العلاقات الأردنية الإسرائيلية سيحكمها عدة اتجاهات جدية قائمة ومحتملة، وفقا للمعطيات الجديدة.
أعلن الملك عبدالله الثاني في 21 أكتوبر الجاري أنه ينوي إلغاء ملحقات اتفاقية السلام مع إسرائيل، التي تتطرق إلى استئجار إسرائيل أراضي في منطقتي الباقورة والغمر، وجاء قرار الملك عبدالله الثاني تزامنا مع اقتراب موعد قرار الحكومة الأردنية بشأن التعامل مع أراضي الباقورة والغمر المؤجرتين لإسرائيل في نهاية الشهر الجاري، حيث أثيرت تساؤلات عديدة بشأن ما سوف يتخذ من قرار وتأثيراته على شعبية الحكومة الأردنية بوضعها الراهن، ومدى تقبل الرأي العام لقراراتها، خاصة أن أزمة قانون الضريبة ما زالت قائمة، وهو ما يمكن أن يتكرر بشأن وضع أراضي الباقورة والغمر، خاصة مع التوقع بمراوغات إسرائيلية متوقعة، وهو ما برز في ردود الفعل الإسرائيلية عقب صدور توجيهات الملك عبدالله الثاني.
من الواضح أن توجيهات الملك عبدالله أدت إلى حالة من الارتياح الشعبي والجماهيري، وفوتت الفرصة على جماعة الإخوان المسلمين والتيار اليساري والنقابي إثارة الموضوع وركوب موجة المواجهة مجددا، وتكرار مشهد الحراك الشعبي عقب صدور قانون الضريبة منذ عدة أشهر
أولا: تم تأجير الباقورة والغمر لإسرائيل ضمن ملحقين خاصين بهما في اتفاقية وادي عربة، بتعريفات وشروط محددة في المنطقتين باستثناء أنه في حالة الباقورة يشار إلى المستوطنين فيها بأنهم المتصرفون في الأرض، بناء على مقدمة في ملحقها تقر فيها حقوق ملكية أرض خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلية، أي أن الجانب الأردني هنا أقر لإسرائيل والإسرائيليين بـ"ملكية" الأرض سياسيا، أما في حالة الغمر فاستولى مستوطنون على أراض زراعية ومياه جوفية أردنية منذ سنوات، بخرقهم حدود هدنة عام 1967 وعلى امتداد 128 كم من الحدود طولا، وبمساحة كلية تصل إلى 387.4 كم2 يشير الملحق (ب) من الملحق رقم 1 من معاهدة وادي عربة، إلى أن الوضع يبقى نافذ المفعول لمدة 25 سنة، ويجدد تلقائيا لفترات مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيته بإنهاء العمل بهذا الملحق قبل سنة من انتهائه، وفي هذه الحالة يدخل الطرفان في مشاورات حيالها بناء على طلب أي منهما.
ثانيا: استمرار حالة التجاذب الرسمي والشعبي (الأحزاب والنقابات) بشأن آليات التعامل المستقبلي على الأراضي الأردنية (الباقورة والغمر) خاصة أن الوجود الإسرائيلي مؤقتا، ولم يرتب أي حل بشأن استمرار أو إنهاء الوجود الإسرائيلي من الأراضي التي يرمز لها شعبيا وجماهيريا بأنها أراض ذات سيادة أردنية بصرف النظر عن نص المعاهدة، مع وجود حالة من الرفض الشعبي العام لاستمرار تأجير الأراضي الأردنية لإسرائيل، والمطالبات الشعبية المتكررة في حالات سابقة، وطوال السنوات العشر الأخيرة بإنهاء الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي (تم تقديم عدة استجوابات في مجلس النواب حول الموضوع، مع التركيز على أن الموافقة الأردنية السابقة على وضع 830 دونماً تحت نظام خاص يسمح لإسرائيل باستخدامها لمدة 25 عاما تحت بند حقوق ملكية خاصة يعد أمرا مؤقتا).
ثالثا: ترتبط إشكالية الأراضي الأردنية بقضية التطبيع مع إسرائيل، ولا تقل أهمية عن قضية استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، والذي لم تنتهِ حتى مع توقيع اتفاق رسمي بين الجانبين، وتم تمريره في مجلس النواب الأردني (كانت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية المملوكة بالكامل للحكومة وقعت اتفاقا مع شركة نوبل إنيرجي الأمريكية المطورة لحوض غاز شرق البحر المتوسط في سبتمبر 2016 لاستيراد 40% من حاجة الشركة من الغاز الطبيعي المسال لتوليد الكهرباء من إسرائيل، ومن المتوقع البدء بضخ الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى الأردن مع بداية عام 2020، بعد الانتهاء من مراحل إنجاز الخط الخاص بنقل الغاز، وتاريخيا استمر ترقب وحذر الحكومات الأردنية تباعا من الاقتراب من ملف الأراضي الأردنية واستمرار الوجود الإسرائيلي فيها، والتذرع سياسيا وإعلاميا بأن هناك معاهدة تحكم إطار العلاقات الثنائية بين البلدين.
رابعا: تخوف الحكومة الأردنية من فتح ملفات أخرى مرتبطة بملف تأجير الأراضي الأردنية لإسرائيل، الخاصة بمجالات التعاون والتعامل مع إسرائيل وأخطرها مسألة التطبيع في مجالات الغاز والتعاون الثنائي، والذي يظل محل رفض شعبي كبير مع إدراك الحكومة الأردنية أن إلغاء عقود تأجير الأراضي الأردنية لإسرائيل سيرفع من أسهم الحكومة شعبيا، ويمكن استثماره داخليا ولكنه سيكون مكلفا في أبعاده الأخرى، والتي تتعلق ببنية العلاقات الأردنية الإسرائيلية، والتي استمرت منذ توقيع معاهدة السلام في وادي عربة بين الجانبين، هذا في ظل تضارب تصريحات بعض الوزراء في حكومة عمر الرزاز إزاء التعامل المتوقع مع الملف بعد صدور التوجيهات الملكية ما بين فريقين: الأول النظر لملف الأراضي في الباقورة على أنها ملكية وليس تأجيرا لإسرائيل، ومن ثم فإن الأمر ليس عقود إيجار ستنتهي، وهو ما يشير إلى وجود اتفاق غير معلن لم يطرح على الرأي العام، والثاني يرى أن المصالح العليا للأردن تتطلب استعادة الأراضي بالكامل، وإزالة حالة الاحتقان الراهنة في الشارع جراء استمرار هذا الوضع، وفصل ما هو جارٍ من ملفات أخرى تتعلق بالعلاقات مع إسرائيل (اتفاق الغاز) وملف الأراضي الأردنية في الباقورة والغمر.
خامسا: وفقا لهذا المشهد غير الواضح واستمرار حالة التجاذب بين الحكومة من جانب والقوى السياسية والشعبية من جانب آخر نشير إلى الحلول المتاحة، أهمها السيناريو الانتقالي: يمكن للحكومة الأردنية ترجمة موقف الملك عبدالله الثاني واستعادة الأراضي الأردنية المملوكة للدولة بعد انتهاء التوقيت الزمني المحدد (نهاية الشهر الجاري) بناء على الاتفاق المشترك بين الجانبين، مع إعادة النظر في بعض الأراضي المملوكة لإسرائيليين، ووفقا لما يتم القبول به وهو حل ينزع حالة الاحتقان الراهن في الشارع، ويمنع حدوث حالة جديدة من الحراك الشعبي تتحسب الحكومة الأردنية من حدوثه وفي ظل بقاء الأمر معلقا بالنسبة لقانون الضريبة في مجلس النواب والسيناريو النهائي يمكن للحكومة الأردنية الإعلان نظريا عن تطبيق نصوص الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي بصورة مباشرة وعدم الدخول في مفاوضات جديدة مع إسرائيل، خاصة مع التخوف من اختلاق الحكومة الإسرائيلية ذرائع جديدة تتعلق بآليات التنفيذ، خاصة أن معاهدة وادي عربة لا تتضمن بنودا محددة في حال التباين في وجهتي النظر، وهو ما يؤكده رئيس الوزراء نتنياهو بأن إسرائيل ستدخل في مفاوضات جديدة مع الأردن لبحث إمكانية تمديد الاتفاق القائم، خاصة مع وجود العديد من القيود التي يمكن أن تطرح حال تسليم الأراضي التي تواجدت فيها عناصر من المستوطنين المقيمين منذ 25 عاما.
والسيناريو المفتوح: تأجيل النظر في الملف بكل تبعاته المطروحة منعا لحدوث إشكاليات حقيقية في مجرى العلاقات الإسرائيلية الأردنية والتي شهدت تطورات إيجابية في الفترة الأخيرة، وعلى غرار ما جرى في اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل والتي ظلت لمدة طويلة دون حسم واستثمرت الحكومة الإسرائيلية وقتها المناخ السياسي الداخلي ونجحت في تمريره في مجلس النواب، وهو ما يمكن أن يجري في ملف الأراضي الأردنية.
سادسا: وفقا لما سبق فإن العلاقات الأردنية الإسرائيلية سيحكمها عدة اتجاهات جدية قائمة ومحتملة.
الأول: استمرار حالة التجاذب مع عدم الاصطدام، وهو الاتجاه الأرجح في ظل حرص الجانبين على بنية العلاقات المشتركة، وهي بنية تأسست منذ أكثر منذ 25 عاما من عمر معاهدة وادي عربة، ومن ثم فإن الاتفاق على إعادة النظر في ملف أراضي الباقورة والغمر سيحكمه عديد من المعطيات الحاكمة لمسار العلاقات، خاصة أن إسرائيل لديها من وسائل الضغط ما يمكن أن تلوح به في الفترة المقبلة خاصة في ملف المياه، ولهذا يفهم أن تهديد وزير الزراعة اوري أرئيل بقطع المياه عن عمان، من خلال تقليص المياه التي تزود بها عمان من 4 أيام إلى يومين في الأسبوع، دليل على هذا التوجه.
الثاني: استمرار حالة الاستنفار مع حرص أردني على ضبط الأزمة بحدودها المتصاعدة إلى حين الدخول في مفاوضات التنفيذ، سواء بالقبول الإسرائيلي أو إبداء مزيد من التحفظات على ما طرح أردنيا مما يعني أن الحكومة الإسرائيلية لن تتعجل في التعامل مع تبعات الإعلان الملكي والانتظار لحين ترتيب خياراتها بصورة كاملة، مع عدم الاندفاع على إبداء مواقف حقيقية، خاصة مع رهانات اليمين الإسرائيلي على التعامل مع الملف من منظور مصلحي واعتماد على خيار التصعيد وتبني سياسات هجومية، ردا على الموقف الأردني ومن ثم فإن إسرائيل ستبدو في هذا الاتجاه الأقوى والأكثر تأثيرا وتفاعلا.
الثالث: التعامل مع الملف من منظور شامل وبصورة تكاملية وهو ما يعني ربط ملف الأراضي بفكرة تبادل الأراضي وبمنطقة غور الأردن وبصفقة القرن، والتلويح بإدخال خيارات الوطن البديل ضمن منظومة الأوراق الإسرائيلية التي ستعمل على توظيفها مما قد يؤدي لتبعات حقيقية على إدارة المشهد المستقبلي في العلاقات، وهو ما قد يمثل تحديدا حقيقيا أمام الحكومة الأردنية التي تتخوف من ربط الملفات في إطار واحد مما قد يخسرها مبدئيا، ويذهب بجميع الأوراق الأردنية ليس في ملف الأراضي في الباقورة والغمر فقط وإنما أيضا بملف صفقة استيراد الغاز من إسرائيل وبملف الحصول على المياه، وهي ملفات غاية في الأهمية للأردن.
وفقا لتطور المواقف الراهنة للحكومة الأردنية وتوجهات القوى السياسية الرسمية والشعبية من جانب وموقف الملك عبدالله الثاني الرسمي فإن ملف أراضي الناقورة والغمر بكل تفاصيله المطروحة مرشح للتصعيد وليس الحسم النهائي في الفترة المقبلة، ومن الواضح أن توجيهات الملك عبدالله أدت إلى حال من الارتياح الشعبي والجماهيري، وفوتت الفرصة على جماعة الإخوان المسلمين والتيار اليساري والنقابي لإثارة الموضوع وركوب موجة المواجهة مجددا، وتكرار مشهد الحراك الشعبي عقب صدور قانون الضريبة منذ عدة أشهر، ومن ثم فإن الحكومة لن تقدم على طرح أية مواقف مباشرة ومعلنة (مع الاستمرار في الإجراءات التنفيذية شكلا مع مجلس النواب لتنفيذ توجيهات الملك عبدالله)، خاصة أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية تمر بفترة إيجابية مع تسمية السفير الأردني الجديد غسان المجالي في إسرائيل، والالتزام باتفاق توريد الغاز الإسرائيلي للأردن، وهي أمور تشير في مجملها إلى حرص مشترك على عدم الاصطدام والتعامل المشترك، والعمل على تنحية العلاقات الخاصة بعيدا عن التأثيرات والتدخلات الشعبية الأردنية، والتي كانت وطوال السنوات الأخيرة ضد تطوير العلاقات المشتركة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة