شهدت كشمير مؤخرًا هجومًا دمويًا استهدف مجموعة من السياح الهنود، أعاد تسليط الضوء على أحد أعقد ملفات النزاع في جنوب آسيا.
فعلى الرغم من طابعه الأمني المحلي، جاء الحادث في توقيت بالغ الحساسية، وسط مشهد إقليمي ودولي يشهد تبدلات متسارعة في التحالفات وصراعًا متزايدًا على النفوذ، إذ لم يكن الهجوم معزولًا عن بيئة استراتيجية تتقاطع فيها مصالح قوى إقليمية ودولية كبرى، في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وتعاظم الدور الهندي في المشهدين الآسيوي والخليجي.
ولا يمكن فصل هذا التصعيد عن التحولات المتسارعة في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي، الذي خلّف مشهدًا سياسيًا وأمنيًا هشًا تسعى الهند فيه إلى تثبيت موطئ قدم يعادل النفوذ الباكستاني.
وفي هذا السياق، برزت لقاءات غير معلنة بين مسؤولين هنود وأفغان في الدوحة، ضمن مساعٍ هندية لاحتواء أي ترتيبات قد تحوّل أفغانستان إلى ساحة عمليات معادية لها.
وفي خضم هذا التجاذب، تبقى باكستان حليفًا استراتيجيًا للصين ضمن مشروع "الحزام والطريق"، ما يجعل أي تصعيد في كشمير جزءًا من معركة النفوذ المتصاعدة بين بكين وواشنطن.
في المقابل، تشهد العلاقات المتنامية بين الهند ودول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات وقطر، تطورًا متزايد الأهمية في إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا نوعيًا تجاوز التعاون الاقتصادي إلى تنسيق أمني وسياسي متقدّم. وفي ظل أزماتها المتكررة مع إسلام آباد، تسعى الرياض وأبو ظبي إلى تنويع شراكاتهما، ووجدتا في الهند شريكًا استراتيجيًا مستقرًا يمكن الاستثمار فيه، وهو ما تجلّى في الزيارات رفيعة المستوى والاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية بين الجانبين.
أما قطر، بحكم علاقاتها المعقّدة مع الأطراف الأفغانية وتوازن علاقاتها مع الهند وباكستان، فتتبنّى موقفًا حذرًا، لكنها تظل فاعلًا دبلوماسيًا نشطًا في مسارات الوساطة الخلفية، لاسيما مع استضافتها للحوار الأفغاني-الدولي. وليس مستبعدًا أن تسعى الدوحة إلى استثمار هذه التوترات لتعزيز مكانتها كوسيط إقليمي قادر على التواصل مع مختلف الأطراف.
ويتقاطع هذا المشهد مع تصعيد استراتيجي أكبر بين الولايات المتحدة والصين، إذ تعمل واشنطن على تعطيل المشاريع الصينية الكبرى في جنوب آسيا، وعلى رأسها "الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني" (CPEC)، من خلال توظيف أوراقها في الهند. ومن ثم، فإن الموقف الأميركي المتساهل إزاء الانتهاكات الهندية في كشمير أو دعمها الضمني للمواقف الهندية يعكس حسابات جيوسياسية تتجاوز الأبعاد الحقوقية.
وفي ضوء هذا التعقيد، يبدو التصعيد الأخير في كشمير بمثابة مقدّمة لمرحلة جديدة من الصراع غير المباشر بين القوى الكبرى، حيث تحظى الهند بدعم غير معلن من واشنطن وبعض العواصم الخليجية، في مقابل اصطفاف باكستان خلف الصين.
كل ذلك يجري وسط محاولات خليجية للحفاظ على حياد إيجابي يضمن لها دورًا مؤثرًا في معادلة التوازنات الإقليمية. ومن المتوقع أن تترتّب على ذلك تداعيات أمنية واقتصادية، خصوصًا على مسارات الطاقة والاستثمار في جنوب آسيا، بما قد يعيد رسم موازين القوى ويضع كشمير مجددًا في قلب معادلة صراع النفوذ بين الشرق والغرب.
الأهداف المحتملة والرسائل
الهجوم الإرهابي في كشمير يتجاوز كونه حادثًا أمنيًا معزولًا، إذ يحمل رسائل متعدّدة ويعكس أبعادًا جيوسياسية واضحة. بغضّ النظر عن الجهة المنفّذة، يكتسب هذا الهجوم دلالات إقليمية ودولية في هذا التوقيت الحرج.
1- خلط الأوراق الإقليمية وتعزيز زخم الصراع الدولي: يبدو أن الهدف الأرجح هو زعزعة الاستقرار القائم، وإعادة ترتيب الأولويات، وربما استقطاب قوى جديدة أو تعميق الانقسامات القائمة.
2- استغلال انشغال المنطقة بملفات معقّدة: قد يشكّل الهجوم محاولة لاستغلال انشغال القوى الإقليمية بقضايا شائكة، لتمرير أجندات أو تحقيق مكاسب على حساب استقرار المنطقة.
3- استفادة قوى إقليمية مثل (إيران، الصين، روسيا): من المرجّح أن ترى هذه القوى في التصعيد فرصة لتعزيز مواقعها، أو تقويض مصالح خصومها، أو تقديم نفسها كقوى استقرار بديلة.
4- تقويض الشراكات الاستراتيجية الهندية الإقليمية والدولية: إن الهدف من وراء هذا التصعيد ضربة محتملة لمكانة الهند الإقليمية والدولية، إذ تعكس الهجمات ضعفًا أمنيًا قد يزعزع ثقة شركائها ويدفع قوى كبرى إلى إعادة حساباتها. وفي وقت تتنافس فيه الدول الغربية على تأمين ملاذات آمنة لاستثماراتها وشركاتها العالمية، قد يجد البعض في تصاعد العنف بكشمير ذريعة للبحث عن بدائل خارج الهند، ما يهدد مستقبل شراكاتها الاستراتيجية والاقتصادية.
الخاتمة
إن مستقبل الأمن في جنوب آسيا، في ضوء هذه المستجدات، بات وثيق الارتباط بتوازنات القوى الدولية. وسيظل أي تطور ميداني في كشمير خاضعًا لمعادلات تتجاوز طبيعته المحلية، ليعكس معالم معركة نفوذ كبرى بين الشرق والغرب، حيث يتجاوز دور الرياض وأبو ظبي والدوحة موقع المتفرّج، ليصبحوا شركاء فاعلين في رسم ملامح الاصطفافات الإقليمية الجديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة