شبح كابول يطارد بغداد.. هل يعود داعش للعراق بـ"تكتيك طالبان"؟
رغم أن استيلاء حركة طالبان على مقاليد السلطة بأفغانستان، كان صادماً ومفاجئاً للعالم، إلا أن وقعه كان مختلفا على العراقيين.
فما أحدثته حركة طالبان الأفغانية وتداعيات ذلك على السلم والاستقرار الإقليمي والدولي، خشي معه عراقيون أن يكون مقدمة أو مرآة وسيناريو يقدم عليه تنظيم داعش الإرهابي في بلادهم كسيناريو 2014.
واستطاعت حركة طالبان بعد أيام على الانسحاب الأمريكي العسكري من أفغانستان، اجتياح محافظات عدة انتهى بسيطرتها على كابول ودخول القصر الرئاسي، أمس الأحد.
وعلى وقع ذلك، يعيش العراق حالة من التأهب والقلق وبخاصة عقب المخرجات النهائية التي تمخضت عنها الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن الشهر الماضي، بالاتفاق على انسحاب القوات الأمريكية ذات المهام القتالية من البلاد في مدة أقصاها نهاية العام الحالي.
وخلال الفترة الماضية، كانت قوى سياسية عراقية وشخصيات عامة تحاول الضغط لمنع تنفيذ انسحاب أمريكي قريب لقطع الطريق على تنظيم داعش واستغلاله الفرصة للعودة مرة أخرى للمشهد العراقي.
ووسط ذلك الجدل، كان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، يطمأن ويؤكد مراراً وتكراراً بأن القوات الأمنية قادرة على تولي المهام القتالية وفي كامل جاهزيتها لمواجهة التحديات الراهنة.
لكن التطورات المفزعة في أفغانستان، حركت مخاوف العراقيين وأحالتهم إلى مشهد مأساوي مازال عالقاً في الذاكرة حين سيطر تنظيم داعش على أكثر من ثلث مساحات البلاد في يونيو/ حزيران 2014.
ومع تصاعد حدة الهجمات الإرهابية التي يشنها تنظيم داعش عقب تجدد نشاطه والعودة لتنظيم صفوفه، طغت تلك المخاوف على المشهد العراقي وأصبحت أكثر جهراً وأشد جدلاً.
ومع أن بعض المراقبين للشأن السياسي استبعدوا انسحاب المشهد في أفغانستان على العراق، إلا أن أخرين يرون أن التحديات قائمة وليس هنالك ما يبعد شبح عودة تنظيم داعش مجدداً.
ووسط ذلك، حذرت تقارير أمنية وعسكرية من خطورة تنظيم داعش والاستراتيجيات الجديدة التي يعتمدها في تنفيذ هجماته داخل العراق وخصوصاً أن هنالك مؤشرات تدلل على تنامي أعداد عناصره وتوافر حواضن آمنة بعيد عن عيون السلطات العراقية.
ومنذ مطلع العام الحالي، نفذ عناصر تنظيم داعش مئات الهجمات التي استهدفت المدن المأهولة بالسكان وقوات الأمن وكان بينها عمليات موجعة أحدثت خسائر كبيرة في الأرواح بينها تفجير "ساحة الطيران" و"سوق الوحيلات" في مدينة الصدر العراقية مؤخراً.
وقدمت الولايات المتحدة من خلالها مقاتليها في العراق والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، الدعم والمساندة الجوية في الكثير من العمليات العسكرية المهمة من بينها نجاحها في قتل مايسمى "والي داعش" في العراق المكنى أبو ياسر العيساوي عند وادي الشاي في كركوك مطلع العام الحالي.
لذا فالانسحاب الأمريكي من العراق الذي وقعه جو بايدن ورئيس وزارء العراق مصطفى الكاظمي وسط تصاعد في عمليات داعش وتفشي سطوة السلاح المنفلت والمليشيات المقربة من إيران يفتح باب الاحتمالات القلقة ويرجح بوجود سيناريوهات أكثر تعقيداً.
كابول وبغداد .. التشابه والاختلاف
ومن جانبه الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، يرى أن الأمر مختلف تمامما بين أفغانستان والعراق سواء من ناحية البيئة السياسية وهيكل البناء الأمني وقواه العسكرية، فضلا عن الاختلاف الجغرافي بين البلدين.وقال "أبو رغيف"، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "ما حدث في أفغانستان لم يكن مفاجئا للولايات المتحدة، إنما جاء بتدبير من واشنطن" ضمن سلسلة اجتماعات عقدتها في المنطقة بهدف خلق "الضد النوعي" للتنظيم القاعدة، وفق قوله.
ويلفت الخبير الأمني، إلى أن "البعض يعتقد أن القاعدة وطالبان وجهان لعملة واحدة، لكن في الحقيقة هما ضدان ويتصرفان بشكل منفرد ومنعزل عن بعضهما الآخر"، بحسب تقديراته.
أما المحلل السياسي العراقي ماهر عودة فأشار إلى أن "تكرار ما حدث في أفغانستان في العراق أمر من صعب وقوعه ليس لأسباب تتعلق بقدرة القوى الأمنية العراقية على حفظ النظام الداخلي، بل لاختفاء الأسباب والدوافع التي كانت وراء عملية اجتياح داعش للبلاد وإعلان دولته المزعومة".
ويبين "عودة" خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "طبيعة النظام السياسي العراقي آنذاك خلال حكومة نوري المالكي، التي اعتمدت طوئفة على كيل الاتهامات السياسية للشركاء دون وجه حق أو دليل قانوني، خلق حالة من الاستياء والغضب لدى بعض أبناء العراق حيث شعروا بالتهميش المقصود والعزلة والحرمان من أبسط حقوقهم المدنية".
ويضيف عودة، أن "ذلك السلوك السيء في إدارة مقاليد البلاد هيأ حالة من القبول لدى تلك الأوساط الشعبية بتقبل فكرة داعش بديلاً عن ذلك النظام العراقي حينها، رغم أن التنظيم كان أشد قسوة وظلما لأبناء تلك المناطق".
لذا وكما يوضح "جودة"، فإن "المشهد اختلف كثيراً بعد موجات الاحتجاج الشعبية التي انطلقت في أواخر 2019، وما نتج عنها من وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء، كمرشح مقبول من قبل تلك الأوساط، والذي كانت بصماته واضحة وظاهرة في تعزيز نفوذ الدولة العراقية وإقناع الشعب بأنه رئيسا للجميع".
سقوط متوقع
من جانبه، يقول رئيس مركز التفكير السياسي، الأكاديمي إحسان الشمري، إن "العراق قد سبق أفغانستان في سيناريو سقوط المدن على يد جماعات الإسلام السياسي بسنوات ومن المستبعد تكراره مرة ثانية بنفس الجهات والأدوات".وأضاف لـ"العين الإخبارية"، إن "انتقال المشهد من كابول إلى بغداد من الصعب جداً خاصة أن التطرف الديني بات مرفوضا من قبل الشارع العراقي وبالتالي فداعش فقد قواعده التي من الممكن تهيأ لذلك الأمر".
ولكن الشمري لا يستبعد أن "يحدث انقلابا سياسيا في العراق" ولكن الطريقة والجهات ستكون مختلفة، بحسب قوله.
واستدرك قائلا إن "القوى الشعبية"، التي يصفها بـ"الشرعية"، ربما ستكون لها محركات قادرة على إنتاج مشهد سياسي جذري مختلف.
وتابع: "الطبقة السياسية العراقية ما بعد 2003، استحكمت بالسلطة وعملت على مصادرة الدولة ومؤسساتها وممارسة سياسات الإقصاء للكفاءات الوطنية، وأغلبهم قد تورط في دماء احتجاجات تشرين وهو ما قد يرجح بتكرار سيناريو طالبان في العراق إذا ما بقيت الطبقة السياسية تدور في فلك المحاصصة والمصالح الحزبية".
aXA6IDE4LjIyMS41OS4xMjEg
جزيرة ام اند امز