كنتُ في نقاش هذا الأسبوع مع مجموعة من السياسيين والمحللين المخضرمين، من الأردن ومصر ودول الخليج.
وتمحور الحديث حول الحملة الإخوانية المستعرة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، سواء تلك التي بدأت ولم تنتهِ خلال ما سُمِّي بالربيع العربي، أو تلك الأخيرة التي يقودها "إخوان السودان" برعاية الجيش السوداني، الذي ارتكب جرائم حرب بشعة وأفرط في استخدام القوة ضد المدنيين، ثم راح يعيد تطريز جرائمه وحبكها وكأنها كانت بسبب تدخلات من دولة الإمارات. لذلك أصر الإخوان الإرهابيون على إقحام الإمارات في ملفاتهم الشائكة والشائنة، وذهبوا بها إلى المحكمة الدولية.
اتفق الحاضرون على أن المحاولة الإخوانية الأخيرة، لقلب الحقائق وتزييفها، قد جاءت حين وجد الإخوان في السودان أنفسهم أمام مأزق وجودي بعد سنوات من السيطرة على المشهد السياسي والاجتماعي، مما دفعهم إلى البحث عن كبش فداء يُعيد إليهم ولو جزءًا من هيبتهم المفقودة.
لكن هذه المرة، اختاروا طريقًا غير مسبوق عبر إقحام دولة الإمارات العربية المتحدة في ملفاتهم الشائكة، متهمين إياها بدعم طرف في النزاع السوداني الداخلي. وأن هذا الاتهام هو محاولة بائسة يائسة لتشويه سمعة دولة تُعرف بمواقفها الإنسانية والقانونية الواضحة، وأنه نموذج حي للفكر الإخواني الذي لا يعرف سوى لغة الكذب والتضليل لتحقيق أهداف سياسية قصيرة النظر.
نعلم، أنه ومنذ تأسيس التنظيم الإخواني في السودان في أربعينيات القرن الماضي، مرّ بتحولات عديدة، بدأت بمرحلة الحشد الفكري، ثم انتقل إلى مرحلة التنفيذ التي كشفت عن فشله الذريع.
منذ البداية، كان التنظيم مليئًا بالانقسامات الداخلية، حيث شهد صراعات بين قياداته حول السلطة، وصولاً إلى تخوين بعضهم وحلّ الأحزاب وإعادة تشكيلها بشكل مستمر. هذا التلوّن المستمر لم يكن إلا انعكاسًا لطبيعة التنظيم الذي لا يملك رؤية واضحة للحكم أو التنمية، بل يركّز فقط على تحقيق مكاسب سياسية مؤقتة.
يرى السياسيون والمحللون أنه ومع مرور الوقت، فإن الدولة السودانية قد أصبحت ضحية لهذا الفكر المتهالك.
فالفساد الذي أصاب جسد الدولة السودانية كان نتاجًا مباشرًا لسياسات الإخوان الذين حوّلوا البلاد إلى مسرح للمآسي الإنسانية. الحرب الأهلية، والمجاعات المتعمّدة، والإبادات الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من 150 ألف شخص، وملايين المهجرين، كانت جميعها نتيجة سياسات تنظيم لا يعرف سوى لغة الاستبداد والسيطرة.
ومع تصاعد الضغوط الدولية والمحلية، لم يجد التنظيم وحليفه الجيش السوداني مخرجًا سوى اللجوء إلى استراتيجية "تصدير الأزمة"، عبر إقحام دول أخرى في مشكلاتهم الداخلية.
يستغرب السياسيون، كيف أقدم الجيش السوداني، مدفوعًا بقيادات إخوانية تحرّكه وتُجبره على مسار مُضلّ، على تقديم شكوى "هشّة"، و"مضحكة" ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، والجرأة على اتهامها بدعم أحد أطراف النزاع المسلح في السودان، حيث يرى الجميع أن هذه الاتهامات ليست مبنية على الإطلاق على أي أدلة حقيقية أو موثّقة، بل اعتمدت على تقارير إعلامية وقصاصات إخبارية لم تخضع لأي تحقيق مستقل.
هنا، يتضح أن الهدف من هذه الخطوة ليس البحث عن العدالة، بل محاولة "غبية" لتبييض صفحة الجيش السوداني والإخوان أمام الشعب السوداني والمجتمع الدولي، والهدف الإخواني الواضح هو خلق ضوضاء إعلامية تُبعد الأنظار عن جرائمهم الحقيقية.
في مواجهة هذه الاتهامات الباطلة، استندت دولة الإمارات إلى منهج القانون الدولي، مقدّمة وثائق وبراهين واضحة أمام محكمة العدل الدولية.
وأكدت أبوظبي أنها منذ بداية النزاع في السودان، اتخذت موقفًا محايدًا، مع التركيز على تقديم المساعدات الإنسانية التي تجاوزت قيمتها 600 مليون دولار، بالتعاون مع الأمم المتحدة وغيرها من الشركاء الدوليين. كما دعمت الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء القتال، مثل محادثات السلام في جدة والمنامة، وكذلك المفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة في سويسرا.
لكن اللافت في الأمر أن البرهان، الغارق في بحر من الضلال والتضليل الذي يحيكه الإخوان حوله طوال الوقت، بالابتزاز السياسي تارة، والتهديد تارة أخرى، رفض المشاركة في مفاوضات سويسرا والمنامة، مفضلًا مواصلة القتال، مما يثير تساؤلات حول نواياه الحقيقية. هل كان الهدف من ذلك هو إطالة أمد النزاع لتعزيز سيطرته على الحكم؟ أم كان ذلك جزءًا من صفقة ضمنية مع الإخوان لإعادة تمكينهم في المشهد السياسي؟
السؤال الأبرز هنا هو: لماذا اختار الإخوان في السودان دولة الإمارات هدفاً لحملاتهم التضليلية؟
الإجابة تكمن في دور الإمارات الفعّال في مواجهة التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك الإخوان. منذ الربيع العربي، ظلّت الإمارات في طليعة الدول التي تُحارب الفكر الإخواني، سواء عبر دعم الحكومات المدنية المستقرة، أو من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
وفي حالة السودان، لم تكتفِ الإمارات بتقديم المساعدات الإنسانية، بل أكدت مرارًا وتكرارًا دعمها لانتقال سياسي سلمي نحو حكومة مدنية تحقق تطلعات الشعب السوداني. لكن يبدو أن هذا الدعم كان مصدر إزعاج للإخوان، الذين اعتادوا على استخدام الدين والشعارات لتحقيق مكاسب سياسية، ولم يعودوا قادرين على المنافسة في ظل دعم الإمارات لمشاريع التنمية والاستقرار.
في النهاية، رأى الحاضرون أن هذه المحاولة الفاشلة لإقحام دولة الإمارات في النزاع السوداني تُظهر أن الإخوان، مرة أخرى، لا يملكون أي رؤية حقيقية لحل الأزمات، بل يعتمدون على التضليل والكذب لتحقيق أهدافهم السياسية. وما حدث في محكمة العدل الدولية ليس إلا فضيحة جديدة تُضاف إلى سجلهم الحافل بالانتهاكات والجرائم.
وأن دولة الإمارات، قد أثبتت أنها دولة قانون، تلتزم بالمبادئ الإنسانية والدبلوماسية، وتقدّم الدعم للشعوب دون أي مصالح ذاتية. وفي مقابل ذلك، يبقى الإخوان في السودان نموذجًا حيًا للفشل السياسي والأخلاقي، حيث يستخدمون كل الوسائل الممكنة لتبرير انهيارهم، حتى لو كان ذلك عبر تشويه سمعة دول أخرى.
وجهة نظري، أن الحل الحقيقي للأزمة السودانية لا يكمن في المحاكم الدولية أو الحملات الإعلامية، بل في تحقيق العدالة الانتقالية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس من الديمقراطية والتنمية المستدامة. وهنا، يمكن للإمارات أن تلعب دورًا مهمًا كشريك استراتيجي يدعم جهود السلام والاستقرار، بعيدًا عن أجندات الإخوان المسلمين والأيديولوجيات الفاشلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة