ليس قانون «جاستا» الذى أقره الكونجرس الأمريكى بأغلبية ساحقة تشبه الإجماع من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء
ليس قانون «جاستا» الذى أقره الكونجرس الأمريكى بأغلبية ساحقة تشبه الإجماع من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء (97 صوتا مقابل صوت واحد فى مجلس الشيوخ و348 مقابل 77 صوتا بمجلس النواب) وإبطاله للفيتو الرئاسى بنسبة تتجاوز الثلثين اللازمة لتعطيله, بالأمر العارض فى السياسة الأمريكية, بل ستظل له تداعياته على مجمل شئون المنطقة مستقبلا. وجاستا أو JASTA هو اختصار لعبارة «العدالة فى مواجهة رعاة النشاط الارهابى» Justice Against Sponsors of Terrorism Act وبموجبه يحق لأسر ضحايا حادث11 سبتمبر 2001 مقاضاة الدول والحكومات التى يثبت تورطها فى دعم أو تسهيل أو تمويل أى من أعضاء المجموعة التى قامت به أمام محاكم ا لولايات المتحدة ووفقا لقوانينها, ليشكل بذلك سابقة فى مجال العلاقات الدولية. لم يذكر القانون دولة بالاسم إلا أن الأنظار اتجهت مباشرة الى السعودية (وإن لن يقتصر عليها) لأسباب تتعلق بالمزاعم التى تم تسريبها حول الـ28 صفحة السرية التى اقتُطعت من التقرير الحكومى حول الحادث وادعاء أنها تضمنت أسماء شخصيات ومسئولين سعوديين كبار. ورغم أنه لم يُفرج بعد عن هذه الصفحات أوالتحقق منها , فقد تم الإسراع فى إقرار القانون وأصبح ساريا بالفعل.
وأكثر من ذلك بدأت كبريات الصحف الأمريكية الحديث صراحة عن إمكانية تصدع العلاقات بين واشنطن والرياض بعد تحالف وثيق دام لما يقرب من سبعة عقود, بل وقفز بعضها إلى ما يمكن أن تُفضى إليه التعويضات المالية حال صدور حكم قضائى - من حجز على الأصول الاستثمارية والممتلكات السعودية هناك والتى تُقدر بالمليارات, ولم تنس أيضا التذكير بضرورة تقليل الاعتماد على النفط الخليجى لوجود بدائل أخرى.
إذن وبعبارة واحدة فإن الأمر يبدو متجاوزا لمسألة قانون صدر فى جانب بعينه, ويُصبح السؤال المحورى هو لماذا الآن أى بعد مرور 15 عاما على حادث سبتمبر وما هى علاقته بالاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط وهل مازالت ثابتة أم تغيرت وتغير معها نمط تحالفاتها المستقرة؟.
من الصعب تناول هذا القانون بمعزل عن مقدماته السياسية ولا عن تطورات الأوضاع الاقليمية وبالأخص ما جرى على جانبها الآخر منذ توقيع الولايات المتحدة لاتفاقها التاريخى مع ايران حول تحجيم قدراتها النووية بعد قطيعة وحصار دام لعقود, وهو الاتفاق الذى لم يخل بالطبع من تفاهمات سياسية لإعادة صياغة توازنات القوة فى المنطقة وتحديدا بين المعسكرين السنى والشيعى. ولنربط مثلا بين توقيت قانون "جاستا" والحديث الشهير للرئيس الأمريكى الذى نُشر قبله بأشهر قليلة تحت عنوان "مذهب أوباما" والذى انتقد فيه - ولأول مرة - المملكة وضمها لقائمة من أسماهم براغبى «الركوب المجانى» فى الحرب على الارهاب التى تقودها بلاده وتأكيده أن العمليات الارهابية المنتشرة فى عالم اليوم والمستهدفة للغرب, هى لجماعات متطرفة سنية التى منها جاءت داعش وقبلها القاعدة, ثم دعوته لضرورة قبول فكرة التعايش واقتسام النفوذ بين الدولتين القائدتين للمعسكرين (السنى والشيعى) أى السعودية وايران, صحيح أن أمريكا سبق وتعاونت مع طهران فى أفغانستان وأتاحت لها بسط نفوذها فى العراق بعد غزوها له 2003 إلا أن الأمر لم يكن بهذه الصراحة ولم يرق إلى مستوى إستراتيجية جديدة الا مؤخرا. لذا فإعتراض أوباما على القانون الأخير لم يكن قويا حتى مع استخدامه «الفيتو» حيث أكد نفس معانيه فى حديثه المشار اليه, ولنفس السبب امتنع ــ ومازال ــ عن التدخل عسكريا فى سوريا, بل وأقر بدور رئيسى لروسيا فيها والتى تساند نظام بشار المدعوم من طهران وحزب الله الشيعى اللبنانى, ليس حفاظا على وحدة الأراضى السورية ولكن لكى يكون هناك توازن بين طرفى الصراع السنى والشيعى دون نصر حاسم لأحد منهما على الآخر, وبالتالى فإن كل ما قاله بصدد القانون لم يخرج عن التعبير عن خشيته من معاملة الدول الأخرى بـ «المثل» لمواطنين أو عسكريين أمريكيين.
فى المقابل, وفى مقال لافت نُشر بجريدة الحياة اللندنية (8/10/2016) للكاتب السعودى المعروف جمال خاشقجى بعنوان «دافع عن السنة ولا تبال» ملخص لطبيعة هذا الصراع، دعا فيه زعماء المنطقة السنة «عربا وتركا» وفق تعبيره «أن يتخلصوا من حرج الاتهام بالطائفية ويدافعوا عن حقوق السنة ولا يبالوا أو يتجملوا بالعبارات الانشائية مثل العروبة تجمعنا ولا يستمعوا للقوميين العرب ولا لليبرالييهم المزعومين» فضلا عن ثنائه على الرئيس التركى أردوغان خاصة فى معركته فى الموصل العراقى انتصارا للسنة.
وبغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع رؤيتة المنحازة و«الهوية» الطائفية التى أراد فرضها على الجميع, إلا أنه فى التحليل الأخير أعطى توصيفا واقعيا للصراع الاقليمى الطائفى بتشابكاته الدولية كما هو اليوم دون تجميل.
فى كل الأحوال, فإن الحالة السورية, التى يتقاتل فيها وعليها الطرفان, قد باتت تشكل حجر زاوية يسعى كل منهما لكسبها, وليست القمة الخليجية التركية التى عقدت بالرياض الأسبوع الماضى والبيان المشترك الذى صدر عنها, سوى انعكاس لنفس المعنى, فتركيا ــ أردوغان فى النهاية هى وريثة الامبراطورية العثمانية التى خاضت حروبا طويلة مع الدولة الصفوية الشيعية الفارسية فى ماضى الزمان. ومن ناحيتها، وكما هو متوقع، هاجمت طهران التى تتبنى سياسة توسعية مغلفة بالطائفية منذ تكريس حكم "ولاية الفقيه" بعد نجاح ثورتها 1979, الاجتماع وما نجم عنه بل وحمّلت أطرافه المسئولية عن تردى الأوضاع فى سوريا واليمن والبحرين والعراق وليبيا.
هكذا ستصعُب التسويات السياسية للأزمات وستطول الحرب, وستظل الولايات المتحدة ممسكة بالعصا من منتصفها تعزف على الوترين.
نقلا عن / الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة