تداعيات إنهاء عقد تأجير الباقورة والغمر.. بين الفرص والقيود
يتوقع أن يترتب على القرار الأردني بإلغاء ملحقي اتفاقية وادي عربة عدد من التداعيات على مستويات عدة
شهدت العلاقات الأردنية-الإسرائيلية تطورا لافتا خلال الأيام الماضية مع إعلان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني انتهاء العمل بمحلقين في معاهدة السلام (اتفاقية وادي عربة)، الموقعة مع إسرائيل عام 1994، خاصين بمنطقتي الباقورة والغمر، بموجبهما أعطيت لهاتين المنطقتين وضعية خاصة، حيث كانتا رسميا تحت السيادة الأردنية رسميا لكن مع اتفاقية حق انتفاع بالمنطقتين للإسرائيليين لمدة 25 عاما، قابلة للتجديد ما لم يعترض أحد الطرفين على ذلك، بيد أنه مع إتمام اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين عامها الـ25 أبلغ الأردن الجانب الإسرائيلي في 12 أكتوبر 2018 بقراره عدم تجديد عقد تأجير أراضي الباقورة والغمر، لدخل هذا القرار حيز النفاذ في شهر نوفمبر الجاري.
وتتباين آراء المعنيين بشؤون المنطقة بين من يرى أن هذه الخطوة كانت متوقعة مع انتهاء الأجل المحدد في ملحق الاتفاقية، ومن ثم لن يكون لها تأثير يذكر، وأطروحات أخرى تؤكد أن الخطوة الأردنية ستترك بصمات واضحة على مسار العلاقات بين الجانبين، خاصة أنها تشهد توترات ملحوظة خلال الأشهر المنصرمة.
محددات الموقف الأردني: الأسباب والدوافع
هناك مؤشرات عدة على أن قرار القيادة السياسية الأردنية بخصوص تأجير أراضي هاتين المنطقتين جاء مدفوعا ومشفوعا بضغوط واسعة من قبل الرأي العام وبعض القوى السياسية مثل النقابات، تبلورت تلك الضغوط مثلا مع توجيه نقابة المحامين إنذارا يطالب الحكومة بعدم تجديد قرار تأجير المنطقتين لإسرائيل، فيما تنوع الداعون إلى إنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر ضمن اتفاقية السلام، بدءا من أعضاء مجلس النواب وصولاً إلى تنظيم أحزاب سياسية فعاليات وطنية وشعبية.
بيد أن هناك ما يؤشر أيضا على تلاقي الإرادة الشعبية المطالبة بإنهاء الاتفاقية مع الموقف الرسمي للأردن، والذي ينطوي على قدر كبير من الغضب إزاء السياسات الإسرائيلية، ولعل هذا ما دفع الأردن للإعلان مبكرا بإعلان نيّة عدم تجديد الاتفاقية في أكتوبر من العام الماضي، على الرغم من طلب إسرائيل تمديد العمل بالملحق.
ويفسر المراقبون ذلك في ضوء ما تواجهه العلاقات الأردنية الإسرائيلية من تحديات كبيرة، مع تدهور العلاقات بين الجانبين، ورفض الأردن أي مساومة في الملفات الصعبة لعملية السلام في الشرق الأوسط مثل القدس والدولة المستقلة والتوطين، ويرى مراقبون أن الأردن يحمّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته أسباب هذا التدهور الذي وصل لاستدعاء الأردن سفيره من تل أبيب، خاصة أن حكومة نتنياهو تعمدت في السنوات الأخيرة إهمال عمان بعد أن كان رقما أساسيا في معادلات عملية السلام في المنطقة.
وإجمالا يحدد المعنيون بشؤون المنطقة ملامح التعارض بين المصالح الأردنية وسياسات الحكومة الإسرائيلية، في 3 قضايا رئيسية، هي:
- السياسات والإجراءات الإسرائيلية التي تنتهك حرمة المسجد الأقصى، بما في ذلك الاقتحامات المتكررة من قبل الوزراء والنواب والمستوطنين الإسرائيليين، الأمر الذي يثير امتعاض رأس الدولة الأردنية بسبب تعارضه مع الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للمسجد الأقصى.
- سياسات الاستيطان الإسرائيلية الهادفة لتمزيق الأرض الفلسطينية بالمستوطنات بما يجعلها طاردة لشعبها، ويدفعهم نحو الرحيل للأردن، مما يمس بالأمن الوطني الأردني، الذي يقطنه الآن 2,2 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة.
- تعارض بعض المصالح الاقتصادية بين الجانبين، وهو ما تجلّى مثلا مع قيام تل أبيب بناء مطار بميناء إيلات، وهذا يتعارض مع مطار الملك حسين بالعقبة، ويستهدف المصالح الأردنية من خلال بيع زيارة مدينة البتراء برزمة سياحية إسرائيلية واحدة، وكأن البتراء ووادي رم جزء من الخارطة السياحية الإسرائيلية للأوروبيين والأمريكان، ومن ثم يتعارض مع المصالح الأردنية، ولعل هذا التعارض في المصالح الاقتصادية هو ما يفسر حقيقة أن غالبية المشروعات المقترحة في اتفاقية السلام بين الجانبين ما زالت معلقة منذ 25 عاما، لا سيما مشروع بناء مطار مشترك، وخطط لمدّ قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت لإنقاذ الأخير من الجفاف، ومشروع بوابة الأردن التي يفترض أن تخدم كمنطقة صناعية مشتركة.
تداعيات إنهاء عقد تأجير الباقورة والغمر
يتوقع أن يترتب على القرار الأردني بإلغاء ملحقي اتفاقية وادي عربة عدد من التداعيات على مستويات عدة، فعلى المدى القصير من المنتظر أن تنشأ بعض التغييرات في الأوضاع القانونية لأراضي المنطقتين بسبب ترتيبات الإلغاء.
فبموجب ملحق اتفاق وادي عربة لم تكن أراضي الباقورة والغمر تخضع لقوانين الجمارك الأردنيّة، كما لم يكن يحق للأردن تطبيق قوانينه الجنائية على المواطنين الإسرائيليين المؤجرين لبعض الأراضي بسبب نشاطاتهم في المنطقتين طيلة فترة الاتفاق، كذلك كان على الأردن أن يسمح بدخول رجال الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي، بالحد الأدنى من الشكليات، إلى المنطقة، لغرض التحقيق في الجرائم أو معالجة الحوادث الأخرى المتعلقة حصرا بمستعملي الأراضي أو ضيوفهم أو مستخدميهم.
فيما تعهدت إسرائيل، حسب الملحق، بعدم القيام أو السماح بقيام أية نشاطات في المنطقة من شأنها "الإضرار بأمن الأردن أو سلامته، وبعدم السماح لأي شخص يدخل المنطقة بموجب هذا الملحق (ما عدا ضباط الشرطة في الزي الرسمي) بحمل أية أسلحة من أي نوع في المنطقة، ما لم يرخص له بذلك من قبل السلطات الأردنية المختصة.
أما في أعقاب القرار الأردني بعدم التمديد فسوف يتم تطبيق قانون الحدود والأجانب الأردني على كل من يملك حقا في أراضي المنطقة الحدودية، ليسمح له بالدخول كأجنبي أو مستثمر بتأشيرة من المراكز الحدودية المعتمدة، وليس كما كان سابقا، حيث كان هناك ممر خاص للمزارعين الإسرائيليين بدخول الأردن، كما سيطبق القانون على المنتفعين بالسماح لهم دخول البلاد عبر جسر الشيخ حسين بتأشيرة كأي زائر أجنبي، يود دخول البلاد وضمن المعاملة بالمثل.
وفي هذا السياق، يجوز للمواطنين الإسرائيليين التملك في الأردن، إذ ألغى الأردن قانون المقاطعة على إسرائيل، وأصبح للمواطن الإسرائيلي حق التملك في الأردن كما للأردني حق التملك في إسرائيل.
كم يشار إلى أن الأردن حاول تجاوز التعقيدات المتوقع أن تترتب على التغيير في المحددات القانونية، حيث أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن بلاده عرضت على الجانب الإسرائيلي شراء حقوق ملكية تعود لإسرائيليين في منطقة (الباقورة) إلا أن الجانب الإسرائيلي رفض البيع.
في السياق ذاته، أكد كبير الدبلوماسيين الأردنيين أن بلاده ستسمح للمزارعين الإسرائيليين بحصاد محاصيلهم الزراعية لفترة قد تستغرق 3 أو 4 أشهر، وسيتم ذلك وفق القانون الأردني، ما يعني أن هناك مرحلة انتقالية ربما تمتد إلى شهر أبريل المقبل مثلما تم إعلانه لاحقا.
من ناحية أخرى، يلفت كثيرون الانتباه إلى أن قرار الأردن بعدم تمديد حق انتفاع إسرائيل بأراضي الباقورة والغمر سوف تكون له نتائج اقتصادية شديدة الإيجابية على الاقتصاد الأردني، لا سيما قطاع الزراعة على المدى الطويل، وهو ما يرتبط بالموقع الجغرافي والخصائص الطبيعية للمنطقتين، حيث تقع الباقورة شرق نقطة التقاء نهري الأردن واليرموك في محافظة إربد (في الشمال)، وتبلغ مساحتها نحو 6 آلاف دونم (الدونم = ألف متر مربع). أما الغمر فتقع في منطقة وادي عربة بمحافظة العقبة (في الجنوب)، وتقدر مساحتها بنحو 4 آلاف دونم.
وكلتا المنطقتين من أخصب المناطق الزراعية، حتى أن إسرائيل تمكنت (خلال فترة احتلالها لهما ثم بموجب عقد الانتفاع بعد اتفاقية السلام) من فلاحة 800 دونم من أراضي الباقورة و1500 دونم من أراضي الغمر، أنتجت لها أفضل أنواع الخضراوات والفواكه وغيرها من المنتجات الزراعية ذات القيمة السوقية العالية التي أدرت على تل أبيب دخلا بالملايين، مع تصديرها إلى مختلف دول العالم.
ويرى الخبراء أن الخبرة الإسرائيلية في استزراع أراضي المنطقتين سوف يكون لها أثر إيجابي على القطاع الزراعي في الأردن بصفة عامة، خاصة أن التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية شديدة التطور، ومن ثم إذا تم تعميمها سترفع في سنوات قليلة الإنتاجية والنوعية في كل المناطق الزراعية بالأردن والتي لا تزال غالبيتها تطبق نظما تقليدية نسبيا.
وفي حال تحقق ذلك سيتجاوز التأثير الاقتصادي لقرار الأردن وقف انتفاع إسرائيل بمنطقتي الباقورة والغمر حدود القطاع الزراعي بأسره، لأن عمليات التحديث التي سيشهدها القطاع لتتوافق مع تبني التكنولوجيا المتبعة في هاتين المنطقتين سوف تفضي في نهاية المطاف إلى فتح أسواق جديدة وخلق فرص عمل لاستيعاب وتنفيذ عمليات التحديث.
وعلى الرغم من ذلك يتخوف البعض من أن فرص الاستغلال الاقتصادي لأراضي هاتين المنطقتين ربما يواجه عدد من القيود، منها على سبيل المثال كثرة الإجراءات الأمنية المرتبطة بوضعهما الجغرافي باعتبارهما منطقتين حدوديتين مع إسرائيل، فضلا عن التشابكات الاقتصادية والقانونية المرتبطة بتملك بعض المزارعين الإسرائيليين أراضي في نطاق هاتين المنطقتين. بيد أن هناك أطروحات ترى أنه من الممكن احتواء مثل هذه القيود والتغلب عليها عبر إخضاع عملية إدارة المنطقتين للمؤسسات الأمنية في البلاد، ربما من خلال إنشاء شركات تعاونية وطنية تديرها القوات المسلحة.