مرةً أخرى، تحاول حركة «حماس» خلط الأوراق بين المقاومة والمقامرة، بين التلاحم الشعبي والتورط في أعمال أمنية عابرة للحدود، وبين دعم فلسطين والعبث باستقرار الدول.
مطالبة «حماس» السلطات الأردنية بـ«الإفراج الفوري» عن متهمين – تؤكد الأدلة الأمنية تورطهم في تصنيع صواريخ ومسيرات داخل الأراضي الأردنية – ليست فقط تجاوزًا للسيادة، بل استخفافًا صريحًا بدولة عريقة ذات مؤسسات وقانون، كالأردن.
إن محاولة تبرير هذا التورط على أنه «دعم لفلسطين» هو تلاعب فجّ بالعواطف القومية والدينية، ومحاولة لتسييس قضية جنائية أمنية تتعلق بسلامة دولة ذات سيادة، لم ولن تسمح بأن تتحول أراضيها إلى منصة للمغامرات غير المحسوبة.
فالأردن، الذي وقف تاريخيًا إلى جانب الشعب الفلسطيني، لا يحتاج إلى دروس في القومية ولا في المروءة. لكنه كذلك، لا يقبل أن يُستخدم أمنه الداخلي كأداة في أجندات حزبية تفتقر إلى المسؤولية وتدفع أثمانها الشعوب.
«حماس»، التي تُقحم الشعب الفلسطيني يومًا بعد يوم في حسابات ضيقة وأوهام «الانتصار الإعلامي»، تسقط مرة أخرى في وهم أن الدول تُدار بذات العقلية التي تُدار بها التنظيمات.
الأردن ليس مسرحًا لفوضى أمنية، ولا ساحة مفتوحة لتجريب الصواريخ والعبث بالسيادة الوطنية، ولا يُساوم على أمنه من أجل شعارات.
نعم، دعم المقاومة واجب قومي، ولكن ليس على حساب أمن الأردن واستقراره. فالمقاومة لا تعني إنشاء معامل أسلحة داخل أراضي دولة شقيقة، في تجاوز خطير لكل القوانين، والمصالح، والأعراف. والخلط بين التضامن مع فلسطين والتورط في نشاطات سرية ومسلحة يُفرغ القضية الفلسطينية من بعدها الأخلاقي ويُسيء لها أمام العالم.
الخطير في بيان «حماس» أنه لم يعبّر عن أدنى احترام لسيادة الدولة الأردنية، ولا لحقها في حماية أمنها الوطني. فهل أصبحت السيادة الوطنية تفصيلًا ثانويًا في قاموس التنظيمات والفصائل؟ وهل يُنتظر من الأردن أن يغض الطرف عن نشاط أمني بهذا الحجم تحت ذريعة «العدوان الإسرائيلي»؟
الأردن ليس دولة رخوة، بل دولة راشدة تتحرك بمنطق الدولة لا بمنطق الغرف المغلقة. مؤسساته الأمنية لا تُوجَّهها الحسابات الفئوية، ولا تُمارس القمع أو الاعتقال الاعتباطي، بل تتحرك بناءً على معطيات وتحقيقات واستقلال قضائي.
وليس هذا التدخل السافر من حركة «حماس» في الشأن الأردني سابقة وحيدة أو استثناءً عابرًا، بل يأتي ضمن سلسلة من محاولات التحريض والتأليب التي دأبت عليها بعض قيادات الحركة، سواء بشكل مباشر أو موارب، ضد أمن واستقرار الأردن. فقد سُجّلت في أكثر من مناسبة دعوات مغلّفة للعشائر الأردنية وللشارع الأردني للنزول إلى الميادين أو الانخراط في احتجاجات، تحت شعارات «دعم غزة» أو «نصرة المقاومة»، وهي في جوهرها محاولات مفضوحة لاستثمار التعاطف الشعبي الأردني الأصيل مع القضية الفلسطينية، لتحويله إلى أداة ضغط داخلي على الدولة الأردنية.
هذا الخطاب المزدوج من «حماس» – الذي يزاوج بين استجداء الدعم الأردني وبين دسّ رسائل التحريض والتهديد الضمني – يُمثّل استخفافًا بوعي الأردنيين أولًا، وامتهانًا للعلاقات الأردنية الفلسطينية ثانيًا. فالدعم الحقيقي لا يأتي بزرع الفوضى، ولا بتأجيج الداخل الأردني، بل بالتنسيق والتكامل مع الدولة الأردنية التي لم تتأخر يومًا عن نصرة الشعب الفلسطيني، ولكن وفق أسس الدولة والاحترام المتبادل، لا منطق الاختراقات والمقايضات السياسية.
إن محاولة «حماس» تصوير كل إجراء أمني أو قانوني أردني تجاه خرق واضح وخطير على أنه «استهداف للمقاومة»، ليس سوى محاولة للهرب من المسؤولية، وتبرير الأخطاء بمنطق المؤامرة. فهل من دعم لغزة أن يتم استدراج الأردن إلى الفوضى؟ وهل من نصرة للمقاومة أن يُزرع التوتر في دولة لم تبخل يومًا بالدعم السياسي والمعنوي والإغاثي للفلسطينيين؟
الرد الأردني يجب أن يكون واضحًا لا لبس فيه: الأردن لا يُبتز بالشعارات، ولا يزايد أحد على مواقفه التاريخية في دعم القضية الفلسطينية. ولكن في الوقت نفسه، لن يُسمح لأحد – كائنًا من كان – أن يعبث بأمنه الداخلي، أو يحوّله إلى منصة انطلاق لصراعات لا ناقة له فيها ولا جمل.
وقد آن الأوان أن تفهم بعض القيادات في «حماس» أن الأردن ليس ساحة خلفية لأحد، ولا امتدادًا لنفوذ تنظيمات، بل دولة ذات سيادة، تحفظ أمنها وتفرض هيبتها، وتحمي استقرارها من كل من يعبث أو يساوم، مهما تزيّن بشعارات «المقاومة».
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة