ضريبة المبيعات الإلكترونية في الأردن.. متى يبدأ كابوس المتسوقين؟
مع إعلان الحكومة الأردنية بدء تطبيق قرار جديد يتعلق بالرسوم الجمركية وضريبة المبيعات على الطرود البريدية اعتبارا من فبراير/شباط 2026، يبرز تساؤل رئيسي: إلى أي حد سيؤثر هذا الإجراء على المواطنين؟
تصاعدت مخاوف شريحة واسعة من الأردنيين، بينهم سارة زيدان التي اعتادت منذ سنوات شراء احتياجاتها من مواقع إلكترونية عالمية.
تقول سارة لرويترز، وهي موظفة وأم لثلاثة أطفال، إن ملابس أطفالها وأحذيتها وحتى أدوات المطبخ، كانت تصلها خلال أيام عبر طرود لا تتجاوز قيمتها 200 دينار "والجودة عالية والسعر أقل من السوق المحلية، والعملية أسهل من جولات طويلة في المولات (مراكز التسوق)".
لكن ابتداء من فبراير/شباط 2026، ستُعفى هذه الطرود من الرسوم الجمركية التي لا تتجاوز خمسة دنانير (سبعة دولارات)، بينما ستُفرض عليها ضريبة مبيعات بنسبة 16%، وهي نسبة ترى سارة أنها "سترفع التكلفة بشكل كبير، وتلغي سبب الشراء من الخارج أساسا".
وأظهرت إحصائيات رسمية أن عدد الطرود البريدية خلال عام 2024 بلغ 39 مليون طرد كما بلغ عدد الطرود الواردة إلى المملكة عبر المنصات الإلكترونية 1.7 مليون في عام 2023، وارتفع إلى مليونين في عام 2024، بينما بلغ عدد الطرود الصادرة عام 2023 قرابة 100 ألف.
كثير من المتسوقين عبر الإنترنت يشعرون أن القرار موجّه لدعم التجار المحليين على حساب المستهلك، كما أن القرار غير واضح بشكل كبير ولا يفسر ما هو مشمول وما هو غير مشمول.
تقول سارة "نحن لا نشتري من باب الرفاهية... نبحث عن جودة أفضل وسعر مناسب، ومع ذلك نعاقب".
بالنسبة لسارة، هذا التغيير يعني إعادة التفكير في كل طلب كانت تطلبه سابقا بسهولة.
تأثير القرار على الأعمال الصغيرة
في أحد أحياء عمّان الشرقية، تجلس ريم جاد الله تراجع عشرات الرسائل من عميلاتها المعتادات.
ريم ليست صاحبة متجر تقليدي فهي تعمل من المنزل وسيطة لطلبات "شي إن" منذ أربع سنوات وهو العمل الذي تحوّل إلى مصدر رزق رئيسي لها ولأسرتها بعد وفاة زوجها.
تشرح ريم أن كثيرات من عميلاتها لا يملكن بطاقة دفع إلكترونية، أو يفضلن شراء الطلبات عبر وسيطة تفهم المقاسات، وتتابع الشحنات، وتضمن وصول الطرود.
وتقول "كنت آخذ عمولة بسيطة...وكلنا كنا مستفيدين".
لكن اليوم، ومع إعلان تطبيق قرار فبراير/شباط 2026 ترى ريم مستقبل عملها يبتعد خطوة بعد خطوة.
خلال الأيام الماضية، انهالت أسئلة العميلات عن الارتفاع المتوقع في الأسعار، وبعضهن أوقفن الشراء مؤقتا، فيما قررت أخريات العودة للتسوق من الأسواق المحلية.
تخشى ريم أن يهدد القرار مصدر رزقها الوحيد "بدأ الطلب يخف... لو ارتفعت أسعار الطلبات، كتير من البنات ما رح يطلبن".
الحكومة: القرار لحماية المنتج الوطني
أكد يعرب القضاة وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني أن قرار مجلس الوزراء بشأن تعديل الرسوم الجمركية يهدف إلى حماية المنتج الوطني وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية.
وقال القضاة لرويترز إن "التعديلات محدودة ولا تشمل المواد الغذائية أو السلع الأساسية، ولا تحمل أثرا كبيرا على المواطن أو الخزينة".
وأشار إلى أن القرار جاء بناء على دراسات اقتصادية منهجية، مضيفا أن تأثيره المالي محدود جدا، لكنه يعد خطوة ضرورية لتعزيز قدرة الأردن على زيادة الصادرات وتقليص العجز التجاري.
وأوضح القضاة أن الحكومة وافقت على توصية مجلس التعرفة الجمركية بإجراء تعديلات محدودة على الرسوم، عبر زيادة الرسوم على السلع التي لها بديل محلي، بهدف دعم الصناعات الأردنية وتعزيز تنافسيتها في السوق.
ردود فعل متباينة
قال ماهر حجات المتحدث الإعلامي للجمعية الوطنية لحماية المستهلك إن "المواطن دائما هو الحلقة الأضعف إذ يتحمل الرسوم والضرائب وأرباح التجار سواء اشترى عبر الوسطاء أو مباشرة من الأسواق".
واعتبر أن القرار "جاء استجابة لضغوط التجار للحد من هذا النوع من الشراء الذي أصبح العالم كله يتعامل به" ولكن ضمن شروط وأسس وتشريعات منظمة.
وأضاف "المواطن هو المتضرر من هذا القرار لأن الوسطاء سيحملون هذه الضريبة عليه وبالتالي سيتحمل كلفة إضافية على السعر الذي كان يدفعه للوسطاء".
إلا أن سلطان علان ممثل قطاع الألبسة في غرفة تجارة الأردن أكد دعمه للقرار الحكومي بشأن تعديل الرسوم الجمركية على الطرود البريدية، مشيرا إلى أنه يحقق جزءا من العدالة المطلوبة.
وقال علان لرويترز إن "الممارسات العالمية تقوم على حماية التاجر المحلي وتحقيق المساواة، وهذا ما نأمل الوصول إليه".
وأشار إلى أن تطبيق القرار سيكون مع بداية فبراير شباط 2026، مع آلية جديدة تمكّن الجهات الرسمية من التفريق بين التاجر غير المرخّص والمستهلك الحقيقي.
وأوضح علان أن "أغلب دول العالم تعتمد نظاما متساويا. نحن ندفع 32 بالمئة في شكل رسوم وضرائب، فكيف يمكن تمييز المواقع الإلكترونية الخارجية بنسبة 16 بالمئة؟".
من جانبه قال قاسم الحموري أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك إن قرار الحكومة قد يؤدي إلى تقييد حركة التجارة الإلكترونية في الأردن.
وأضاف "التجارة الإلكترونية تعاني أصلا من صعوبات مثل تحايل بعض البائعين أو عدم مطابقة السلعة المعروضة على السوشيال ميديا للواقع. والحكومة زادت من هذه الصعوبات بفرض الضريبة".
وقال الحموري إن الضغوط التي تمارسها الغرف التجارية ورجال الأعمال تُظهر أن القرار يأتي "في مصلحة التجار على حساب المواطن"، ودعا إلى أن تكون المبالغ الصغيرة معفاة من الضرائب والجمارك، لضمان أن يحصل المستهلك على احتياجاته البسيطة بكلفة معقولة، وتحفيز النشاط التجاري الإلكتروني على نحو عادل.
تقول ريم "أنا مش تاجرة كبيرة... أنا أم عم تشتغل من بيتها.. القرار رح يضر ناس مثلنا قبل ما يضر الشركات".