نعى، أمس، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان.
كما نعاه العديد من قادة العالم، فهذه الشخصية الإنسانية عُرفت بمساعيها الحسنة والإيجابية في قضايا السلام والتسامح وحوار الأديان، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث كان شغوفاً بهذه المنطقة كثيراً؛ لأنها مهد الديانات السماوية، وهو يُعتبر أول بابا يزور منطقة الخليج.
وإذا كان البابا فرنسيس قد دشن زياراته للمنطقة، بتلك الزيارة التي توجت بتوقيع "وثيقة الإخوة الإنسانية" مع الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، عام 2019، فإن زيارته إلى العراق كانت خلال أزمة كورونا، ولكن الهدف الأسمى كان مساعدة العراقيين للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.
وقد زار المرجع الشيعي الأعلى حينها، وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021، ثم جاءت زيارته إلى البحرين عام 2022، فهذه الزيارات (على سبيل المثال) جعلته قريباً من الناس واعتادوا على رؤيته بينهم، ما جعل التواصل مستمراً بين الشعب والزعيم الديني.
وقد وصف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، البابا فرنسيس، بأنه: "كان رمزاً عالمياً للتسامح والمحبة والتضامن الإنساني ورفض الحروب".
وهذا من منطلق ما سبق ذكره، أن قداسة البابا كان معروفاً عنه أنه جمع الكثير من الخصال الإنسانية، حيث اعتاد الناس على رؤيته في المحافل التي تدعو إلى تخفيف المعاناة عن الناس وتساعد على التقريب بين المختلفين في الأديان والطوائف.
لدرجة أن الناس، بمختلف دياناتهم، انجذبوا إليه بسبب دبلوماسيته الدينية في دعم القضايا من أجل الإنسان، فكان صاحب الطلة الإعلامية الإنسانية، وآخرها قبل أيام في احتفالات عيد الفصح، حتى بات أيقونة "الإنسانية".
وقد تفاعلت العديد من المواقف السياسية العالمية مع خبر الوفاة، التي اعتبرته فاجعة؛ ليس لأنه جاء صادماً لهم رغم أن البابا كان يعاني من مرض، وإنما من باب الحب لهذه الشخصية، لدرجة العشق والوله في إنسانيته.
حيث تكاتفت القلوب الإنسانية والسياسية، وتضافرت المشاعر التي التفت تلقائياً مع هذه الشخصية العالمية بطريقة تكاد تكون حالة نادرة في العالم، برغم الاختلاف الديني والثقافي معه، إلا أن المشترك كان مشاطرة الأحاسيس في المصاب الإنساني الكبير.
كيف لا، وهو من أحيا الرصيد القيمي للتسامح الثقافي، في زمنٍ الكل يقتل الكل باسم الدين.
فقد تفرد البابا فرنسيس عن غيره من دعاة السلام والتسامح في العالم، بأنه امتلك "جرأة الاعتراف" بأن هناك من يستغل الدين لقتل أخيه الإنسان، وأن هذا الاعتراف جاء في وقت اشتدت فيه الحرب بين المختلفين في الدين والطوائف، فطالب بإيقاف الحرب الإسرائيلية على شعب غزة، لدرجة استفز فيها اليمين الإسرائيلي.
ولم يكتفِ في هذا الاعتراف بأن يكون صوتاً، بل نزل في المناطق الملتهبة مثل العراق، فأثبت أن رسالته للشعب، وليست من باب الدعاية السياسية والإعلامية، فكان كمن يستعلي على روح الخوف والإرهاب من أجل رفع القيمة الإنسانية، دون أن يكون لصالح الدين الذي يمثله، بقدر ما يحقق البقاء للإنسانية.
إن الأثر الذي تركه البابا هو أن القوة الإنسانية لا تُبنى بقتل الآخر المختلف، وإنما بالتسامح والعيش المشترك، وأن القوة الحقيقية في التنوع في كل شيء. وأن الإنسانية التي تقوم على القتل والدمار، مصيرها استمرار الثأر والانتقام.
لو افترضنا أن التغريدات التي نعت بابا الفاتيكان هي بمثابة مداخلة في مؤتمر عالمي على روحه، فإنه، ورغم الاختلافات في الدين والثقافات من ممثلي الحسابات لديانة واحدة، فإن المشترك فيها هو: التعبير بالإعجاب لدور هذه الشخصية الدينية العالمية، القادمة من أمريكا اللاتينية.
والتقدير والتوقير، باعتباره أيقونة التسامح والإنسانية، فهو أكد بصدق أنه كاره للحرب (كما وصفه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان)، ورافض للانتقام، بقدر ما أنه مؤيد للغفران وبناء المستقبل مع المختلفين. فما أحوجنا في هذه الأيام لمثل البابا فرنسيس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة