلال جهوده.".
على الرغم من أن بوديستا سيكون مقر عمله في البيت الأبيض، إلا أنه سينسق بشكل وثيق مع اثنين من كبار نواب وزارة الخارجية، وهما سو بينياز وريك ديوك.
قال كبير موظفي البيت الأبيض جيف زينتس، في بيان، تعليقًا على تولي بوديستا المنصب خلفًا لكيري: "أعاد كيري القيادة الأمريكية في مجال المناخ من حافة الهاوية، وحشد البلدان في جميع أنحاء العالم لاتخاذ إجراءات تاريخية لمواجهة أزمة المناخ، ولا يوجد أحد أفضل من جون بوديستا للتأكد من أننا مستمرين على نفس النهج.".
ذكر زينتس أن بوديستا سيكون مسؤولًا عن قانون المناخ، التشريع الأهم في تاريخ البلاد، على حد تعبيره، واصفًا إياه بـ "رجل الدولة الأمريكي، والمدافع الشرس عن العمل الجريء في مجال المناخ، والقيادي الذي يعرف العالم بلا شك أنه يحظى بثقة رئيس الولايات المتحدة ويتحدث باسمه".