«حظر الإخوان».. ضربة استباقية لتحصين الداخل الأردني

ضربة حاسمة وجهتها السلطات الأردنية لجماعة الإخوان المنحلة بحظر أنشطتها كافّة، عقب ثبوت تورط أعضائها في مخطط تخريبي.
وشرعت الحكومة الأردنية في تنفيذ سلسلة من الإجراءات الحاسمة بهدف القضاء نهائيًا على البنية المؤسسية لجماعة الإخوان المنحلة.
هذه الخطوات، التي اتسمت بسرعة التنفيذ وطابعها القانوني والإداري، تمثل نقطة تحوّل كبرى في استراتيجية الدولة تجاه الجماعة، خاصة بعد الكشف، في 15 أبريل/نيسان الجاري، عن خلية مكونة من 16 فردًا كانت تعد لأنشطة تهدد الأمن القومي، وفق ما أعلنته دائرة المخابرات العامة الأردنية في بيان رسمي.
ويعكس هذا التصعيد تحولًا عميقًا في النهج الأردني إزاء التنظيمات ذات الصبغة الأيديولوجية، وفق ما أكده خبراء ومحللون تحدثوا لـ"العين الإخبارية".
وشددوا على أن الدولة الأردنية انتقلت من سياسة الضبط التي اعتمدتها لسنوات إلى نهج أكثر صرامة يركز على استئصال التحديات ومحاسبة المتورطين.
حصار الإسلام السياسي
وقال المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي الدكتور منذر الحوارات إن "القرار الأردني الأخير سيفضي إلى تراجع حتمي في حضور الإسلام السياسي على الساحة العامة، بما في ذلك في المجالس البلدية والنيابية التي لطالما كان للإخوان فيها تمثيل معتبر، وهذا سيعيد رسم ملامح الخارطة الحزبية والنقابية في البلاد".
وأبدى الحوارات، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، مخاوفه من أن يؤدي هذا الفراغ السياسي إلى صعود تيارات أكثر تطرفًا ذات طابع راديكالي، مضيفًا: "خاصة أن التيارات اليسارية والليبرالية والعلمانية لا تملك الحضور الشعبي الكافي لملء هذا الفراغ".
رسالة أردنية حازمة
وفيما يخص الإقليم، أشار الحوارات إلى أن بعض الدول في المنطقة سترحب بهذه الخطوة باعتبارها انسجامًا مع استراتيجياتها المناهضة للإخوان، وقد تقدم دعمًا سياسيًا أو اقتصاديًا للأردن في هذا السياق.
وقال: "في المقابل، قد تُحدث هذه التطورات توترًا مع دول ترتبط بعلاقات قوية مع الجماعة، والتي قد ترى في القرار استهدافًا غير مباشر لها".
وأكد أن القرار يحمل رسالة واضحة للولايات المتحدة ودول الغرب مفادها أن الأردن يتبنى نهجًا حازمًا في التعامل مع التيارات الأيديولوجية، وقد يسعى من خلاله إلى تعزيز علاقاته مع القوى الدولية بوصفه دولة مستقرة ومحورية في محيطها.
وأوضح أن "المملكة الأردنية ربما أرادت استباق أي توتّر داخلي قد ينجم عن الغضب الشعبي إزاء ما يجري في غزة، من خلال تحصين الساحة الداخلية ضد محاولات استثمار ذلك الغضب لصالح قوى مؤدلجة"، مشيرًا إلى أن منع امتلاك السلاح تحت ذرائع دعم المقاومة كان خطوة ضرورية للحد من مخاطره.
ورغم كل ذلك، يرى الخبير الاستراتيجي أن الأردن يمرّ الآن بمرحلة مفصلية تتمثّل في "تفكيك شامل" لتنظيم الإسلام السياسي، ما يستدعي التفكير الجاد في إعادة بناء العقد الاجتماعي على "أسس جديدة تبتعد عن منطق الإقصاء، وتقوم على الدمج والانفتاح، لتفادي نشوء تيارات أكثر تطرّفًا قد تنتج عن الشعور بالمظلومية".
من الهامش إلى الحظر
بدوره، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبوزيد إن حزمة القرارات الصادرة عن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، جاءت ضمن إطار قانوني واضح، مدعومة بأدلّة قاطعة كشفت عنها الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة.
وأشار أبوزيد إلى أن هذا التحرّك الأمني يجد صدى إيجابيًا لدى الشارع الأردني، في ظل خطاب رسمي متماسك، أكّد أن الإجراءات المتّخذة جاءت بعد حلّ جماعة "الإخوان"، التي كانت قد مُنحت سابقًا هامشًا واسعًا للتعبير عن آرائها وممارسة أنشطتها.
وأضاف: "يبدو أن الجماعة حاولت استثمار الأوضاع في غزة وركوب موجة المقاومة هناك لأهداف تتجاوز السياق الوطني، وهو ما استدعى الفصل الواضح بين دعم المقاومة الشرعية وبين استغلالها من قبل أطراف تنظيمية لأغراض داخلية".
ولفت أبوزيد إلى أن البيان الرسمي الأردني أوضح بشكل لا لبس فيه تفاصيل القضية، ما ساهم في تعزيز القبول الشعبي للقرارات الأخيرة، إذ لم تُسجّل أي ردود فعل سلبية بارزة، حتى من داخل الأوساط القريبة من الجماعة المنحلّة.
وأكّد أن هذا التوجّه يعكس التزام الدولة بالمسار القانوني في التعامل مع هذه القضية الحسّاسة، بعد أن باتت الوقائع واضحة، والإجراءات القضائية قد بدأت تأخذ مجراها الرسمي.
تحوّل غير مسبوق
من جانبه، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات، إن قرار حظر نشاط جماعة الإخوان في الأردن يمثّل خطوة غير مسبوقة في سياق العلاقة التاريخية الطويلة بين الدولة والجماعة، والتي تعود جذورها إلى تأسيس الجماعة عام 1946 في عهد الملك عبدالله الأول.
وأوضح شنيكات أن الجماعة كانت قد نجت من إجراءات حظر الأحزاب السياسية عام 1957، واستمرّت بالعمل ككيان دعوي وخيري، رغم مشاركتها لاحقًا في الحياة السياسية، لا سيّما في انتخابات 1989 التي حصدت خلالها نتائج لافتة.
وأشار إلى أن طبيعة العلاقة بين الدولة والجماعة ظلّت تتراوح بين الشراكة السياسية في بعض المراحل والتوتّر أو القطيعة في مراحل أخرى، متأثّرة بالتحوّلات الإقليمية، خاصة ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية وتطوّرات الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما انعكس بدوره على الشارع الأردني وأدّى إلى حالة من الاستقطاب.
تصاعد في لغة الاستقطاب
وأوضح شنيكات أن هذا الاستقطاب تصاعد مؤخرًا عقب إعلان الأجهزة الأمنية الأردنية، وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة، عن تفكيك خلية مرتبطة ببعض العناصر المنتمية إلى الجماعة، ما عزّز المخاوف من ممارسات غير قانونية تُنسب للتنظيم.
وتزامن ذلك مع بيانات رسمية صادرة عن وزير الداخلية والناطق باسم الحكومة، أكّدت ضلوع الجماعة في نشاطات تتعارض مع القانون الأردني، واستخدامها للعنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، رغم صدور قرار رسمي بحلّها منذ عام 2020، والذي طُبّق حينها بمرونة نسبية.
وأكّد شنيكات أن الإجراءات الجديدة الصادرة عن الدولة الأردنية ووزارة الداخلية، تعكس توجّهًا أكثر حدّة يقوم على الإقصاء الكامل، ما يمثّل تحوّلًا جذريًا في مسار العلاقة مع الجماعة.
وأشار إلى أن هذه الخطوة قد تقود إلى عدد من السيناريوهات المحتملة، من بينها أن يعود جزء من الجماعة للعمل السياسي من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، في حين قد يختار البعض الانسحاب من الحياة العامة، بينما قد يتجه آخرون للعمل السري، وهي احتمالات مفتوحة على ضوء التطورات القادمة.
مستقبل علاقة الدولة ببقايا الجماعة
وأضاف المحلّل السياسي أن حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي لا يزال ينشط بشكل قانوني بموجب قانون الأحزاب، يحتفظ بوجود فعّال داخل البرلمان الأردني، ويعمل في الإطار السياسي الرسمي، إلا أن مصيره قد يتأثّر بمخرجات التحقيقات الجارية في قضية "خلية الـ16"، التي أعلنت عنها دائرة المخابرات.
وقال شنيكات إنه "إذا ثبت وجود صلة تنظيمية مباشرة بين الحزب وأفراد الخلية، فقد تكون هناك انعكاسات قانونية تؤثّر على شرعيته السياسية، أما إذا تبيّن أن الحادثة معزولة وفردية، فقد يُنظر إلى الحزب بشكل مختلف".
وختم حديثه بالقول إن التطورات القضائية المرتبطة بهذه القضية ستحدّد مستقبل العلاقة بين الدولة وما تبقى من الجماعة، سواء من الناحية التنظيمية أو من خلال أذرعها السياسية، في ظل مشهد إقليمي معقّد قد يساهم في دفع الأمور نحو التهدئة أو التصعيد، بحسب المتغيرات المقبلة.