إخوان الأردن على خطى السقوط الإقليمي.. ضربة قاصمة لتنظيم يتهاوى

لحظة مفصلية جديدة يعيشها تنظيم الإخوان في مساره المتراجع إقليميا ودوليا، بعد حظر الحكومة الأردنية أنشطته وإغلاق مقاره، ومصادرة أملاكه.
قرار أردني لم يأت بمعزل عن السياق الإقليمي، بل يتقاطع مع مسار متصاعد من التفكيك والاحتواء يتعرض له التنظيم في أكثر من دولة، ما يشير إلى دخول التنظيم مرحلة أفول حقيقية قد تفضي إلى انهيار بنيته العابرة للحدود.
خطوة يراها محللون وخبراء تحدثت إليهم «العين الإخبارية» بمثابة ضربة استراتيجية للتنظيم الدولي، تعكس انحسار نفوذه في المنطقة بعد سنوات من محاولات إعادة التموقع عبر أذرع سياسية واجتماعية.
واعتبروا أن المملكة وضعت حدًا لما أسموه «التقية السياسية» التي مارستها الجماعة لسنوات.
وجاء القرار في أعقاب الكشف عن «خلية صواريخ» مرتبطة بالجماعة، والتي أثارت قلقًا أمنيًا واسعًا في البلاد، بالتوازي مع تصعيد إعلامي إخواني خارجي لاستهداف المملكة ومحاولة التشويش على قرارها السيادي.
يأتي هذا القرار في وقت تتعالى فيه تحذيرات الداخل الأردني من خطورة استمرار أنشطة الجماعة، وسط مؤشرات على تحوّلها إلى كيان يتجاوز الطابع السياسي نحو الانخراط في شبكات أمنية إقليمية ذات أبعاد مسلحة.
تتويج لمسار أمني طويل
بحسب ما أعلنه وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، فإن القرار جاء تنفيذًا لأحكام قضائية صادرة منذ عام 2020، مشيرًا إلى أنه تم البدء في تفكيك البنية التنظيمية والمالية للجماعة، ومن ضمن ذلك مصادرة ممتلكاتها وإغلاق مقارها.
ويعكس هذا التوجه قناعة رسمية بأن الجماعة لم تلتزم بالإطار السياسي الذي كانت تتحرك ضمنه، بل استغلت وجودها العلني لتغذية خطاب مهدد للأمن الوطني.
وتشير معلومات حصلت عليها «العين الإخبارية» من مصادر مطلعة إلى أن السلطات الأردنية توافرت لديها خلال الفترة الأخيرة معطيات استخباراتية جديدة بشأن ارتباط كوادر من الجماعة بخلايا إرهابية، وتورطهم في تهريب أسلحة يُشتبه في أنها كانت مخصصة لوحدات من «حماس»، في محاولة لتحويل الأردن إلى ساحة خلفية للصراع في غزة.
الكاتب الصحفي الأردني خالد القضاة كشف في حديث خاص لـ«العين الإخبارية» أن الجماعة سارعت إلى إتلاف أوراق داخل مقارها كانت تتضمن معلومات خطيرة حول مخططات تهدد الأمن القومي الأردني.
ولفت إلى أن بيان الجماعة بشأن خلية الصواريخ لم يتضمن أي إدانة للعمل الإرهابي، بل انطوى على تبرير ضمني لما حدث، وهو ما اعتُبر دليلاً إضافيًا على أن الجماعة إما تغض الطرف عن النشاط المسلح، أو تسعى لإيجاد تنظيم سري يوازي وجودها العلني.
كما أن جماعة الإخوان المصرية- جبهة صلاح عبد الحق حذفت من بيانها بشأن "خلية الصواريخ" فقرة إدانة الأنشطة الإرهابية التي تستهدف المملكة الأردنية، وهذا يعني أن الجماعة تتحرك وفق أجندتها الخاصة التي تضر بالأمن القومي للأردن وللمنطقة العربية ككل.
وما إن رفع الأردن الإشارة الحمراء في وجه «الإخوان»، حتى كشف التنظيم عن وجه لطالما حاول إخفاءه خلف شعارات دينية وشعبوية، لتدعو أبواقه إلى رفع السلاح في وجه الدولة الأردنية.
حرضت الأمانة العامة للجماعة، على الدولة الأردنية، داعيةً شباب الإخوان في المملكة إلى حمل السلاح ومواجهة السلطات الأردنية، «بعد أن صارت المواجهة حتمية»، وفق تعبير البيان.
ورفضت الأمانة العامة لجماعة الإخوان وهي الهيئة التنفيذية لما يُعرف بتيار التغيير في إخوان مصر، الإجراءات التي اتخذتها المملكة الأردنية ضد أعضاء الجماعة الموقوفين على ذمة «خلايا الصواريخ» في المملكة.
ووجهت الأمانة العامة للإخوان رسالة إلى قادة الجماعة في مختلف الدول، قائلة إن «اللحظة الحالية تفرض عليهم مراجعة شاملة لنهجهم واستراتيجياتهم وسياساتهم، ولا بد أن يلجأوا إلى الصراع العنيف مع الأنظمة الحاكمة في الدول العربية باعتبار أن اللحظة الحالية توجب عليهم إما الانحياز لهذا المشروع وإما البقاء في الخانة الحالية ومهادنة الأنظمة»، بحسب تعبير البيان.
نقطة تحوّل ضد التنظيم
القرار الأردني الأخير لا يمكن قراءته كخطوة إجرائية معزولة، بل يعكس تبدلًا استراتيجيًا في طريقة تعاطي الدولة مع الجماعة، حيث بات الملف الإخواني يُدار من منظور أمني لا سياسي.
ويقول مراقبون إن الانكشاف المتزايد لأنشطة الجماعة العابرة للحدود، بما في ذلك تحالفاتها مع أطراف مثل «حزب الله» اللبناني و«حماس» الفلسطينية، فرض على الأردن مقاربة حازمة تُنهي حالة التساهل السابق معها.
وبحسب العميد المتقاعد في المخابرات الأردنية الدكتور سعود الشرفات، فإن الإخوان وحزبهم السياسي (جبهة العمل الإسلامي) مارسا سياسة توزيع أدوار.
إذ واصل الحزب نشاطه العلني، بينما عملت قيادات الجماعة في الظل لتنفيذ أجندات غير معلنة، مستندين إلى وهم أن الأجهزة الأمنية لا ترصدهم، بينما الحقيقة أن الدولة كانت تجمع وتوثق الأدلة.
ويرى الشرفات أن القرار الأخير لم يكن مفاجئًا، بل تأخّر قليلًا، في ظل ما وصفه بتحوّل الجماعة إلى «شبكة إرهابية عابرة للحدود» لم تعد تنتمي للواقع السياسي الأردني، بل ترتبط بمشاريع خارجية ذات طابع أيديولوجي ومسلح.
ضغوط داخلية
من المؤكد أن قرار حظر جماعة الإخوان سيفتح الباب أمام إجراءات قد تشمل حل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، في حال ثبوت انخراطه في النشاط التنظيمي المحظور.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها «العين الإخبارية»، فإن بعض المقار الحزبية التي تم تفتيشها تحتوي على وثائق تدعم هذا الاتجاه.
ويتوقع الكاتب خالد القضاة أن يشهد المشهد البرلماني الأردني هزة كبيرة في حال صدور قرار قضائي بحل الحزب، خاصة أن له تمثيلًا برلمانيا عبر 18 نائبا، إلى جانب 31 نائبا ترشحوا ضمن قائمته.
وفي هذه الحالة، سيُعاد النظر في أهلية هؤلاء النواب، وقد يؤدي الأمر إلى تغييرات على تركيبة البرلمان نفسه.
انحسار مد التنظيم
القرار الأردني الأخير لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع الذي يشهد انحسارًا واضحًا لجماعة الإخوان.
فمنذ سقوط حلفائها في السودان، وتراجع نفوذها في ليبيا، وتفكيك وجودها في مصر، واهتزاز حضورها في تونس والمغرب، باتت الجماعة تواجه موجة ارتدادية عنيفة، جعلت من قرار الأردن ضربة جديدة تُضعف قدرتها على إعادة التموضع.
الخبير في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد رأى، في حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، أن الإجراءات الأخيرة تؤشر إلى تغير جذري في العلاقة بين الدولة والجماعة، خاصة بعد أن "حاولت الأخيرة استغلال الغضب الشعبي من الحرب الإسرائيلية في غزة لخلق نفوذ تعبوي داخل الشارع الأردني، والترويج لخطاب يتجاوز حدود المملكة".
ويؤكد الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أن الأردن في وضع شديد التعقيد بسبب التداعيات التي خلفتها الحرب في قطاع غزة، فالمملكة في وضع حرج حيث هناك أردنيون من أصول فلسطينية حاولت جماعة الإخوان استغلالهم.
وأضاف عيد أن الجماعة عملت على التلاعب بمشاعر وعواطف الشعب الأردني في هذه اللحظة الحرجة التي تواجه البلاد فيها تهديدات خطرة، مشيرًا إلى أن الإجراءات الأخيرة تحمل رسالة إلى أطراف عدة سواء على الصعيد الداخلي أو على المستوى الإقليمي فما يحدث يمكن اعتباره تغيرات دراماتيكية في العلاقة بين الدولة في الأردن وجماعة الإخوان.
واعتبر أن السلطات الأردنية حاولت ثني الإخوان عن اتخاذ مواقف تضر بالمملكة لكن الجماعة مضت في طريقها لمصالحها الخاصة ولذا كان لازما على الحكومة أن تُلجم الجماعة وتتخذ قرار الحظر الذي هو قرار ضروري للغاية في الوقت الحالي.
وأوضح أن ما قامت به الجماعة مؤخرا من استغلال لحالة الاستقطاب الشعبي محاولة لإعادة إنتاج النموذج الإخواني في مرحلة ما بعد 2011 المضطربة، لكن دون أي احترام لثوابت الدولة الأردنية، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية للرد بحزم ووضوح.
هل تُستكمل إجراءات الاجتثاث؟
وفي ضوء المعطيات الراهنة، يبدو أن الأردن ماضٍ في خطوات منظمة لـ«اجتثاث» الجماعة، وليس فقط حظرها، في انتكاسة ونكبة كبيرة للجماعة التي تتحسب لمزيد من التصعيد ضدها، وفق محللين.
وعن مصير حزب جبهة العمل الإسلامي ونوابه الـ31 في البرلمان، توقع سامح عيد أن تتخذ الحكومة الأردنية إجراءات ضده تشمل تفتيش مقرات تابعة له أو وضعها تحت الحراسة، معتبرًا أن الأوضاع حتى الآن لا تقول أنه سيكون هناك حظر كامل لأنشطة الحزب في المملكة لاعتبارات عديدة.
ويؤكد مراقبون أن الدولة لن تقبل بعودة الجماعة تحت أي غطاء جديد، وأن القرار الأخير يحمل رسالة واضحة: لن يكون هناك مكان في الساحة السياسية الأردنية لمن يهدد الأمن القومي أو يسعى للتلاعب بالهامش الديمقراطي لخدمة أجندات خارجية.