رحلة "الأخوة الإنسانية" من الإمارات إلى الأمم المتحدة.. دروس ملهمة
يأتي الاحتفال بتلك المناسبة بعد قرار أممي يعلن يوم 4 فبراير/شباط "يوماً دولياً للأخوة الإنسانية"، تقديراً وتخليداً لوثيقة "الأخوة الإنسانية".
وقّع هذه الوثيقة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، على أرض دولة الإمارات في مثل هذا اليوم عام 2019، برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
وفي إطار احتفالات دولة الإمارات بتلك المناسبة، تنطلق فعاليات مهرجان الأخوة الإنسانية في إكسبو 2020 دبي، اليوم الأربعاء، وتستمر أنشطته المحلية والعربية والدولية على مدى 5 أيام بمشاركة دولية بارزة.
ومنذ توقيع الوثيقة وإقرارها أممياً والاحتفال بها عالمياً مرّت "الأخوة الإنسانية" برحلة حافلة بدروس إماراتية مهلمة للعالم، تبرز قيم التسامح ونشر السلام وتعزز ثقافة الحوار واحترام الأديان وتترجم قيمة الأخوة الإنسانية وأهمية التعاون الدولي قولاً وفعلاً في مبادرات إنسانية رائدة.
تلك الرحلة تستعرضها "العين الإخبارية" في التقرير التالي:
نقطة البداية.. 1971
لم تبدأ رحلة اليوم الدولي للأخوة الإنسانية بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في 4 فبراير/شباط 2019، بل كانت لحظة التوقيع هي تتويج لسلسلة طويلة من الجهود التي بذلتها دولة الإمارات في سبيل تفعيل الحوار حول التعايش والتآخي بين البشر وسبل تعزيزه عالمياً.
قيم الأخوة الإنسانية التي تضمنتها الوثيقة هي نهج وسياسة إماراتية منذ تأسيس الدولة عام 1971، فمنذ تأسيسها قدّمت الإمارات مساعدات خارجية غير مشروطة على الصعيد العالمي لدعم النمو الاقتصادي في الدول النامية وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية للمجتمعات المحلية التي تحتاج ظروفها المعيشية إلى الحد من الفقر، وتعزيز السلام والازدهار، مع إيلاء اهتمام خاص بالنساء والأطفال أثناء الكوارث الطبيعية وفي مناطق الصراع.
وبلورت دولة الإمارات تلك الجهود عبر مبادرات ملهمة في السنوات الأخيرة حققت فيها سوابق عالمية عديدة.
كانت دولة الإمارات سباقة عالمياً في الإعلان عن تشكيل وزارة للتسامح في فبراير/شباط 2016 لتضطلع بمهمة ترسيخ التسامح كقيمة أساسية في المجتمع والعالم.
كما كانت دولة الإمارات سباقة على مستوى دول المنطقة في وضع الأطر القانونية والسياسات والإجراءات التي تضمن لرعايا 200 دولة يعيشون على أراضيها من جميع الديانات ممارسة شعائرهم الدينية بكل يسر وسلاسة، وبناء وتشغيل دور العبادة الخاصة بهم مثل المعابد، والكنائس وغيرها.
ولا ينسى العالم اللفتة الإنسانية الكبيرة، عندما وجّه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، عام 2017، بإطلاق اسم "مريم أم عيسى" عليهما السلام على مسجد الشيخ محمد بن زايد في منطقة "المشرف" وذلك ترسيخاً للصلات الإنسانية بين أتباع الديانات والتي حثَّنا عليها ديننا الحنيف والقواسم المشتركة بين الأديان السماوية.
كما كانت دولة الإمارات أول دولة في العالم تخصص عاماً للتسامح في 2019.
توقيع الوثيقة.. محطة تاريخية
وفي العام نفسه، استضافت دولة الإمارات المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، بهدف تفعيل الحوار حول التعايش والتآخي بين البشر وسبل تعزيزه عالمياً، والتصدي للتطرف الفكري وسلبياته وتعزيز العلاقات الإنسانية وإرساء قواعد جديدة لها بين أهل الأديان والعقائد المتعددة، تقوم على احترام الاختلاف.
وبالتزامن مع المؤتمر اجتمع على أرض دولة الإمارات قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف خلال الفترة من 3 إلى 5 فبراير/شباط 2019، تلبية لدعوة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وشارك الرمزان الكبيران في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين 4 فبراير/ شباط، ووقعا "وثيقة الأخوة الإنسانية"، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب، إلى جانب التصدي للتطرف وسلبياته.
وطالبت الوثيقة قادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي بالعمل جدياً على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فوراً لإيقاف سيل الدماء البريئة، ووقف ما يشهده العالم حالياً من حروب وصراعات.
وقد شهد حفل توقيع الوثيقة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، والمشاركون في "المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية"، الذي احتضن أكثر من 500 قائد ديني وروحي من مختلف دول العالم.
وخلال مراسم التوقيع على الوثيقة ودعماً لأهداف الوثيقة، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إطلاق الإمارات "جائزة الأخوة الإنسانية.. من دار زايد"، التي ستكرم في كل دورة منها شخصيات ومؤسسات عالمية بذلت جهوداً صادقة في تقريب الناس من بعضهم البعض.
وأعلن منح الجائزة في دورتها الأولى لقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف "لجهودهما المباركة في نشر السلام في العالم".
وتخليداً لذكرى الزيارة التاريخية المشتركة بين قداسة البابا فرنسيس، وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، لدولة الإمارات وإطلاقهما من أبوظبي "وثيقة الأخوة الإنسانية"، أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتخصيص مساحة أرض في جزيرة السعديات، وتشييد معلم حضاري جديد يُطلق عليه اسم "بيت العائلة الإبراهيمية".
وسيضم "بيت العائلة الإبراهيمية"، كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، ليشكل للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً، تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات.
تأسيس اللجنة العليا
وفي 19 أغسطس/آب 2019، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة تشكيل لجنة عليا لتحقيق أهداف الوثيقة.
وتتمثل المهمة الأساسية للجنة العليا للأخوة الإنسانية، وهي لجنة دولية مستقلة، في نشر قيم الأخوة الإنسانية والتعايش السلمي بين جميع الناس من مختلف الأديان والخلفيات والقوميات على مستوى العالم وتهدف جهودها إلى تحقيق تطلعات وثيقة الأخوة الإنسانية من خلال عقد الاجتماعات مع القيادات الدينية ورؤساء المنظمات الدولية وغيرهم من القيادات لتشجيع المبادرات التي من شأنها نشر السلام بين جميع الشعوب.
ومنذ توقيع الوثيقة تعمل دولة الإمارات بالتعاون مع الرمزين الدينيين الكبيرين، وعبر اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، على نشر الوثيقة وتطبيق مبادئها على أوسع نطاق، عبر تحويل الوثيقة إلى برامج ومبادرات ومشاريع على مستوى العالم.
اعتماد أممي بالإجماع
وضمن جهودها لتطبيق أهداف الوثيقة ونشرها على نطاق عالمي، قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، مبادرة للأمم المتحدة لاعتماد يوم 4 فبراير/شباط يوما دوليا للأخوة الإنسانية.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع يعلن يوم 4 فبراير/شباط "اليوم الدولي للأخوة الإنسانية"، تقديرا وتخليدا للمبادرة الإماراتية التاريخية.
وأشار القرار الأممي إلى اللقاء الذي عُقد بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية بتاريخ 4 فبراير/ شباط 2019 في أبوظبي، والذي أسفر عن التوقيع على "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك".
وأُعرب القرار عن القلق العميق إزاء الأعمال التي تحرض على الكراهية ضد الأديان وتقوّض روح التسامح، خاصةً أن العالم يواجه أزمة غير مسبوقة ناجمة عن انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
كما سلّط القرار الضوء على الحاجة إلى وجود استجابة عالمية للجائحة قائمة على الوحدة والتضامن والتعاون متعدد الأطراف.
وأكد القرار ضرورة المساهمات القيمة للشعوب من جميع الأديان والمعتقدات للإنسانية، وعلى دور التعليم في تعزيز التسامح والقضاء على التمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد، وأثنى على جميع المبادرات الدولية والإقليمية والوطنية والمحلية والجهود التي يبذلها القادة الدينيون لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات.
أول احتفال.. 4 فبراير 2021
واحتفل العالم للمرة الأولى باليوم الدولي للأخوة الإنسانية في 4 فبراير/شباط 2021، بفعاليات عديدة حول العالم.
وخلال احتفالية دولة الإمارات بتلك المناسبة، كرّمت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والناشطة الفرنسية من أصول مغربية المناهضة للتطرف لطيفة ابن زياتين بجائزة زايد للأخوة الإنسانية لعام 2021، تقديراً لما قدماه من أعمال جليلة ومبادرات مؤثرة وفاعلة جاءت منسجمة مع قيم ومبادئ الأخوة الإنسانية.
ويعد غوتيريش وزياتين أول فائزين بالجائزة بعد فوز الإمام الأكبر الشيخ الطيب والبابا فرانسيس بها شرفيها عند الإعلان عن تأسيسها فبراير/شباط 2019.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد قال إن الجائزة ستلهم الجميع في مواصلة الجهود الرائدة التي يبذلها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية للنهوض بالحوار بين الأديان وتعزيز الإنسانية المشتركة.
وقرر الأمين العام التبرع بقيمة نصيبه في الجائزة، 500 ألف دولار، لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين "لدعم جهودها التي لا غنى عنها لحماية الأكثر استضعافا في الأسرة البشرية وهم النازحون قسرا".
وسميت جائزة زايد للأخوة الإنسانية باسم "الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" تكريماً له وتجسيداً لقيم التواضع والإنسانية التي عُرف بها عبر تاريخه وأرسى قواعدها في شعبه.
الاحتفال الثاني.. 4 فبراير 2022
ويحتفل العالم، هذه الأيام، باليوم الدولي للأخوة الإنسانية، فيما يعد ثاني احتفال بهذا اليوم، منذ إقراره أممياً في أجندة الأيام العالمية، بعد أن تم احتفال به للمرة الأولى العام الماضي.
وبالتزامن مع اليوم العالمي للأخوة الإنسانية، تنطلق فعاليات مهرجان الأخوة الإنسانية في إكسبو 2020 دبي، الأربعاء، وتستمر أنشطته المحلية والعربية والدولية على مدى 5 أيام بمشاركة دولية بارزة.
وأعلنت وزارة التسامح والتعايش عن مشاركة أكثر من 40 وزارة وهيئة حكومية في مهرجان الأخوة الإنسانية الذي تنظمه الوزارة بالتعاون مع اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، بحضور ومشاركة الأزهر والفاتيكان، وبرعاية وحضور الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش.
وتركز الأنشطة التي تشارك بها هذه الجهات على ورش العصف الذهني والمنتديات، وورش العمل، وذلك تحت مظلة المبادرة الوطنية "الحكومة حاضنة للتسامح"، كما ستنظم لجان التسامح المنتشرة بكافة المؤسسات الحكومية أنشطة فرعية وداخلية في إطار المهرجان ضمن احتفالاتها باليوم العالمي للأخوة الإنسانية.
أيضاً استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في قصر البحر، الأربعاء، أعضاء اللجنة العليا للأخوة الإنسانية.
ورحب بالجهود التي تبذلها اللجنة لتعزيز قيم "وثيقة الأخوة الإنسانية" والتي جوهرها التآلف والتعايش والتفاهم بجانب إطلاق مبادرات تخدم البشرية جمعاء.
وأكد خلال اللقاء مواصلة نهج دولة الإمارات في العمل من أجل ترسيخ قيم التعايش والتآخي الإنساني والتآلف، مشيراً إلى أهمية تعزيز هذه القيم اليوم أكثر من أي وقت مضى خاصة في ظل التحديات المشتركة التي يواجهها العالم، فقد أكدت "جائحة كوفيد- 19" الحاجة الملحة للتعاون والتضامن الإنساني بين المجتمعات والدول لمواجهتها وتجاوز آثارها.
كما أكد دعم دولة الإمارات للجنة العليا للأخوة الإنسانية التي تعمل على تحقيق أهداف ومبادئ "وثيقة الأخوة الإنسانية" التاريخية.
ويحمل احتفال العالم بيوم الأخوة الإنسانية هذا العام أهمية خاصة مع قرب افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية" في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي خلال العام الجاري.
ويجسد "بيت العائلة الإبراهيمية"، ترجمة على أرض الواقع لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التاريخية، حيث يضم كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، بما يبرز القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، ويحفظ في ذات الوقت لكل دين خصوصيته، مقدمًا بذلك صرحًا عالميًا يجسد تواصل الحضارات الإنسانية والرسالات السماوية، ويعكس قيم الاحترام المتبادل والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث.
aXA6IDMuMTQ3LjEwNC4xOCA= جزيرة ام اند امز