مع تصاعد المنافسة الدولية على كسب العقول والقلوب، لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل تحول إلى أداة رئيسية من أدوات القوة الناعمة.
الدول التي تدرك هذه الحقيقة تسارع إلى بناء منظومات إعلامية حديثة ومتماسكة، تقودها كفاءات متخصصة تمتلك الرؤية والقدرة على صياغة الصورة الذهنية وصناعة الرأي العام الإيجابي.
النجاح الإعلامي لم يعد مرهونًا بحجم الميزانيات فقط، بل بكفاءة القيادة الإعلامية ومدى فهمها للتحولات العالمية. بناء منظومات إعلامية قوية يبدأ من وجود قيادات إعلامية متخصصة، تمتلك بعدًا استراتيجيًا، وتعمل وفق رؤية وطنية واضحة، بعيدًا عن العشوائية وردود الفعل. هذه المنظومات تخلق سرديات متماسكة تعبّر عن هوية الدولة وتبرز ميزاتها التنافسية للعالم.
على سبيل المثال، استطاعت سنغافورة أن تبني سمعة عالمية كمركز للابتكار والكفاءة، من خلال عمل إعلامي دؤوب قاده مختصون مزجوا بين الانضباط الآسيوي والحداثة العالمية. كذلك، تمكنت رواندا من تجاوز ماضيها المظلم، لترسم صورة جديدة لبلد المصالحة والتنمية، بفضل منظومة إعلامية تركزت على روايات الأمل والإنجاز. أما برشلونة، فقد قدمت نموذجًا فريدًا في استغلال الأحداث الكبرى، إذ حولت أولمبياد 1992 إلى منصة انطلقت منها لبناء هوية ثقافية ورياضية راسخة عالميًا.
هذه التجارب تؤكد أن الاستثمار في الكفاءات الإعلامية، وتبني استراتيجيات تواصل ذكية، هو أساس بناء قوة ناعمة مستدامة. فالإعلام اليوم لا يصنع فقط السمعة، بل يشكل أيضًا التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي للدول والمدن. ومن يدرك أهمية الإعلام كصناعة استراتيجية، ويمنحه أولوية حقيقية بقيادة محترفين، سيحصد نتائج تتجاوز حدود الجغرافيا والموارد.
في زمن التحولات السريعة، تبقى المنظومة الإعلامية القوية أداة لا غنى عنها لبناء مستقبل يحترم فيه العالم صوتك وهويتك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة