سألت صديق وهو باحث مختص في دراسات الإسلام السياسي؛ إن كان لديه تفسيره فيما حدث في المملكة الأردنية الشقيقة، مؤخراً، من محاولة منتمي تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي تهديد استقرار المملكة.
رغم أن الحكومة الأردنية كانت حتى قبل هذه الأزمة تفتح لهم المجال لممارسة نشاطهم السياسي رغم حالة الحظر والإغلاق الذي تلقاه هذا التنظيم في العديد من الدول العربية، وغيرها من دول العالم بعدما تأكدت أن إصلاح هذا التنظيم أو الحديث عن مراجعاته أمر مستحيل.
أجابني الصديق: الأغلبية العظمى من الرأي العام العربي باتوا يدركون بعد فترة ما كان يسمى بـ"الربيع العربي" أن هذا التنظيم سيء على استقرار الأوطان ولن يتردد لحظة عن تخريبها إذا ما أتيحت له الفرصة، وبالتالي من الصعب الرهان على أنهم تخلوا عن أفكارهم ونواياهم إلا من باب الخوف والقلق من المواجهة مع المجتمع والمؤسسات الحكومية، وهذا هو الرأي الذي أكدته تجربة التعامل معه في الدول التي حظرت هذا التنظيم مثل مصر أو تونس، وعليه يكون قرار الحكومة الأردنية بإغلاق مكاتب التنظيم ومنع التعامل معه والاستيلاء على ممتلكاته هو القرار الأنسب.
ولأن محاولات أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي والمتعاطفين معه لم تنقطع عن تهديد استقرار المجتمعات العربية وفي التحايل على الحكومات المتهادنة معهم مثل الأردن والمغرب إلى حد ما إلا أن هناك سمات لأفراد هذا التنظيم المنتشر على مستوى العالم وبالتالي فإن أي عملية تخريبية لهم يتم الكشف عنها تبدو في لحظتها على أنها عشوائية ولكن بالتدقيق فيها هي عبارة عن تكتيك يتبعه أعضاء هذا التنظيم في كل محاولة لهم، ويمكن سرد تلك السمات الآيات في الآتي:
أولاً، التنسيق الخفي: قد يبدوا للإنسان العادي عدم وجود أي رابط بين محاولة التخريب في الأردن وبين ما يمكن أن يحدث في أي دولة أخرى عربية كانت أو خليجية إما نتيجة للبعد الجغرافي، أو عدم التواصل المباشر بين أفراد تنظيم الجماعة، وأن ما يتم في دولة ما حالة فردية. ولكن في الحقيقة هذا العمل غير صحيح فتجربة ما كان يسمى بـ"الربيع العربي" اعطت هذا الانطباع إلا أنه في لحظة معينة وجدنا حالة من تبادل الدعم السياسي والإعلامي والمعنوي بشكل قوي الأمر الذي يؤكد وجود تنسيق قد يكون هذا التنسيق غير مباشر ولكن يمكنه أن يتحول إلى كتيبة إسناد لخدمة الجماعة أكثر من الرغبة في المحافظة على الوطن. بل من غير المستبعد أن يكون هناك نوع من تبادل أدوار بين أفرع هذه التنظيمات بحيث "يختبرون" يقضة المؤسسات الأمنية لأي دولة أو يختبرون مدى تقبل المجتمعات لهم، وفي حالة الأردن فشلت محاولتهم حكومياً ومجتمعياً.
ثانياً، المتاجرة بكل القضايا العادلة: المتعارف عليه أن كل منتمي الإسلام السياسي وكثيراً ما تاجروا بالقضية الفلسطينية لخدمة أيديولوجياتهم الفاشلة، وجاءت أحدث غزة بعد السابع من أكتوبر 2023 لتظهر المأساة الإنسانية أهل غزة العزل بشأن سياسة القتل التي تتبعها حكومة بنيامين نتنياهو فكسب غزة تأييداً إنسانياً عالمياً دفع بحكومات العالم بأن تطالب بقيام الدولتين وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم ولكن أصحاب الأيديولوجية "الإخوانية" ليس همهم سوى خدمة أجندتهم ليس الفرع الموجود في الأردن فقط فقد رأينا محاولاتهم (وحنجوريتهم) في عدد من الدول العربية بعضها خليجية لأن من "آيات الإخواني" أنه لا يهمه حالة الانهاك الشعبي لأهل غزة أو غيره بل لا يجد أي حرج في وهم الناس بالحقيقة وتزييف مفهوم "الانتصار " من خلال الاستعراض الإعلامي على الأسرى فهي بالنسبة له فرصة لاستعادة مكانتها التي خسرتها في معركتهم مع المجتمع.
ثالثاً، المناطق الرخوة: من آيات الإخواني أيضاً أنه يرى في الحكومات المتهادنة معه بأن "فرصة مواتية" لخلخة النظام والاستقرار ونقطة انطلاق لإثارة الفوضى وربما تنظيم إخوان الأردن خانه "التقدير" فصدمته يقضة رجال الأمن الأردني وكانت هي القشة التي "قصمت ظهر البعير". فمع أن المملكة الأردنية من الحكومات صاحبة النفس الطويل في التعامل الهادئ والعقلاني مع تنظيم الاخوان المسلمين وذلك من باب الخصوصية الأردنية، ولكن بما أن الأمان مع هذا التنظيم وحسن النية مع المنتمين له أو حتى مع المتعاطفين هو كمن يأمن على نفسه من "تربية الأفاعي" أو من يتراقص مع الذئاب، لذا فهو (الإخواني) يختار الدول التي توفر لهم مساحة لممارسة نشاطهم الفكري ضمن إطار الدستور وبالشكل الذي لا يهدد أمن الناس ليس فقط من أجل ممارسة هويتهم التخريبية وإنما كذلك "لجس النبض" حوّل ردة الفعل الإقليمي على ما يحدث معهم في الأردن وربما في إحدى الدول الخليجية الشقيقة، التي هي الأخرى شهدت اعتصاماً شعبياً لنصرة غزة وكأن الحكومات العربية لا تبذل جهداً في ذلك.
رابعاً، التحايل السياسي: ويقصد به أن حركة "حماس" هي أحد أفرع التنظيم الدولي وما تقوم به من عمليات استعراض إعلامية هدفها هو المحافظة على الزخم المجتمعي المتعاطف مع شعب غزة الذي يدفع ثمن مغامرات "حماس" وذلك من أجل كسب المزيد من التعاطف الشعبي ليس لحركة "حماس" فقط التي تسبب في كل هذه الكوارث الإنسانية والسياسية، وإنما للاستفادة منه في "عودة" تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي إلى الساحة العربية بشكل كامل، فمن ضمن استراتيجياتهم أو تكتيكاتهم التقليدية الدفع أو الزج بأحد أفراد التنظيم أو مجموعة من المنتمين إليهم من أجل الاصطدام بالحكومات أو بأحد الأجهزة الرسمية لخلق قصة إعلامية ظاهرها "حدث" ضد مصلحة الفلسطينيين ولكن "باطنه" الإثارة الإعلامية والتشويش على الناس للعودة من الأبواب الخلفية.
الدرس الأساسي الذي يمكن أن نتعلمه فيما حدث في المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة هو أن مسألة الأمان لتنظيم الإخوان المسلمين تحت أي بند مسألة مرفوضة، سواءً كان ذلك الأمان مبني من منطلق المراجعة الفكرية لجيل جديد من أفراده، أو من باب الدعوة لإصلاح الجماعة ليكونوا أكثر وطنيين. والرفض هذا مبني علن أن الأساس الفكري قائم على قاعدة خاطئة وهو تقديم مصلحة الجماعة أو التنظيم على حساب الوطن والمواطنين، وبالتالي اجتثاثه والقضاء عليه هو الحل الأفضل والأنسب وليس التفكير في التفاوض معهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة