انقسامات وانشقاقات.. "العدل والمساواة" في مهب نزاع السودان
لم تذر رياح النزاع الدائر منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، شيئا على حاله دون أن تزعزعه بالسودان.
وضربت العواصف السياسية القوية صفوف حركة "العدل والمساواة"، ما تسبب في انقسامها جراء التباين في وجهات النظر حول هذا النزاع المستمر بين الجيش و"الدعم السريع".
- المثلث الحدودي.. الحرب تنعش تجارة الأسلحة شرق السودان
- زيارة بميزان الخبراء.. البرهان يفتح من مصر نافذة أمل في السودان
لكن محللين أكدوا لـ"العين الإخبارية" أن الخلاف أعمق من تباين في وجهات النظر، وأرجعوه إلى غياب مسمى الحركة عن واقعها، جراء حصر مفاصل الحركة بيد رئيسها جبريل إبراهيم وأخيه وتهميش القيادات الأخرى، وكذلك الاتهامات بالفساد، إضافة إلى العلاقات بين القيادات وأطراف الصراع التي يرى البعض أنها تشكل انحيازا يفاقم الأزمة.
أسباب الخلاف
واحتدمت الخلافات بين القيادات داخل الحركة خلال الشهرين الماضيين، بسبب التباين في وجهات النظر حيال النزاع الدائر في السودان، وأعلنت قيادات نافذة في الحركة مؤخرا انشقاقها رسميا عن التنظيم الأم.
وكانت ذروة هذا الانقسام حينما أعلن المشاركون بالمؤتمر الاستثنائي بأديس أبابا، الذي دعت له قيادات أعفاها زعيم الحركة، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في الفترة من 28 إلى 30 أغسطس/آب الماضي، اختيار مسؤول الحركة السياسي سليمان صندل رئيسا لحركة العدل والمساواة بديلا عن جبريل.
وفي هذا الإطار يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد الأسباط إن "من أهم الأسباب التي دفعت مجموعة سليمان صندل للانشقاق هو تحكم جبريل إبراهيم، وأخيه غير الشقيق عبدالعزيز عشر في مفاصل الحركة، وتهميش كل القيادات الأخرى".
وهذا ما أفصح عنه المشاركون، حيث اتهموا رئيس الحركة جبريل إبراهيم بمخالفة النظام الأساسي الذي يمنع التجديد لرئيس الحركة لأكثر من دورتين.
وبين الأسباط، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن من أسباب الانشقاقات أيضا "أن القائد الجديد للحركة سليمان صندل ومساعديه التقوا القائد الثاني بالدعم السريع عبدالرحيم دقلو في تشاد، كما التقوه في أديس أبابا قبل انعقاد مؤتمرهم".
فيما لاحقت المسؤول السياسي سليمان صندل، وأمين التفاوض والسلام أحمد تقد لسان، فضلا عن نائب الرئيس عيسى آدم حسابو، وأمين التنظيم والإدارة محمد شرف، اتهامات بعقد اجتماع سري مع قائد ثاني قوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو في العاصمة التشادية إنجمينا خلال يونيو/حزيران الماضي، دون تفويض من مؤسسات الحركة، قبل أن يصدر جبريل إبراهيم قرارا بإبعادهم من مناصبهم.
وأضاف الأسباط لـ"العين الإخبارية": "السبب الثاني أن عددا كبيرا من القيادات التي انشقت كانوا يمنون النفس بمناصب سياسية في حكومة ما بعد اتفاق جوبا الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020".
وهو ما أكدوه بشكل علني أيضا خلال المؤتمر، حيث حملوا جبريل "مسؤولية إبعاد قيادات تاريخية عن الحركة والاستئثار بالمكاسب التي تحققت بفضل اتفاق جوبا للسلام ومنح السلطة لبعض المقربين منه".
وتعد حركة العدل والمساواة السودانية ضمن قوى سياسية وأهلية وجماعات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام، والتي وفرت الغطاء السياسي لحركة 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 التي نفذها قائدا الجيش والدعم السريع ضد الحكومة المدنية التي كان يرأسها عبدالله حمدوك، عندما نظمت اعتصاما أمام القصر الرئاسي قبل أيام من وقوعها.
فيما أشار إلى أن السبب الثالث يرجع إلى "اتهامات فساد مالي في الحركة، وأن الأموال لا تذهب إلى مصارفها الرئيسية، وسليمان صندل كما هو معلوم مسؤول عن الترتيبات الأمنية، بالإضافة إلى أسباب شخصية كثيرة".
وهو ما أكده صندل في الجسلة الختامية للمؤتمر الاستثنائي، موضحا أن "حركة العدل والمساواة لا تنتمي لليسار أو اليمين، وتعمل من أجل المواطنة المتساوية"، ومشيرا إلى أن "الفساد تسبب في دمار السودان"، مطالبا سكرتارية المؤتمر بأن "تضمن مكافحة الفساد في البيان الختامي".
وبين الأسباط أن "السبب الرابع هو أن قيادات بارزة في الحركة كان لديها موقف من اندلاع النزاع في 15 أبريل/نيسان الماضي، والذين انشقوا يرون أن جبريل إبراهيم سيقود الحركة إلى موقف الإسلاميين من النزاع، وبالتالي هم ضد هذا الموقف".
رؤية "جبريل" و"صندل" لحل النزاع
وكان جبريل إبراهيم كشف خلال اجتماع تشاوري موسع بمدينة بورتسودان، مؤخرا، عن رؤيته لإنهاء النزاع عبر خارطة طريق تتضمن "الوقف الفوري لإطلاق النار كمدخل لإنهاء النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتهيئة المناخ لانطلاق عملية تفاوضية تخاطب القضايا العسكرية والإنسانية والسياسية". وطالب بـ"تشكيل حكومة تصريف أعمال لحين توافق القوى السياسية والمدنية على ترتيبات دستورية لإكمال الفترة الانتقالية"، كما دعا لـ"إعلاء مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم في حق المواطنين".
فيما كشف صندل خلال المؤتمر الاستثنائي عن رؤيته، موضحا أن "حركة العدل والمساواة ستكون منفتحة على كل القوى السياسية عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول، الذي اتهمه بفصل جنوب السودان وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في إقليم دارفور".
وأشار صندل إلى موقفهم المحايد من النزاع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقال: "سنعمل مع كل القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح لوقف الحرب وحماية المدنيين".
ودعا قيادات الجيش والدعم السريع إلى "تحكيم صوت العقل بوقف القتال"، ودعا السودانيين وكل القوى المدنية إلى "الكف عن خطاب الكراهية والعنصرية وتعزيز السلم الاجتماعي باعتبار أن السودان يسع الجميع".
ولفت إلى أن "المؤتمر راجع قرار الحركة السابق بشأن تأييد مشاركتها فيما أطلق عليه انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 -حسب وصفه-، وأقر بالخطأ الذي ارتكبته جراء ذلك ومساهمتها في تقويض النظام الديمقراطي المدني".
مستقبل الحركة
وحول مستقبل الحركة فقد أكد محللون أنه ذاهب إلى المجهول خاصة مع تمسك كل طرف بشرعيته.
ففي الوقت الذي أقر المؤتمرون بالمؤتمر الاستثنائي تعديلات حول النظام الأساسي للحركة تتيح للرئيس المنتخب اختيار نائبه ومكتبه التنفيذي، فضلا عن الأمين العام للحركة بدلا عن انتخابهم، كما أجازوا ورقة سياسية تتضمن الرؤية المستقبلية للتنظيم الجديد وشكل التحالفات السياسية خلال الفترة المقبلة.
كان رد فعل جبريل على هذا القرار بالتأكيد على "ضرورة الالتزام بالنظام الأساسي للحركة واللوائح الحاكمة، مؤكدا أن شرعية المؤسسات الحالية مستمدة من قرارات المجلس الثوري الذي انعقد في مايو/أيار 2016، والذي مدد لأجهزة الحركة المتمثلة في المؤتمر العام والمجلس التشريعي والمجلس الثوري ورئيس الحركة، إلى حين انعقاد مؤتمر عام فور زوال الأسباب التي تحول دون انعقاده.
ما هي "العدل والمساواة"؟
حركة "العدل والمساواة" هي جماعة معارضة في السودان، أسسها خليل إبراهيم في عام 2000، وقادها شقيقه جبريل إبراهيم منذ عام 2012 بعد وفاة شقيقه خليل في ديسمبر/كانون الأول 2011.
وتتضمن الأجندة السياسية لحركة العدل والمساواة قضايا مثل "الإصلاح الدستوري الجذري والشامل لمنح مناطق السودان نصيبا أكبر من السلطة في حكم البلاد، واستبدال الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي بالعدالة والمساواة، والحرص على تقديم الخدمات الضروريّة والأساسية لكل سوداني".
ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي يخوض الجيش و"الدعم السريع" اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
ويتبادل الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية.