انشقاقات العدل والمساواة السودانية.. سر التوقيت ومآلات الصراع
انقسام في الرؤى وتبادل الاتهامات ورفع الكارت الأحمر في وجه بعض القيادات، تطورات شقت طريقها إلى حركة العدل والمساواة السودانية، الأسابيع الماضية.
تلك التطورات أدت إلى انفصال الحركة إلى جناحين برئيسين، كل منهما يدعي الشرعية، متخذا من إلقاء الاتهامات سبيلا؛ لإثبات أحقيته بقيادة "العدل والمساواة".
فمن جناح يقوده جبريل إبراهيم إلى ثانٍ يرأسه سليمان صندل حقار، الذي فصله الأول، وجدت حركة العدل والمساواة نفسها، بعد 23 عامًا من تأسيسها، تفقد البوصلة، متأثرة بالمشهد العام الذي يتأثر بالاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
فهل انشقت الحركة؟
المستشار السابق للحركة وأحد القيادات التي شاركت في المؤتمر العام الاستثنائي بـ"أديس أبابا" جبريل آدم بلال، نفى من جانبه عدم وجود انشقاق بحركة العدل والمساواة، مشيرًا إلى أن مؤتمر أديس أبابا الأخير، يؤكد أن هناك حركة واحدة للعدل والمساواة.
وكانت بعض قيادات حركة العدل والمساواة الذين فصلوا من الحركة، على خلفية اتهامات بانحيازهم لقوات الدعم السريع، عقدوا مؤتمرا "استثنائيًا" في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، واختاروا صندل رئيسا جديدا للحركة بديلا عن جبريل إبراهيم.
وحول أسباب عقد هذا المؤتمر، قال جبريل بلال، إنه جاء بناء على انتهاء فترة رئاسة جبريل إبراهيم للحركة، مضيفا: انتخبنا جبريل في عام 2012 لدورة مدتها 4 سنوات وانتهت، وجرى التجديد له مرة أخرى في عام 2016 إلى عام 2020، إلا أنه لا يمكن التجديد للرئيس لأكثر من 8 سنوات.
وتابع: ظللنا نطالب منذ ذلك الوقت بضرورة الدعوة لمؤتمر عام، وطالبنا باحترام النظام الأساسي للحركة دون جدوى.
سر التوقيت
أما عن سر التوقيت؛ فقال جبريل بلال، إن هذه الفترة شهدت حدوث العديد من الإشكالات، بانفراد رئيس الحركة بالقرار السياسي، و"مخالفته" موقف الحركة (المحايد) في الحرب بين الجيش والدعم السريع، والوقوف على مسافة واحدة بين الطرفين، إلا أنه "انحاز بشكل واضح لجانب الجيش"، على حد قوله.
وبحسب بلال، فإن رئيس الحركة "حاول جرها إلى الدخول في معركة لا ناقلة لنا فيها ولا جمل، فيما موقفنا هو السلام الذي وقعناه في جوبا".
واستدل على قوله بأحداث 25 أكتوبر/تشرين الأول التي أطاحت برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، قائلا: إنه رغم تباين آراء قيادات الحركة حولها، إلا أن رئيسها انحاز لرأي الأقلية التي وصفت ما حدث بإجراءات تصحيحية، بينما رأته الأغلبية انقلابا.
"إشكالات اجتمعت فعجلت بانعقاد المؤتمر العام واختيار قيادة جديدة، لأننا وصلنا لقناعة أن الرئيس ومن حوله لا يرغبون في إقامة هذا المؤتمر"، يقول المستشار السابق للحركة وأحد القيادات التي شاركت في المؤتمر العام الاستثنائي، مشيرًا إلى أن المؤتمر العام قانوني ولائحي بالنظام الأساسي للحركة.
وعقد المؤتمر قبل أيام بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وناقش كل القضايا والنظام الأساسي للحركة، وأجرى بعض التعديلات بانتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس المنتهية ولايته وهو الدكتور سليمان صندل حقار، وكذلك رئيس للمجلس التشريعي وهو التيجاني التوم.
واتهم جبريل، رئيس الحركة بالعمل مع النظام السابق لعمر البشير، قائلا إنه "بعد 20 عاما حاربنا خلالها النظام السابق، يأتي الآن رئيس الحركة ويعمل معه وكأن شيئا لم يكن"،
وأكد أن تلك المواقف كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، ودفعت مؤتمر أديس أبابا للتأكيد على حيادية الحركة من هذه الحرب، وأن نكون على مسافة واحدة من الطرفين.
ما الخطة المستقبلية؟
يقول جبريل آدم أحد القيادات التي شاركت في المؤتمر العام الاستثنائي، إن المؤتمر أكد على انفتاح الحركة في المرحلة المقبلة على كل التكتلات والقوى السياسية بما فيها الحرية والتغيير بشقيها المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، ماعدا المؤتمر الوطني للنظام السابق، للعمل على وقف الحرب والعودة للحلول السلمية.
كما أكد على عدم اهتمامهم بالمشاركة في السلطة، مشيرًا إلى أن كل تركيزهم الآن ينصب على إيقاف الحرب، وعودة الشعب السوداني اللاجئ والنازح إلى منازله.
واعترف أن الحركة ارتكبت في الفترة الأخيرة أخطاء جسيمة، "لكننا تحررنا من هذه القيود اعتزازا بشعبنا، وأن مستقبلنا هو في مستقبل هذا الشعب".
اتهامات باطلة
في المقابل، نفى معتصم أحمد صالح، أمين الإعلام والناطق الرسمي للحركة جناح جبريل إبراهيم، أي تعامل مع النظام البائد، قائلا، إن الاتهامات باطلة، "لأننا وقعنا اتفاق السلام في جوبا، ما يحتم عدم الانحياز لأي جهة، فلذلك الاتفاق مقيدا، فكيف نحارب نظاما وقعنا معه".
وانتقد صالح، رئيس الجناح الجديد للحركة سليمان صندل الذي قال عنه إنه "ما زال مرتبطا بالحركة الإسلامية عكس الدكتور جبريل وشقيقه خليل من قبل؛ لأنهم ظلوا يقاتلون الحركة على مدى 20 عاما".
وبحسب الناطق الرسمي لحركة العدل والمساواة (جناح جبريل إبراهيم)، فإن المجموعة التي انشقت لا تستند مواقفها إلى أي أدلة، مشيرًا إلى أنه "إذا كان هناك تواصل مع الإسلاميين، فمن القيادات التي انشقت نفسها؛ حيث إن صندل كان المسؤول السياسي ومسؤول الترتيبات الأمنية ومسؤول شؤون الرئاسة والجهة المنوط بها التواصل مع الجهات السياسية كافة".
وتساءل: لماذا صمتت هذه المجموعة كل هذه الفترة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول قبل عامين حتى الآن، وما الذي استجد؟ مشيرًا إلى أن "صمتهم يؤكد أنهم أصحاب أغراض أخرى لا علاقة لها بالمزاعم التي أعلنوها".
وفند الاتهامات الموجهة للحركة بتمديد فترة الرئيس، قائلا إن "هذا يدل على جهل بالنظام الأساسي والذي ينص على أربعة أجهزة بالحركة منها المجلس الثوري والذي تكون لاتخاذ قرارات في حالة غياب الرئيس ومخاطبة التحالفات التي تلغي شخصية الحركة الاعتبارية"، مشيرًا إلى أن هذا المجلس عقد في مايو/أيار 2016 ومدد لكافة أجهزة الحركة عملها إلى حين انعقاد المؤتمر العام.
وحول أسباب تأخر عقد المؤتمر العام، قال صالح، إنه يعود لأسباب أمنية ولوجستية؛ فالظروف لم تسمح بعقده.
غير دستوري
أما عن مؤتمر أديس أبابا، فقال صالح، إنه يجب أن تكون هناك آلية للمؤتمرات العامة سواء كانت استثنائية أو عادية، مضيفا أن هؤلاء ليس من بينهم أعضاء في المؤتمر العام وليس من بينهم رئيس المؤتمر العام ولا نائبه أو مقرره، وهم الذين يدعون للمؤتمرات العامة الاستثنائية، وتكون بالتصعيد من القطاعات التسع المختلفة للمؤتمر العام، إلى جانب المكتب التنفيذي والمجلس التشريعي.
وأوضح أنه ليس من بين الذين اجتمعوا في أديس أبابا سوى أربعة أشخاص فقط هم أعضاء في المكتب التنفيذي، وخالفوا النظام الأساسي باللقاء في دولة خارجية دون علم رئيس الحركة، ولم يقدموا أي تقرير عن هذه المشاركة حتى يتسنى له معرفة هذا اللقاء.
وأضاف: عندما جرى استدعاؤهم للجنة للاستماع لكشف الأسباب التي حالت دون الإفصاح عن لقاء مزعوم عقد مع قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو في العاصمة التشادية أنجمينا، رفضوا التجاوب مع اللجنة، التي استغرقت حوالي شهر كامل لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء سفرهم لتشاد.
وشدد على أن هذه المجموعة لها أهداف أخرى لا علاقة لها بالنظام الأساسي ولا بأن الحركة لها علاقات مع فلول النظام السابق، مضيفا: دعينا لاجتماع تشاوري ناقش التحديات التي تواجه البلاد والحركة في اليومين الماضيين، وأكد على ضرورة عمل خارطة طريق وعلى شرعية وحيادية أجهزة الحركة، وشارك في هذا الاجتماع الجميع باستثناء الأربعة أشخاص.
ماذا تعني تلك الاتهامات؟
يقول رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني، إن انقسام المكونات السياسية والحركات السودانية أمر شائع، لأنه ليست هناك آليات لإدارة الخلاف في الرأي.
وأوضح رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن ما حدث في العدل والمساواة بعد فصل القيادات المهمة وإنكارهم عقد لقاء مع عبد الرحيم دقلو، كان يمكن أن يدار ذلك الخلاف داخل أجهزة الحركة بصورة ديمقراطية لحسمه.
ما آثار الانقسام؟
يقول ميرغني، إن ما حدث من انقسام بداخل الحركة سيضعفها، لأنه مرتبط بقوات الدعم السريع، إضافة إلى حركتي الهادي إدريس والطاهر حجر اللتين تأخذان موقفا من قوات الدعم السريع.
وأشار إلى أن ذلك الانشقاق، سيجعل اتفاق جوبا على المحك، وقد يؤدي إلى انهياره، مع توالي الانشقاقات.
aXA6IDE4LjIyNi4xNy4yNTEg جزيرة ام اند امز