في زمن تتصارع فيه الأمم على الموارد، اختارت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تراهن على مورد لا ينضب: المعرفة.
وبينما تغرق بعض الدول في سباق اللحاق بالتكنولوجيا فقط، كانت الإمارات تخطّ طريقها نحو المستقبل برؤية استراتيجية تضع الإنسان والمعرفة في قلب التنمية المستدامة.
فمنذ سنوات، وضعت القيادة الإماراتية نصب أعينها هدفًا طموحًا: الانتقال من اقتصاد ريعي يعتمد فقط على النفط، إلى اقتصاد معرفي مستدام ينهل من العلم ويثمر من الإبداع والابتكار. ونتيجة لذلك، تتصدر الدولة مؤشرات التعليم، والبحث العلمي، والاستدامة من بين مؤشرات أخرى تتصل بشكل مباشر أو غير مباشر بالمعرفة.
واحدة من أبرز محطات الاستثمار في المعرفة كانت "الاستراتيجية الوطنية للابتكار" التي أُطلقت عام 2014، والتي تهدف لتحويل الإمارات إلى مختبر عالمي مفتوح لأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا المعرفية من خلال مشاريع حقيقية شملت بناء شراكات بين الجامعات، والشركات الناشئة، والحكومة، مما رسّخ منظومة متكاملة تثمر معرفة حقيقية تهدف لإيجاد حلول لمشاكل مزمنة.
لكن القاعدة الذهبية لهذه المعادلة كانت دومًا: التعليم. فالدولة لم تدّخر جهدًا في تحديث مناهجها، واستقطاب أرقى المؤسسات العالمية، ودعم الجامعات الوطنية. والأهم، كانت من أولى الدول التي أدركت أن المستقبل "رقمي"، فاستثمرت بقوة في التعلم العميق والتعليم الذكي والتعلّم عن بُعد، مما أتاح للطلاب الوصول إلى العالم وهم في فصولهم، أو في بيوتهم، أو في أي مكان.
أما في مجال البحث العلمي، فقد انتقلت دولة الإمارات إلى الصدارة بمشروعات فضائية، مثل "مسبار الأمل"، ومؤسسات متقدمة مثل "وكالة الإمارات للفضاء" و"مركز محمد بن راشد للفضاء"، تلك المشروعات التي تثبت أن حلم المعرفة العربي لم يمت، بل انطلق من الخليج، من هنا في الإمارات.
ولأن الذكاء الاصطناعي هو لغة الغد، فقد كانت الإمارات أول دولة تُنشئ وزارة متخصصة له، في خطوة تعكس وعيًا استراتيجيًا فريدًا. وفي موازاة ذلك، تم إنشاء بيئات محفزة للابتكار مثل "مسرعات دبي للمستقبل"، التي احتضنت مئات المشاريع الناشئة وفتحت أبواب ريادة الأعمال أمام الشباب، والخلوة الابتكارية التي نظمتها بلدية مدينة أبوظبي للمرة الأولى العام الماضي.
كما أن المعرفة في الإمارات ليست محصورة في المختبرات وقاعات الجامعات. إنها ثقافة مجتمعية. من "تحدي القراءة العربي" إلى "قمة المعرفة"، تتبنى الدولة نهجًا يجعل من المعرفة أسلوب حياة، ومن الإنسان المتعلم حجر الأساس في بناء أمة طموحة تسعى لتصدر مؤشرات الجودة على كل المستويات.
في خلاصة المشهد، لا تبني الإمارات المستقبل فقط، بل تستشرفه وتعيد تعريفه. إنها تكتب قصة جديدة للمنطقة، قصة عنوانها: الثروة الحقيقية في المعرفة، لا في آبار النفط. إنها حكاية دولة آمنت بأن التغيير يبدأ من الفكر، فزرعت العلم وتحصد اليوم مكانة عالمية تُحسد عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة