أفراح وأرزاق.. «فُل لحج» محصول يُعيل آلاف العائلات اليمنية
تغنى الشعراء والإعلاميون في اليمن بعناقيد أزهار الياسمين البيضاء «الفُل»، كونها الأكثر شيوعاً وسعياً لاقتنائها؛ بسبب روائحها الزكية ودلالاتها السعيدة.
فروّجوا لاستخداماته المقرونة بالأفراح والليالي الملاح والمناسبات السعيدة في اليمن، من الأعراس إلى التكريم مرورا بحفلات التخرج بالكليات والمعاهد، والتي لا تكتمل إلا بالفُل، باعتباره "أيقونة الفرح".
كما تحول الفُل في اليمن، وخاصة اللحجي منه "نسبةً إلى محافظة لحج جنوب اليمن، إلى تقليد اجتماعي ورمز أسري لا بد منه، ولا غنى عنه في المناسبات.
فليس هناك أفضل من الفُل اللحجي ليتوج ليالي الأزواج ويزينها بعبق الحب وعبير المودة، ويكاد لا يخلو بيت يمني منه، خصوصا في المحافظات الجنوبية، مثل عدن، لحج، أبين، وحضرموت.
لكن ما لم يتغن به أحد، هو البُعد الاقتصادي والمعيشي الذي تمثله أزهار الفُل في اليمن عموما، وفي لحج على وجه الخصوص، كمصدر رزق ودخل مادي، لقاعدة واسعة من المزارعين أولا ثم البائعين ثانيا، في محافظة لحج.

واقع زراعة الفُل اليمني
عناقيد الفُل اللحجي، تعيل العديد من العائلات، وتمثل مصدر رزق لشريحة لا بأس بها من اليمنيين، الذين يعملون في زراعته وتجارته.
وبحسب المهندس الزراعي اليمني صالح حسين الشرفي، فإنه ورغم البهجة التي تنثرها عناقيد الفُل على اليمنيين، إلا أن المشتغلين في مجال زراعته لا يتجاوزون ما نسبته 24% من العاملين في قطاع الزراعة عموما في اليمن.
ويشير الشرفي في حديثه الخاص مع "العين الإخبارية"، إلى أن زراعة الفُل في اليمن تعتبر نشاطًا زراعيًا صغيرًا نسبيًا مقارنة بالمحاصيل الأخرى، مثل الحبوب، القات، الأعلاف، والفواكه، والمحاصيل النقدية مثل البُن والقطن.
وأضاف: "لا توجد بيانات أو إحصائيات رسمية دقيقة أو حتى بشكل منفصل عن حجم زراعة الفُل في اليمن، لكن ما ذكرناه من نسب يعود لأبحاث ودراسات علمية لمتخصصين محليين".

- اليمن والسعودية.. شراكة تنموية ترسم خريطة طريق للاستقرار الاقتصادي
- انفراجة في أزمة مرتبات الموظفين الحكوميين باليمن
لحج.. معقل الفُل
تعتبر محافظة لحج، المعقل الرئيسي للفُل اليمني، فمن هذه المحافظة تأتي أجود أصناف وأنواع الفل، بحكم مزارعه التي كانت وما زالت منتشرة في أرجاء المحافظة التي تلقب عند اليمنيين بـ"لحج الخضيرة".
ويقول المهندس الزراعي صالح الشرفي، إن هذه التسمية تعود إلى تخصص لحج بالزراعة، لمختلف المحاصيل منذ القدم، رغم تراجع هذا التخصص مؤخرا لأسباب بشرية وأخرى مناخية، فالحرب الحوثية أدّت إلى تراجع دور مؤسسات الدولة الزراعية بالعناية بالمحاصيل.
كما أن التغيرات المناخية، وموجات الجفاف التي ضربت لحج ومحافظات يمنية عديدة أثّرت على زراعة الكثير من المحاصيل، ومن بينها الفُل اللحجي، وبالتالي فإن هذا التراجع ينعكس على المشتغلين في زراعة الفُل، وفقا لحديث الشرفي.
ويضيف: "لكن تبقى لحج هي مصدر الفُل الأول، فلا فُل إلا الفُل اللحجي، فهو يوفر فرص عمل للمزارعين، ويمنح شباب المحافظة فرصة للعمل في بيعه والترويج له".

بيع البهجة
بمجرد الولوج إلى مدينة الحوطة، عاصمة محافظة لحج، اليمنية، حتى تقابلك روائح عناقيد الفُل الفوّاحة، المدلاة على أيادي وسواعد أبناء لحج السمراء العاملين في بيع وتجارة هذه الأزهار البيضاء العطرة.
كما لا يمكن للعين أن تخطئ بياض الفُل حين تروّج لها الأيادي السمر، في الجولات العامة والطرق الرئيسية داخل لحج، الباحثين عمن يشتري منهم عناقيد الفُل، والتي تتفاوت أسعارها بحسب المواسم، ووفق تكاليف التجهيز والإعداد وعناء صناعة العقود.
وفي النهاية، يبقى الفُل أكبر من مجرد رائحة تصنع البهجة وتُستكمل بها الأفراح والمناسبات، بل هو مصدر رزق ودخل مادي للعاملين في زراعته بالإضافة إلى بائعيه، الذين لا يبيعون أزهارا، ولكنهم يبيعون البهجة والفرح.