يقول المثل الشعبي: "الكلب وإن اختبأ، سيأتي يوم ويكشف عن نفسه بالنباح".. وها قد نبح المتلونون.
أصدرت الحكومة الأردنية قرارًا طال انتظاره بحظر جماعة الإخوان المسلمين، بعد سنوات من التجمّل والانحناء للعاصفة، بينما كانت الجماعة تحفر تحت كل شجرة ظلّ استظل بها الوطن.
طوال عقود، ارتدت الجماعة قناعًا يليق بكل مناسبة: مرّة معارضة وطنية، ومرّة دعاة دين، ومرّات كثيرة في الوسط، بين تاجر شعارات وناصح لا يُنصح.. تبكي على الإصلاح كما تبكي الأرملة على زوج لا تحبه.
لكنها ما إن دُعيت للحوار حتى ولّت مدبرة، كما فعلت حين انسحبت من لجنة الحوار الوطني عام 2011 في أول جلسة، لأن الشروط لم تناسب مزاجها.. الإصلاح عندهم مشروع إن كانوا مهندسيه، وإن لم يكونوا، صار رجسًا من عمل الشيطان.
المواقف المخزية لا تنتهي. ففي 1997 قاطعوا الانتخابات، ثم كرروا المقاطعة في 2010 و2013.
كلما لم تكن القوانين على هواهم، اختاروا الانسحاب بدل التحدي. رفضوا الحوار، رفضوا التحديث، ثم بكوا على غيابهم عن المشهد كأنهم أبرياء طُردوا من جنّة البرلمان.
في الخفاء تحيك أجنداتها الخاصة بعيدًا عن مصلحة الوطن. تعطيك من طرف اللسان حلاوة، فإذا اطمأنت راوغت كالثعلب. ولو كان التلون السياسي فنًا لحصدت الجماعة جوائز الأوسكار بلا منافس. هكذا كان دأبها دائمًا: تمسكنت حتى تمكنت.
لقد صبر الأردن عليهم طويلًا، ربما بحسن نية أو أمل في إصلاحهم.. لكن هل ظنت الجماعة أن الدولة ستبقى مكتوفة الأيدي أمام ألاعيبها إلى الأبد؟
وبعد كل هذه الفصول من التناقضات، بلغ السيل الزبى. جاءت نهاية المسرحية في مشهد أمني صارم. ففي أبريل/نيسان 2025 كشف النقاب عن مخطط مسلح خطير اتُّهمت به عناصر من الجماعة، يهدف إلى زعزعة أمن الوطن واستقراره.
والأدهى أنّهم طالما تشدّقوا بسلمية نهجهم، وجدناهم فجأة في قفص الاتهام متلبسين بتصنيع صواريخ وحيازة متفجرات! هل هذه جماعة سياسية أم مخزن بارود متنقل؟ هل هذه دعوة أم دعوة للفوضى؟
على إثر ذلك، لم يتوانَ صانع القرار عن إسدال الستار: حظر شامل لكافة أنشطة الجماعة، وإغلاق مقارّها، ومصادرة ممتلكاتها. هكذا وُضعت الجماعة خارج القانون بقرار حاسم لا رجعة فيه.
ربما ستصرخ الآن بـ"الظلم" و"الاضطهاد"، وتلوّح كعادتها بنظرية المؤامرة واستهداف الدين، ولكن الحقيقة أوضح من أن تُغطى بغربال. ومن يخون وطنه ويلعب على كل الحبال، سيجد أخيرًا الحبل يلتف حول عنقه السياسي. الآن، أُغلقت الأبواب التي طالما دخلتها الجماعة متنكرةً بوجوه مختلفة. انتهت المسرحية وسقط القناع عن الممثل الذي أكثرَ من تغيير أدواره.
الأردن اليوم يطوي صفحةً مثقلةً بالابتزاز السياسي باسم الدين لعقود، ويفتح صفحةً جديدةً أكثر صفاءً. والناس الذين ربما انخدعوا يومًا ببريق شعارات الجماعة باتوا الآن يتنفسون الصعداء بإغلاق هذا الفصل المظلم. أما الجماعة فقد جنت على نفسها؛ فما حدث لم يكن سوى نهاية محتومة كان الجميع ينتظرها، وإن جاءت متأخرة.
الأردن لا يعاقب معارضيه، بل يعالج خيانة مغلّفة بالأخوّة.. أما الجماعة، فقد كانت دومًا تنادي بالخير علنًا، وتبصق في البئر سرًّا. واليوم، تُنبذ كما تُنبذ العملة المزورة.
هذا القرار وإن أتى، فإنه جاء بوزن وطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة